شهدت مدينة دوار هيشر من ولاية منوبة الأسبوع الماضي زيارة كان قد أداها رئيس الحكومة يوسف الشاهد حيث أشرف على تدشين القاعة الرياضية متعددة الاختصاصات وملعب كرة القدم المصغر بحي الشباب. زيارة كانت فرصة لتهافت متساكني المنطقة على موكب الزيارة رافعين مطالب ومرددين شعارات داعية إلى إيلاء جهتهم ما تستحق من عناية لافتقار أحيائها لأبسط مقومات العيش الكريم هذا إضافة إلى مطالبة الكثيرين بتحسين أوضاعهم الاجتماعية المتردية وقد تلقوا وعودا من الشاهد بتزويد حي الرمانة بالماء الصالح للشراب وحي بو لكباش بالتيار الكهربائي والماء الصالح للشراب.. «الصباح» و في إطار متابعتها لوقع هذه الزيارة وأثرها لدى الرأي العام انتقلت إلى عدد من أحياء معتمدية دوار هيشر حيث كان اللقاء بعدد من المتساكين الذين أكد أغلبهم على أن الزيارة كانت أشبه بزيارة فجئية بشكل فوت عليهم اللقاء برئيس الحكومة وإطلاعه على الحجم الهائل من النقائص التي يعاني منها متساكنو أحد أكبر الأحياء الشعبية في تونس الكبرى في إشارة منهم إلى هناك نية واضحة لحصر الحضور ومواكبة الزيارة.. أمجد (بائع دجاج، 36 سنة) اعتبر زيارة رئيس الحكومة مهمة في حد ذاتها لأنها نفضت الغبار عن منطقة جديرة بتسليط الأضواء عليها وأرجعت شيئا من الاعتبار لها ولسكانها من البسطاء والفقراء على وجه الخصوص أما في ما تعلق بجدول أعمال الزيارة فقد اعتبر أمجد أنه كان جديرا بالشاهد النزول إلى قلب دوار هيشر ليعاين حقيقة سير الحياة العامة والإطلاع على الحاجة الماسة لتنظيم الفضاءات العامة وتحرير الشوارع والأرصفة من الانتصاب الفوضوي وتنظيم حركة المرور ودعم أسطول النقل العمومي وكبح جماح الفوضويين و الانتباه إلى غياب تطبيق القانون لما يمثله ذلك من مؤشر لغياب الدولة وتفشي ظاهرة الرشوة التي أنتجت الفوضى.. آخرون ممن التقينا انتقدوا بشدة اقتصار زيارة رئيس الحكومة على حي الشباب وتدشين القاعة المغطاة ويرون أنه كان على منظمي الزيارة إدراج تحول ميداني مباشر لأحياء أخرى كجبل عمار، بولكباش، حي بالرقية، حي السعادة وغيرها لمعاينة غياب أبسط المرافق الحياتية على رأسها الربط بشبكات الكهرباء والماء الصالح للشراب، التطهير، تعبيد الطرقات وتنويرها، فمعاناة هذه الأحياء تتواصل رغم ما عاشته دوار هيشر من زيارات وما أطلق من وعود وقد عبر أحد متساكني أرض الخيار عن انتقاده الشديد لظروف زيارة رئيس الحكومة قائلا:»إنهم» أتوا بالشاهد وأخفوا عنه حقائق مرة عن حياتنا، فهل تحدثوا عن المصبات العشوائية وتعطل رفع الفضلات والتنظيف رغم وجود أكبر أسطول تجهيزات بلدية في دوار هيشر؟ هل تحدثوا عن الحفر المنتشرة في كل مكان وعن أنهجنا غير المعبدة وعن المقاولين الذين أنجزوا تعبيد عدد من الشوارع فتركوها في أوضاع تعيسة أشد مما كانت عليه؟ وهل تحدثوا عن قنطرة وادي الدباغ وما يحيط بها وعن الأموال التي ذهبت مع الرياح دون حصول الفائدة وتواصل تجمع المياه وتهديدها المباشر لحياة العائلات؟ وهل تحدثوا عن تهرؤ شبكة التيار الكهربائي وتواصل انقطاع التيار بسبب أو دونه؟ وهل تحدثوا عن غياب الأمن وتفشي الإجرام وخاصة ظاهرتي السرقة والبراكاجات وعن حاجة المدينة لمركز حرس وطني أو لنقطة أمنية يساهم وجودها في اعادة شيء من الطمأنينة للقلوب؟ وكلها أسئلة بمثابة إشارات لعدد من النقائص أجمع آخرون إلتقيناهم على وجودها.. مطالب بالتشغيل عند تحولنا إلى إحدى المقاهي للقاء بعض شباب دوار هيشر والتحدث إليهم تفاجأنا بحجم رفضهم للإدلاء بأي رأي حجتهم في ذلك انعدام الجدوى وفقد الأمل من أي حديث يمكن قوله وتبخر الأمل في قدرة أي كان من النخب التي حكمت والتي تحكم والتي ستحكم في تحقيق أحلامهم وتحسين أوضاعهم، وعن الزيارة الأخيرة فقد اعتبروا أنها لا تعنيهم لأنها لن تفتح لهم بابا للتشغيل وتخرجهم من حالة البطالة التي يعيشونها وتساءلوا عما إن كان الشاهد قام بزيارة مكتب التشغيل واطلع على عمله وحجم تدخله لفائدة العاطلين من غير الحاملين للشهائد وهل قام بالإطلاع على ظروف العمل بالقرية الحرفية التي يتغنى بها جميع مسؤولي الجهة والحقيقة أن أغلب محلاتها تحت تصرف أصحاب المشاريع معدة للتخزين ومغلقة؟ كما أنهم غير معنيين بالأنشطة الرياضية وممارستها في القاعة الضخمة المنجزة لعدم استيفائهم لشروط التدرب فيها ولخّص أحدهم الوضع بجملة: «مانحبوش صالة، نحبو نخرجو من البطالة»، لتكون بالنسبة إليهم وحسب تعبيرهم زيارة خاوية لا تعني لهم شيئا لأنها لم تفتح لهم أبواب الأمل في التشغيل عبر مشاريع منتجة للثروة ينتظرون إحداثها في محيطهم لاحتوائهم وضمان فرص العمل لهم، وإن كان منها جدوى فلتكن عندما تتحقق وعود الشاهد بتنوير الأحياء وتزويدها بالماء الصالح للشرب.. عودة إلى القاعة الرياضية والملعب المعشب اللذين تم تدشينهما فإن عددا من أبناء حي الشباب وهم من المنقطعين عن الدراسة طلبوا منا إيصال مطلبهم لمن يهمه الأمر لتمكينهم من ممارسة الرياضة داخل الفضاءين المذكورين وتسهيل ذلك أمامهم لأنهم يلاقون صعوبات في الالتحاق بمن يتدربوا بل منعهم من كل الفرص وقد انتقدوا بشدة استغلال حارس الملعب المعشب لكرة القدم المصغرة لكرائه لمن يدفع المال مقابل منع الآخرين للعب فيه وهو ما يدعو للتثبت منه خاصة وأن إجراءات القبول النهائي لم تتم بعد في شأن قابليته للاستغلال.. عموما فإن زيارة رئيس الحكومة لدوار هيشر وتدشين القاعة الرياضية لم تمر كحدث عادي فقد أرضت عددا من المتساكنين وبعض النشطاء بإعتبارها دافعا للإهتمام وتكوين الناشئة وصقل مواهبهم وكشف ابداعاتهم وقدراتهم وتطويرها وهم الذين طالبوا بإعداد برامج عمل تتسع لتشمل جميع أصناف الشباب من التلاميذ والطلبة وغيرهم من أبناء الأحياء وبقية معتمديات الولاية للاستفادة من هذا الإحداث الرياضي، إلا أنها في المقابل فرصة لعدد كبير آخر من المتساكنين والناشطين في المجتمع المدني لإعادة التذكير بالنقائص المرتبطة ارتباطا وثيقا بالحياة اليومية وبالظروف الاجتماعية لأغلب المواطنين بمعتمدية دوار هيشر كبعث مركز متعدد الخدمات، توسعة مركز الصحة الأساسية، بناء مدرسة ابتدائية جديدة، إحداث منطقة أمن وطني إضافة إلى كل ما تم ذكره سالفا ضمن تصريحات البعض والمطالبة بوضعها على طاولة الدرس وتناولها بعيدا عن التوظيفات بل لأنها استحقاقات وجب العمل على تنفيذها ولو عبر مراحل..