استنادا لمجلة «جون أفريك» التي تصدر بفرنسا والتي نقلته عنها عدة مواقع اخبارية في العالم فإن تقرير صار-سافوي، الذي أعدته المؤرخة بنديكت سافوي والاقتصادي السنغالي فلوين صار بشأن إعادة فرنسا ما غنمته من تحف فنية خلال استعمار عدد من بلدان القارة السمراء وتسلمه مؤخرا للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أغفل الإشارة لبلدان شمال أفريقيا. وقد استغربت المجلة من كون فرنسا التي استعمرت تلك البلدان استحوذت على الكثير من تحفها الفنية بما فيها ألواح قرطاجية وتماثيل رومانية وكنوز بيزنطية وغيرها من المسروقات التي أخذت من العثمانيين إلى المجموعات الفرنسية. ونبهت المجلة في تحقيق في الغرض إلى أن العديد من روائع العصور القديمة التي اكتشفها علماء الآثار المستعمرون في بلدان شمال أفريقيا تعرض في المتاحف الغربية، إذا لم تبق مخزنة في مستودعات خاصة. وقالت الصحيفة إن الرئيس ماكرون منذ تصريحه في واغادوغو أعطى الانطباع بأنه يريد التركيز على جنوب الصحراء، لأن هناك «خللا في توزيع التراث الخاص بهذه المنطقة، في حين يمتلك الشمال متاحف غنية كما هو الحال في الجزائروتونس»، كما تقول سافوي، مشيرة إلى أن متحف القاهرة (1902) ومتحف باردو في تونس (1888) ومتحف الفنون الجميلة في الجزائر (1897) لا يضاهيها أي متحف في الدول ال48 جنوب الصحراء الكبرى. مطالبات قديمة وقال التحقيق إن مطالبات بعض دول شمال أفريقيا قديمة باستعادة بعض تحفها من الغرب، كمطالبة مصر باستعادة حجر البردي الشهير الذي سمح لشامبليون بفك الشفرة الهيروغليفية القديمة من المتحف البريطاني منذ ديسمبر 2009 بطلب قدمه رئيس مجلس الآثار زاهي حواس. وأكد حواس وجود طلب آخر قدم عام 1925 لمتحف نيو في برلين لاستعادة «رأس نفرتيتي» الذي لا يقل شهرة عن حجر البردي الآنف الذكر. وفي نفس السياق، تطالب الجزائر بممتلكاتها، وقد وعد ماكرون في نهاية عام 2017 بإعادة جماجم 37 مقاتلا جزائريا تحتفظ بها فرنسا منذ القرن التاسع عشر في المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي في باريس. وقد ذرك تقرير صار-سافوي موضوع بمطالبة مصر والجزائر باستعادة آثارها وقال إن «هذه القضايا يجب أن تكون موضوعا لمهمة وتفكير متأنيين». ورأى التحقيق أن بعض العواصم العربية في القارة لا تطيق الانتظار، واستشهد بقول رئيس المؤسسة الوطنية للمتاحف بالمغرب مهدي قطبي إنهم قرروا مع وزير الثقافة «إنشاء لجنة خاصة لجرد الممتلكات المغربية الموجودة في الخارج ودراسة الخطوات الممكنة». ويقول نفس المتحدث إن متحف اللوفر وحده لديه نحو 460 ألف قطعة فنية، مضيفا «أنا أدافع عن الاعتدال. يجب أن تعاد لنا الروائع التي تشهد على تاريخ وثقافة بلدنا، ولكن رغبتنا ليست في استعادة تراثنا بأكمله. بعض الأعمال المعروضة في متاحف مرموقة هي واجهات ممتازة للمغرب في الخارج». أما مصر فتريد تفريغ قاعات العرض الغربية لملء متحفها الكبير الجديد، حسب التقرير، وتصر على الأهمية العلمية أو الفنية للأشياء المطلوبة التي ترى أنها تساهم في الهوية الثقافية الوطنية. وفي الجزائر، بدأت استعادة جماجم المقاتلين المحتفظ بهم في باريس، كما أن الصحافة الجزائرية رحبت في ديسمبر 2012 بإعلان الرئيس فرانسوا هولاند إعادة مفاتيح شرف مدينة الجزائر العاصمة التي سلمها الداي للمارشال دي بورمونت بعد هزيمته عام 1830، غير أن المفاتيح الشهيرة لا تزال حتى اليوم موجودة في متحف الجيش في باريس. وكان الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك قد قدم للجزائر بمناسبة أول زيارة رسمية له هناك عام 2003 الختم الذي وقع به الداي استسلامه عام 1830، غير أن هذا الختم اشتراه ورثة بورمونت ولم يكن جزءا من ممتلكات الدولة الفرنسية غير القابلة للتصرف. ومما تطالب به الجزائرفرنسا مدفع ضخم من البرونز من صنع الدولة العثمانية أخذه الفرنسيون غنيمة حرب وعرضوه في بريست وعليه علامة الديك، كما تطالب باستعادة أرشيف 132 سنة من الاستعمار، وقد وعد ماكرون عام 2017 بتسليم نسخة منه. في تونس لا تطالب السلطات باسترجاع قطع أثرية من الخارج، كما أوضحت مديرة البحوث في معهد التراث الوطني ليلى العجيمي السبعي التي تقول إنها فخورة بأن الآثار التونسية معروضة في أجمل المتاحف العالمية. غير أن ليلى تشعر ببعض الأسف «على وجود أعمال كبيرة محفوظة منذ سنوات في مخازن متحف اللوفر»، موضحة أنها تعني على وجه الخصوص مجموعة من أربعة توابيت بونيقية من الرخام الأبيض، بها نعوش كهنة، نقلت إلى باريس من أجل المعرض العالمي لعام 1900 ولم تعد قط، كما أنها لم تعرض. وكانت عالمة الآثار قد طلبت عبثا من متحف اللوفر قبل 20 عاما إعادة رأس إمبراطورة رومانية أخذ من كنيسة قرطاج ولا يزال في مستودع لا يراه العالم. وقد أعادت إيطاليا للزعيم الليبي الراحل معمر القذافي «حورية قورينا» بعد عرضها لفترة طويلة في متحف الحمامات بروما، حين جاء رئيس الوزراء سيلفيو برلسكوني إلى بنغازي يحملها مع اعتذار عن استعمار بلاده لليبيا، ولكن كل الآثار نهبت بعد الثورة، كما هو الحال في مصر بعد ثورتها هي الأخرى، مما عزز من موقف الأصوات الإيطالية التي عارضت بشدة رحيل الإلهة في 2008. جدير بالذكر أن موضوع الآثار المنهوبة من البلدان المغاربية والعربية هو موضوع طويل ومعقد وقد استفحل مع اندلاع نزاعات مسلحة في عدة بلدان عربية لا سيما في العراق وسوريا واليمن وليبيا مما عمق الأزمة. وقد شهد العالم في السنوات الأخيرة على تدمير العديد من النفائس الأثرية والتاريخية التي تزخر بها البلدان العربية بفعل فاعل ولدعم من القوى الفاعلة في العالم. ولعلها فرصة بمناسبة تحقيق جون افريك للدعوة لمزيد التجند على المستوى الرسمي وكذلك على مستوى المجتمعات المدنية ببلداننا للضغط من أجل استرجاع الآثار المهربة وتراثنا المنهوب.