ساعات قليلة فصلت بين تصريحات نائبين عن حركة النهضة بشأن ترشيح زعيم الحركة للانتخابات الرئاسية، أما الاول فقد جاء على لسان النائبة يمينة الزغلامي في تصريحات اذاعية حرصت خلالها على التأكيد على ما يحظى به زعيم حركة النهضة من اجماع بشأن الترشح الى منصب رئاسة الجمهورية «بالنظر الى ما يتمتع به الرجل من خصال سياسية»، والكلام للنائبة عن حركة النهضة التي تضيف بأن الغنوشي قدم الكثير من الخدمات للتونسيين.. الى هنا يبدو الامر عاديا ويمكن ان يتنزل في إطار حرية الرأي والتعبير وكذلك حرية الترشح بالنسبة لزعيم حركة النهضة الذي لا يبدو ان طموحاته في غزو قصر قرطاج غدت مسألة سرية او خفية خاصة بعد انقطاع ما بقي من شعرة معاوية بينه وبين حليف الامس الشيخ الباجي قائد السبسي وانتهاء مرحلة ما بعد لقاء باريس، لولا خروج النائب سمير ديلو بالأمس لينفي ما كانت النائبة يمينة الزغلامي أكدته ليقر بأن الامر غير مطروح في الحركة ولم تتم مناقشته حتى الآن ... مع العلم أنها ليست المرة الاولى التي يطرح فيها زعيم حركة النهضة كمرشح لرئاسة الجمهورية حيث سبق للأمين العام السابق للتجمع محمد الغرياني أن ادلى بدلوه في هذا الشأن معتبرا في تصريحات غير مسبوقة أن راشد الغنوشي يجمع كل المواصفات للفوز بهذا المنصب... واذا كان بالإمكان تفهم تصريحات المسؤول السابق الذي طالما تجند للدفاع عن النظام السابق بعد أن أصبح من المقربين من الحركة، بل وربما كان ممن لا يبخلون على الحركة بالنصح حسب بعض التسريبات، فان في التناوب الحاصل بين عضوين من الحركة للمراوحة بين التأكيد والنفي لهذا الامر ما يفترض أكثر من قراءة في هذه المرحلة التي يبدو أن الطامحين لكرسي الرئاسة سيضطرون للكشف عن طموحاتهم أو كبتها والتخلي عنها نهائيا اذا صح ترشح زعيم الحركة في الانتخابات القادمة. والارجح أن النائبة يمينة الزغلامي عندما تطرقت الى هذه المسألة لم تنطق من منطلق التعبير عن موقف أو رأي خاص، اذ بالرغم مما تروج له الحركة من اعتمادها لغة الحوار والشورى في رحاب الحركة في نقاشاتها السياسية فلا نخال الامر كذلك عندما يتعلق الامر بالطموحات السياسية لزعيم الحركة وما يعرف عن الحركة واتباعها من انضباط والتزام بعدم الخروج عن التوجيهات التي تصدر عن قياداتها، وهو ما يعني ان النائبة ما كانت لتعلن أمر ترشيح زعيم الحركة بدون ضوء اخضر في هذا الشأن، وبالتالي فان عودة النائب سمير ديلو بعد ساعات لنفي ما ورد على لسان احد أعضاء الحركة قد يتنزل في اطار تقاسم الادوار وسياسة جس النبض في اختبار حاسم للمواقف والنوايا بشأن واحدة من المسائل المهمة في ثقافة الناخب التونسي الذي لا يزال يرى في منصب رئاسة الجمهورية، وبرغم صلاحياته المحدودة في دستور 2014، المنصب الاكثر أهمية مقارنة بمنصب رئيس الحكومة رغم كل الصلاحيات التي يتفرد بها ... ولكن التوقف عند حدود إطلاق بالونات الاختبار يظل سطحيا في قراءة هذا التوجه من جانب حركة النهضة التي يبدو أنها تسعى من خلال هذا الاختبار الى دفع