هناك دين يتعين على حكومة يوسف الشاهد الوفاء به وتسديده للتونسيين وهو دين تتجاوز قيمته الاعتبارية كل الديون الخارجية التي استنزفت البلاد، ولا شك أن المضي قدما في التأجيل والتهرب من استحقاقات الدين المتفاقم لن تساعد الحكومة في شيء ولن يمنحها صك البراءة أو يعزز مواقعها الى ما لا نهاية... وكل يوم يمر دون الوفاء بهذا الدين للتونسيين الذين برهنوا على قدرة فائقة على الصبر وتحمل الخيارات الفاشلة للحكومات المتعاقبة يساعد في تعمق أزمة الثقة الحاصلة بين حكومة بلا وحدة وطنية وبين السواد الاعظم من الرأي العام ويعزز القناعة أننا ازاء وضعية متناقضة لم تعد القاعدة فيها «أن السلطة في خدمة الشعب» ولكن العكس «أن الشعب بات في خدمة اصحاب السعادة» وهو ما يعني أن تونس لا تسير في الطريق الصحيح، وأن الغموض الذي يرافق الازمة السياسية التي تمر بها البلاد يتجه الى مزيد الكثافة والتعقيد.. ربما اعتقد المواطن التونسي أن خروج «الحرب» بين رئيس الحكومة يوسف الشاهد وبين حافظ قايد السبسي المدير التنفيذي للحزب الحاكم نداء تونس نجل رئيس الدولة ومؤسس الحزب الى العلن سيجعل رئيس الحكومة أكثر جرأة في كشف الحقائق للرأي العام ووضع النقاط على الحروف حتى نتجاوز على الاقل حالة التطبيع القسري والمدمر مع الاحباط والعزوف من النخب السياسية التي ما انفكت تتنافس على كسب سخط واشمئزاز شريحة لا يستهان بها من التونسيين.. ولكن الواقع أن الصمت المريب لرئاسة الحكومة بعد قرار اقالة وزير الداخلية لطفي براهم جعل التونسي اليوم يغرق في حيرته ازاء الاسباب الحقيقية لهذه الاقالة وما رافقها من اشاعات بشأن مؤامرة أجنبية وانقلاب كان يجري الاعداد له... وبعيدا عن الوقوع في فخ التفاصيل المثيرة بشأن قرار الاقالة وما تلاها من تعيينات على رأس العديد من المؤسسات الامنية الشاغرة، فقد وجب الاشارة الى أن الامر لا يتعلق بالتشكيك في صلاحيات رئيس الحكومة من عدمه فهذه مسألة أقرها الدستور وهي مسألة محسومة، ولكن الامر يتعلق بالمناخ العام في البلاد وبما رافق مسلسل الإقالات والتعيينات في مختلف الحكومات بعد الثورة من تغييب للأصل بمعنى تجاهل شرط ومنطق التقييم الموضوعي والمسائلة والمحاسبة في اعتماد الاقالة وتغليب بدلا من ذلك عقلية الغنيمة والخضوع للمصلحة الحزبية دون اعتبار لتأثير ذلك على التجربة الديموقراطية الهشة في بلادنا وما تحتمله هذه العقلية من انتكاسات لم تعد خفية وقد تدفع الى القفز على التجربة الديموقراطية وبترها باسم التوافق المغشوش وما يفترضه من ضمان استمرار التحالفات السياسية الحاكمة على حساب المصلحة الوطنية في أحيان كثيرة وربما مصادرة القرارات والتشريعات الحاسمة الكفيلة بالخروج بالبلاد من أزماتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وتراكماتها.. ولو أن قرارات الاقالة استندت الى الشروط المطلوبة في كل مسؤول لما كان حال تونس اليوم على ما هي عليه من تردي وغياب للبدائل المحفزة.. وقد وجب الاعتراف أن المشهد الراهن مرشح للاستمرار طالما استمر العمل بالنظام الانتخابي الحالي... أخيرا وليس اخرا ليس من المبالغة في شيء الإقرار بأننا ازاء عقدة الانتخابات الرئاسية المرتقبة في 2019 وحسابات كل طرف من الاطراف في الكواليس للفوز بكرسي قرطاج... وإذا كانت حركة النهضة تنفي حتى وجود مرشح لها للرئاسة ولكن حتى ذلك الحين فانه سيكون لكل حادث حديث... وفي الانتظار الحقيقة المغيبة عن التونسيين بشأن مختلف الملفات الاقتصادية المصيرية العالقة والقضايا الامنية الحساسة المؤجلة فانه سيكون لزاما على الحكومة الوفاء بتعهداتها وتسديد ما عليها من ديون وفي ذلك ضمان للحد الادنى لبناء ثقة تكاد تكون معدومة... فمتى تحين ساعة المكاشفة ورفع الغطاء عن الحقائق المغيبة؟