تتجه السنة الراهنة 2018 لطي اخر صفحاتها، ولكن لتطوي معها سنة أخرى في عمر الثورة التي ستبلغ قريبا عقدها الاول وهي مدة زمنية محدودة في حياة التونسيين ولكنها مصيرية في مسار الانتقال الديموقراطي وستكون منعرجا حاسما في تحديد مستقبل تونس وسيادتها واستقرارها بل وتحديد توجهات المشروع الوطني المؤجل الكفيل بانقاذ البلاد من مخاطر الانقسام والتشتت الذي يفترض أن يحدد هذا التوجه.. نقول هذا الكلام بالنظر الى حساسية وأهمية وتحديات المرحلة التي تفرض على الطبقة السياسية التي خذلت الرأي العام مرة بعد مرة أن نهاية سنة وحلول أخرى مرحلة مهمة في تطلعات الحكومات الديموقراطية المسؤولة أمام شعوبها والمعنية بازدهار ورخاء مواطنيها الذين بات حالهم كحال بيرم التونسي»يمشي ويكتم انفاسه مخافة ان يعدها عامل المجلس البلدي حتى اذا ما الرغيف اتى فالنصف اكله والنصف للمجلس البلدي».. ولعل في الايام القليلة المتبقية على الذكرى الثامنة للثورة ما يستوجب التذكير والحديث قياس أن الاطفال الذين كانوا في سن العاشرة عندما حدثت ثورة 17 ديسمبر 14 جانفي هم اليوم من الشباب الذي يفترض أن يكون صوته حاسما في الانتخابات القادمة.. لاخلاف اليوم، أن المشهد في تونس قاتم وسيكون من الرياء والنفاق الحديث عن نصف كأس ملان والحال أن التونسيين يشعرون بالظما نتيجة حالة القحط والعقم السياسي الذي جرف النخب السياسية للتنافس على مزيد اغراق البلاد في المتاهات وتعميم الاحباط والتشكيك في المستقبل.. ولاشك أن قتامة المشهد تنسحب على المشهد الاجتماعي والاقتصادي المتردي وتفاقم التضخم وانهيار الدينار وغياب الافاق بمازاد في انهاك جيب المواطن الذي استنزفته الضرائب والديون، وقد باتت مظاهر الغضب والاحتقان الشعبي التي لم تغب يوما عن المشهد طوال السنوات الماضية تنتشر كالعدوى بين مختلف القطاعات.. كل ذلك فيما تستمر حكومة الشاهد في تركيبتها الجديدة سياسة النعامة على أمل أن ينتهي الامر بالمواطن التونسي الى القاء المنديل والتحلي بصبر أيوب في انتظار أن تنقشع الغمة أو يرفع صندوق النقد الدولي قبضته على البلاد.. والاكيد أن التعويل على وقوع معجزة تغير المشهد الراهن في البلاد سيكون كمن ينتظر عودة غودو، والحال أن الوضع في تونس لا يحتمل مواصلة الهروب الى الامام على أمل الوصول الى الموعد الانتخابي المرتقب في 2019 وما يمكن أن تحمله الخارطة السياسية من تحولات أو تحالفات أو ائتلافات قديمة جديدة.. بما يعني صراحة أن تحديد البدائل المطلوبة لاعادة احياء الامل لدى التونسيين ليس ترفا بل أولوية لا تقبل مزيد التأجيل والابتزاز والمساومات والخيارات الخاطئة.. كم كنا نتمنى، فيما تستعد تونس لاحياء ذكرى الثورة أن يكون المشهد أقل غموضا وريبة وأن تكون النخب السياسية استوعبت تعقيدات المرحلة، ولكن يبدو أن عقلية المغانم والانتهازية المفرطة ستظل سيد المشهد وأن المواطن وحده من سيستمر في دفع ثمن هذا الوضع في ظل استمرار تغييب الحقائق ومحاولات التعويل على اسقاط الملفات الحساسة من ذاكرة التونسي ودفعه للانشغال بهمومه اليومية ومعركته في توفير لقمة العيش الذي لم يعد بالكريم وتعليم ابنائه.. وهي مشاغل على خطورتها سيكون من الخطا الاعتقاد ولو لحظة أن التونسي يمكن أن ينسى معها أو يتخلى عن المطالبة بكشف ملف الشهيدين البراهمي وبلعيد والكشف عن حقيقة الجهاز السري لحركة النهضة وعن حقيقة وحجم التعويضات وعن كل ما تم تسريبه عن وعي او عن غير وعي عن الملفات المتعلقة بسيادة البلاد ومخططات الانقلاب التي تم اغلاقها أو كذلك التوقف عن المطالبة بالكشف عن مصير وزير الداخلية ناجم الغرسلي وما ارتبط به من ملفات امنية.. وكما توفرت الارادة السياسية والقضائية للكشف عن الطرف المعني بجريمة اغتيال صالح بن يوسف قبل أكثر من ستة عقود كما صرحت بذلك رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة امس سهام بن سدرين، التي أكدت التوصل الى المتهم بارتكاب الجريمة وهو يبلغ اليوم ثمانين سنة من العمر ويعتقد انه كان طالبا بالمانيا في تلك الفترة، فانه سيكون لزاما على النخب الحاكمة اليوم كشف الحقائق المغيبة للرأي العام وهي جرائم لا تسقط بالتقادم.. ندرك جيدا أن التونسيين قادرون على تفادي الاسوأ في حال توفرت الوطنية الصادقة وتغيرت المعادلة من حالة شعب في خدمة السلطة الى سلطة في خدمة ناخبيها.. لا شيء اليوم يمكن أن يغير موقف التونسي من النخب السياسية غير ازالة القتامة عن المشهد..