المعنيين بسباق الانتخابات الرئاسية الى الكشف عن نواياهم صراحة حتى تتضح الرهانات والامكانيات خاصة بالنسبة للأسماء التي كانت تعول على دعم الحركة لها في الفوز بكرسي الرئاسة.. ولا ندري صراحة موقف السيد كمال مرجان وزير الوظيفة العمومية الذي سبق له الاعلان عن ترحيبه وتشرفه بدعم حركة النهضة له في حال الترشح.. يبقى الاهم وبعيدا عن محاكمة النوايا فان الحديث عن الانتخابات الرئاسية في ظل استمرار غياب المؤسسات الدستورية ومعها استمرار الفشل في استكمال الشغورات والتوافق بشأن هيئة الانتخابات التي لا تزال بدون رأس والتي لا يزال امامها الكثير قبل أن يتم الانتهاء من تسجيل قائمات الناخبين واستيفاء كل الشروط اللوجستية لسباق الانتخابات التشريعية والرئاسية قبل نهاية العام 2019، فان الامر يظل في قيد المجهول في ظل الخيبات المسجلة بسبب الاداء المخيب للآمال للنخب السياسية وتفاقم ازمة الثقة الحاصلة ازاء مختلف الاحزاب السياسية بما في ذلك الاحزاب الكبرى وبينها النهضة التي تهيمن على السلطة أو ما بقي من النداء وما تفرع عنه من أحزاب لا تزال تبحث لها عن بوصلة لاستعادة موقع لها في المشهد السياسي الذي يزداد تأزما في ظل التناحر الحاصل وغياب البدائل والافاق والرؤى التي يمكن أن تؤشر الى وجود ارادة سياسية صادقة لتجاوز مرحلة العبث والمراهقة السياسية التي طال أمدها وتجاوز.. ونحن في موسم الامطار تعود بنا الذاكرة الى أحد النصوص في المرحلة الابتدائية عن قصة أحدهم وهو يتردد في اخذ المظلة تحسبا لنزول الامطار تحت عنوان «آخذها.. لا آخذها «.. والحال ينطبق اليوم على حركة النهضة التي سلمت بنهاية مرحلة التوافق بين الباجي والغنوشي على رأي الشارع التونسي بعد أن حددت على ما يبدو حساباتها وتوقفت عند سلبيات وايجابيات العملية الانتخابية وهي التي باتت مقتنعة بأن الرئيس الحالي الباجي قائد السبسي بحكم المنطق ومصلحة البلاد لن يجازف بالترشح لولاية ثانية. اما بالنسبة لنجله فالأمور محسومة، فطموحاته بلا آفاق ومسيرته لا تؤهله الى الحلم بهذا المنصب وهي حقيقة واضحة وضوح الشمس، وربما كان الرهان منذ البداية على أن يصل حافظ قائد السبسي الحزب الى ما هو عليه وهذا هو المطلوب.. بقي رئيس الحكومة يوسف الشاهد وطموحاته غير المعلنة في الوصول الى قرطاج ولا نعتقد أن الشاهد الذي ما انفك يذكر بأن مستقبله السياسي امامه يمكن ان يطمح على الاقل في هذه المرحلة للرئاسة الا إذا تم في المرحلة القادمة التوجه الى تعديل الدستور وهو امر غير مضمون... يبدو أن حسابات الغنوشي وطموحاته بدأت تتضح ولكن ما لم يتضح بالنسبة للتونسيين ما سيكون عليه المشهد في تونس التي تقطع خطواتها باتجاه الذكرى الثامنة لثورة 14 جانفي ومهما بلغت حركة النهضة من هيمنة على المشهد، فهي مدينة لذلك لتشرذم وتفتت بقية الاحزاب وليس لقدرتها على اقناع التونسيين أو جمعهم حولها وستظل طوال المرحلة القادمة المستفيد الاكبر من حالة الضعف والانهيار والتردي الحاصل في النخب السياسية غير الفاعلة...