«العمل على تحسين الظروف الصحية للمرأة السجينة، ضمان أكثر استقلالية للأطباء المختصين المباشرين بمراكز الايقاف وكذلك بالسجون، تسهيل الحصول على بعض الوثائق الرسمية من المحاكم لإتمام بعض الملفات ودعوة لبعث سجون أخرى للنساء، مع ضرورة فتح أبواب السجون أمام الباحثين والمختصين للقيام بأبحاثهم.. تنقيح بعض الفصول القانونية خاصة في ما يعنى بالمرأة الحامل وتعويضها بعقوبة بديلة مع ضمان أكثر صلاحيات لقاضي تنفيذ العقوبات».. تلك كانت أهم التوصيات التي خلصت لها الندوة التي عقدت منتصف الأسبوع الماضي بأحد النزل بالعاصمة حول»وضعية المرأة السجينة في تونس» وذلك بإشراف المؤسسة القانونية الدولية بتونس وبحضور سفيرة كندا السيدة كارول ماكوين وممثلين عن الهيئة الوطنية للمحامين بتونس وعن جمعية المحامين الشبان وعدد من وكلاء الجمهورية وممثلين عن وزارة العدل وعدد من منظمات المجتمع المدني. جرائم متصلة بوضعيات هشة.. في البداية بينت رئيسة جمعية «بيتي» سناء بن عاشور(جمعية تعنى بالنساء اللواتي يعانين من مختلف أشكال الاقصاء) خلال مداخلتها أن الجرائم التي ترتكبها النساء هي في كل الحالات جرائم متصلة وملتصقة بظروف هشة سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية أو سياسية، ذلك أن عديد الدراسات تؤكد أن اغلب الجرائم من ذلك «الزنا والسرقة» مثلا كانت كلها بدافع الفقر والهشاشة. وأضافت بن عاشور بخصوص المطالب التي تقدم للجمعية ان قرابة 78 % منها تتعلق بعدم وصول وبلوغ صاحباتها إلى العدالة من خلال عدم الحصول على محامي للدفاع عنهن وعن حقوقهن في ظل منظومة سجنية منقوصة تكاد تكون فيها الاعانة العدلية معدومة تماما وفق قولها. وشددت بن عاشور على أن هناك نظرة دونية تجاه المرأة التي يقع اتهامها بجريمة ما الى درجة يقع حشر عائلتها معها لتكون تبعات ذلك فقدانها لأطفالها واحتجازهم حتى في صورة ممارستها للحضانة ما يزيد من تعميق وضعية الهشاشة والإقصاء لهؤلاء النساء اللواتي يعانين من هذه الوضعية. مشاكل فترة الاحتفاظ.. وبخصوص المشاكل التي تتعرض لها المرأة أثناء فترة الاحتفاظ وهل تأخذ مراكز الاحتفاظ بعين الاعتبار خصوصية المرأة، بيّن مساعد وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بأريانة معز الغريبي أن هناك ضمانات قانونية كفلها المشرّع لذي الشبهة مهما كان جنسه حيث نصت النصوص التشريعية مثلا على إمكانية حضور المحامي لدى الضابطة العدلية وذلك وفق القانون عدد 5 المؤرخ في سنة 2016 والذي دخل حيز التطبيق منذ سنتين. ووفق الغريبي فان المرأة تكتسي وضعية معينة مقارنة بوضعية الطفل وكذلك الشخص المعوق اثناء فترة الاحتفاظ، اذ هناك بعض الاشكاليات التي تتمثل في ظروف احتفاظ غير ملائمة نظرا لهشاشة وضعيتها، خاصة في صورة وجود امرأة حامل. وأشار الغريبي في ذات السياق الى ان مجلة الاجراءات الجزائية نصت على أنه يمكن عرض ذي الشبهة على الفحص الطبي لبيان بعض المخاطر التي يمكن أن تهدده أثناء فترة الاحتفاظ به وبالتالي يمكن ان يقع أشعار النيابة العمومية في أي وقت وإعلامه بتعكر الحالة الصحية لذي الشبهة ان كان ذكرا أو انثى وبإمكان ممثل النيابة ان يأذن بعرضه على الفحص الطبي. وبخصوص ما اذا كانت تأخذ بعين الاعتبار خصوصية المرأة عند الاذن بالاحتفاظ أو إصدار بطاقة الإيداع، شدد الغريبي على أن النيابة العمومية تأخذ بعين الاعتبار عديد الاعتبارات لكن في المنحى الأول تكون طبيعة الجريمة وخطورة الآثار المترتبة عنها هي التي تأخذ في الحسبان بدرجة اولى وبالتالي فان جميع الأشخاص مهما كانوا ذكورا أو إناثا متساوون أمام قرار اتخاذ البطاقة القانونية