بين النفي والتأكيد تراوحت ردود الأفعال خلال اليومين الماضيين بشأن التوصل لاتفاق وشيك بين الاتحاد والحكومة سيلغى بموجبه الإضراب في الوظيفة العمومية والقطاع العام المقرر ليوم 17 جانفي الجاري. لكن قراءة جملة المؤشرات خلال ال 24 ساعة الأخيرة وكذلك ما رشح من اجتماع قرطاج في 28 ديسمبر الفارط الذي دعا إليه رئيس الجمهورية وحضره رئيس الحكومة والأمين العام للاتحاد، تدفع بقوة نحو الإقرار بأن لا أحد يرغب في الوصول إلى الإضراب العام، حتى أكثر المستفيدين منه نقابيا وسياسيا. لذلك تحرك الجميع على ما يبدو إلى حلحلة الأزمة وتقريب وجهات النظر، وكان دور رئيس الجمهورية مفصليا باتجاه التهدئة والدعوة إلى الحوار على قاعدة تغليب المصلحة العليا للبلاد على كل الحسابات الأخرى بما فيها تلك الأكثر مشروعية والمتعلقة بالدفاع عن مصالح الموظفين ومقدرتهم الشرائية المتهاوية، ولا ينكر ذلك إلا جحود. وكان الجلوس بكل هدوء ومسؤولية إلى طاولة الحوار بعيدا عن حسابات التصعيد وتشنيج الأجواء السبيل الوحيد لإيجاد أرضية التقاء بين الحكومة والاتحاد في مسألة الزيادة في أجور الوظيفة العمومية، على اعتبار صعوبة الموازنة بين وجهتي نظر الطرفين اللتين تبدو فيهما مؤيدات كل منهما مشروعة ومقنعة إلى حد كبير، وسط ظرف اقتصادي واجتماعي دقيق يتطلب إمساك العصا من الوسط لمراعاة موازنات الدولة المالية ونسب التضخم المخيفة من جهة، وحقوق الشغالين ورفضهم أن يتحملوا بمفردهم فاتورة التضحيات من جهة أخرى. وتؤكد اللقاءات المتتالية بين الطبوبي والشاهد وأيضا مع رئيس الجمهورية والتي كان آخرها يوم أمس، إلى جانب انعقاد الدورة الثالثة لمنتدى الخبراء للتباحث في برنامج إنقاذ للاقتصاد الوطني على المدى القصير وتحديد اجراءات عملية ودقيقة عاجلة ومستعجلة، وجود خطوات في الاتجاه الصحيح مع إحساس مشترك بصعوبة الوضع وحجم التحديات وأن الحلول لا يمكن أن تكون أحادية الجانب. وإذا لم يكن الإضراب العام غاية في حد ذاته، فإن البوادر الإيجابية إلى حد الآن في التقاء الفرقاء وتعديل البوصلة بالاتجاه الصحيح للحوار والانصات للخبراء، لا من أجل التشخيص بل للحلول الفورية القابلة للتنفيذ، قد تدفع في الأخير إلى الإقرار بأن الإضراب كان شرا من أجل الخير ومن أجل عودة الرشد للجميع للانكباب على انقاذ البلاد وبعث الأمل من جديد في نفوس التونسيين.