المناسبة والاستثناء يحمل في طبيعة الفعل المجرم وآثاره مقارنة بجنس الشخص. وبخصوص طبيعة الجرائم المرتكبة من قبل النساء المودعات بالسجون أوضح الغريبي بأنه بالنسبة لولاية أريانة فإن أغلب تلك الجرائم تتعلق بالمساس من الذمة المالية للغير أي السرقة ثم تأتي في مرتبة ثانية الجرائم الاخلاقية وتكون المتورطات فيها في الاغلب فتيات صغيرات السن تتراوح اعمارهن بين 15 و26 سنة ثم نجد قرابة 30% من الجرائم تتعلق بطبيعة الظروف الاجتماعية منها السكر الواضح وإحداث الهرج والتشويش والاعتداء بالعنف الشديد لكن هذه الجرائم لا تكون بصفة مستقلة للفتاة وإنما في إطار مجموعة. دور المحامي.. بالنسبة للانتهاكات التي يمكن أن تتعرض لها المرأة لأنها فقط أنثى داخل مراكز الاحتفاظ فان أهم ضمانة يمكن أن تحمي حقوقها عند مثولها أمام باحث البداية هو الوصول المبكر للمحامي للدفاع عنها، وفي هذا الشأن بينت عضو بالفرع الجهوي للمحامين بسوسة الاستاذة يسرى دعلول الدور الهام للمحامي وحضوره مع المرأة المتهمة لدى البحث الأولي. وكشفت الأستاذة دعلول أنه في جوهرة الساحل سوسة كانت هناك تجربة نموذجية في ما يخص المساعدة القانونية ايمانا منهم بأن النفاذ للعدالة هو المدخل للمساواة الفعلية وعدم التمييز ذاكرة انهم كانوا يخصصون ساعات يقع خلالها تقديم تكوين عن كيفية تقديم المساعدة القانونية وقد تم للغرض تخصيص مكتب للتواصل مع السجينات والأعوان. وأما بالنسبة للمشاكل التي يمكن أن تتعرض لها النساء أثناء الأبحاث الأولية بينت الأستاذة دعلول أنها تتمثل في عدم وعي السجينات بالأفعال التي ارتكبنها حيث لا تعرف أغلبهن سبب ايقافهن، ما يطرح في هذا المجال إشكالا يتعلق بالتوعية القانونية والتوجيه نظرا للهشاشة التي تعاني منها هؤلاء النسوة، وشددت الأستاذة دعلول على أهمية التوجيه القانوني الذي اعتبرته ضروريا لتعريف السجينات بحقوقهن. الاعانة العدلية.. أما مساعد وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بمنوبة المكلفة بالإعانة العدلية في المحكمة عزة الشواشي فقد أوضحت أن هناك نوعية من الجرائم تجبر القاضي أو النيابة العمومية على الاجتهاد والتمييز الايجابي وذلك مراعاة لظروف ووضعية المرأة خاصة في ما يتعلق بالجرائم الأخلاقية مثل الدعارة. إلا أنه في المقابل فان قرار الاحتفاظ يظل خاضعا لاجتهاد النيابة العمومية التي بإمكانها الاجتهاد والإبقاء مثلا على المتهم بحالة سراح. أما في ما يتعلق بالإعانة العدلية فقد صرحت أنه في محكمة منوبة فإنه يقع الأخذ بعين الاعتبار الظروف الاقتصادية والوضعية الهشة للمرأة إلا أنه في المقابل هناك إشكال يتمثل في تنفيذ قرار الإعانة العدلية حيث يتعذر الحصول على محامي للحضور مع المتهمة وهو ما يدفعهم الى الاتصال ببعض المحامين من خلال علاقاتهم الخاصة. ضمان حقوق السجينات.. وفي سؤال حول ماذا وفرت الادارة العامة للسجون والإصلاح لمجابهة جملة المشاكل سالفة الذكر بين الناطق الرسمي باسم الإدارة العامة للسجون والإصلاح سفيان مزغيش أن المرأة تعتبر من الفئات المستضعفة والتي تتطلب بالضرورة وضعيتها وجود احتياجات تكميلية، ذلك أن الإدارة العامة للسجون تحاول ضمان الحقوق الاساسية لكل السجينات وجعلها غير قابلة للانتقاص، من ذلك ظروف الاقامة التي تحاول الإدارة جاهدة جعلها تنسجم مع المعايير الدولية حيث أن كل امرأة تتمتع بسرير فردي وهو على عكس ما يحصل مع السجناء الذكور ما ينتج عنه الاكتظاظ. وأوضح مزغيش أن وضعية المرأة تزداد تعقيدا إذا كانت حاملا او مرضعة خاصة في ظل الاقتصار على سجن مركزي وهو سجن النساء بمنوبة و7 اجنحة ببقية السجون بالجمهورية (الكاف، جندوبة، سوسة، القصرين، قفصة، صفاقس وحربوب) في المقابل هناك نقص في فضاءات الام المرضعة وهناك سعي لتجهيز عديد الفضاءات الاخرى مع بقية الشركاء مستقبلا. وبخصوص المساعدة القانونية بين مزغيش أنها آلية هامة جدا خاصة وأن عديد السجينات يجهلن حقوقهن ووضعيتهن تتطلب المساعدة القانونية لتوعيتهن، وفي هذا الاطار اشار الى ان هناك منظومة اصلاح وتطوير تتعلق بحقوق السجينات وهو مشروع مجتمعي كامل تجاه المرأة يتدخل فيه عديد الشركاء. دور قاضي تنفيذ العقوبات.. من جانبها بينت قاضية تنفيذ العقوبات بالمحكمة الابتدائية بمنوبة منية الدريدي أن القاضي له دور هام في الحد من المشاكل وانتهاك حقوق السجينات، من خلال الزيارات الدورية التي يقومون بها للسجون اين يقع الاطلاع على ملف التاديب للسجينات واوضاعهن الصحية والاجتماعية وفي صورة وجود اشكال يقع التدخل على الفور. وأضافت الدريدي أن قاضي تنفيذ العقوبات يساعد السجينات من خلال آلية السراح الشرطي الذي يفترض جملة من الشروط من بينها قضاء نصف المدة بالنسبة للمبتدئات وثلثي المدة للعائدات وللغرض يجب إعداد ملف يتكون من عدة وثائق من بينها شهادة في عدم الاستئناف ومضمون حكم (اقل من 8 اشهر) وهنا تتعرض العديد من السجينات اللواتي يرغبن في التمتع بالسراح الشرطي الى عدم تمكينهن من الحصول على شهادة في عدم استئناف الحكم الصادر ضدهن بسبب عدم زيارة عائلاتهن لهن خاصة النسوة المتهمات في جرائم اخلاقية حيث تنفرهن عائلاتهن ويحرمن من أطفالهن سعيدة الميساوي الدكتور أحمد بن نصر: السجون غير مهيأة لأن تكون مكانا تحتجز فيه النساء.. المرأة عند قضائها للعقوبة السجنية تتعرض لعديد المشاكل الصحية ولا تجد الرعاية الكافية، في ما يخص هذا الجانب وقد كان للدكتور أحمد بن نصر مختص في الطب الشرعي وعضو بالمجلس العلمي بمعهد تونس لتأهيل الناجين من التعذيب تدخلا في الموضوع حيث لاحظ أن الحالة الصحية للمرأة السجينة تنطلق منذ ايقافها ثم اثناء قضائها للعقوبة، موضحا أن لها الحق في العرض على الفحص الطبي استنادا للفصل 13 مكرر من المجلة الجزائية، فضلا عن أنه في التجارب المقارنة فانه بإمكان الطبيب المختص الدخول لمكاتب الاحتفاظ ورؤية المحتفظ بها أو السجينة كما يمكنه أن يبدي رأيه في الحالة الصحية إن كانت تتطابق مع مكان الاحتفاظ أم لا كما يمكن أيضا ان يتدخل في صورة وجود اثار عنف أو سوء معاملة من خلال تحرير تقرير في الغرض. وأضاف بن نصر أن هناك معايير للتدخل الطبي في ما يتعلق بالمرأة أثناء فترة قضائها للعقوبة اذ أن هناك معايير دنيا وجب توفرها ذلك ان المؤسسة السجنية وجب ان تضمن المستلزمات الاساسية بصفة مجانية من ماء وحفاظات صحية والتي في بعض الاحيان لا توجد بصفة دائمة في سجوننا. وعرج الدكتور بن نصر على أن منظومة الصحة السجنية هي تحت اشراف وزارة العدل ما يطرح اشكالا يتعلق باستقلالية الاطباء الذين يقومون بالفحص الطبي الأولي والذي وجب أن يكون كاملا وشاملا يبحث الطبيب من خلاله عن الأمراض الخاصة بالنساء والامراض المنقولة جنسيا وحالات الادمان ويبحث ايضا عن امكانية وجود عنف جنسي من عدمه وهو ليس معمول به ببلادنا. وشدد الدكتور بنصر على أن المنظومة الصحية السجنية ببلادنا لا تضمن التكافؤ في الرعاية مثلما هو منصوص عليه في كل القوانين والمعاهدات الدولية، أي أن المرأة السجينة وجب أن تمنح نفس الخدمات الصحية على غرار المرأة المتواجدة خارج السجن. وخلص الدكتور بن نصر إلى أن المشاكل التي وقع عرضها هي إشكاليات فرضها الواقع، على اعتبار وأن السجون غير مهيأة لأن تكون مكانا تحتجز فيه النساء وهي لا تستجيب للمعايير القانونية..