عبد اللطيف الحناشي ل"الصباح": القيادة النقابية واعية ولا يمكن جرها إلى الزاوية تونس-الصباح أعاد إضراب 17 جانفي في الوظيفة العمومية والقطاع العام إلى السطح موضوع قديم متجدد في علاقة بالدفع بالمنظمة الشغيلة إلى لعب دور سياسي حزبي ربما أكثر وضوح وأكثر جرأة على اعتبار أن الحسم قد تم منذ فترة بشأن الإقرار بامتزاج النقابي بما هو سياسي في مسيرة اتحاد الشغل على مر تاريخ الحركة النقابية في تونس. لكن المعطى البارز اليوم هو تلك الرغبة الضمنية لبعض الأطراف ومنها الحزبية في خروج ذلك النفس السياسي الذي يحرك ويؤثر في المنظمة الشغيلة إلى العلن أو أن يتقدم على الدور النقابي والإجتماعي في تحديد خيارات القيادة المركزية للاتحاد العام التونسي للشغل لقلب المعادلة السياسية في البلاد. هذا ما يتمناه الكثير من الفاعلين السياسيين وإن لم يعبروا عنه بكامل الصراحة فإن حماستهم في تبنى مطالب المنظمة الشغيلة وبعض تصريحاتهم المبطنة تفضح بعضا من نواياهم،دون أن يعنى ذلك أنهم لا يلتقون مع مطالب الاتحاد المشروعة في الدفاع عن منظوريه والتمسك بتحسين مقدرتهم الشرائية لكنها قد تكون في الكثير من الأحيان كلمة حق يراد بها غاية في نفس يعقوب. وبعيدا عن الخوض في نجاح اضراب 17 جانفي في الوظيفة العمومية والقطاع العام وتلك الصورة "الإيجابية"ليوم الإضراب طبعا المقصود هنا ليس التهليل للحدث في حد ذاته الذي يبقى شرا لا بد منه حتى في أبجديات العمل النقابي لكن المقصود التنويه بغياب أي مظهر من مظاهر العنف أو الانحرافات التى أثارت مخاوف الكثيرين قبيل يوم الخميس الفارط، بعيدا عن كل هذا فقد تبين أن الكثير من الأطراف السياسية والحزبية مستبشرة بنجاح الإضراب وهي تضمر الدفع إلى قطع شعرة معاوية بين الاتحاد والحكومة والسير نحو المزيد من التصعيد المتبادل. قطع شعرة معاوية يتفق تماما أستاذ التاريخ والمحلل السياسي عبد اللطيف الحناشي مع وجود من يراهن على مزيد التوتر بين الاتحاد والحكومة ويضيف في حديثه مع "الصباح" أن خطاب النخبة السياسية وفي جزء كبير منه ممن يتبنون مطالب الاتحاد والمتحمسين إليه بشكل مطلق هم عاجزون عن تحقيق مطالبهم الشخصية وتواجدهم على الساحة السياسية لذلك يبحثون في اللاوعي عن تأزيم العلاقة بين المنظمة الشغيلة والسلطة. لكن في المقابل ينفي الحناشي أن تصل الأمور حد قطع شعرة معاوية لأن الاتحاد العام التونسي للشغل وطبيعة أهدافه وآلياته لن تسمح بالسير في خيار القطيعة كما لن تكون الحكومة قادرة على ذلك. ويضيف محدثنا أن الواقع بفرض على الطرفين الحد من التشنج والبحث عن حلول مشتركة لانهاء الأزمة. أكثر من ذلك يقول عبد اللطيف الحناشي أن المنظمة النقابية قامت بدور متميز في الحوار الوطني والانتقال الديمقراطي وهي على وعي بوجود محاولات من الأطراف السياسية العاجزة عن التغيير والتأثير في المشهد السياسي والباحثة عن ذلك من وراء الاتحاد.." والقيادة النقابية عبرت عن ذلك في أكثر من مناسبة وهي تعى جيدا حساسية المسالة ولا يمكن جرها إلى الزاوية." استقلالية قرارات الاتحاد من جهتها كانت المنظمة الشغيلة قد عبرت عن استقلالية قراراتها المتعلقة يالإضراب أو بغيرها من التحركات التصعيدية التى يقرها المكتب التنفيذي وأنها لا تخضع إلى الضغوط السياسية من أي طرف حيث أكد بوعلي المباركي أول أمس خلال استضافته على القناة الوطنية أن قيادات الاتحاد لا تأخذ تعليماتها من أي جهة سياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار على اعتبار ما تم تداوله من حديث عن تدخل أطراف سياسية لدى الاتحاد لحثه على المضي في الإضراب وعدم التراجع. بدوره ضمن الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي كلمته أمام الشغالين في بطحاء محمد على بمناسبة الإضراب في الوظيفة العمومية والقطاع العام إشارات عن استقلالية قرار المنظمة وأن بوصلتها الوحيدة تقديرها لمصلحة العمال والشغالين والمصلحة العليا للوطن. يذكر أن الحديث عن الدور السياسي والحزبي للاتحاد طرح في أكثر من مناسبة على امتداد سنوات الانتقال الديمقراطي وعاد في الآونة الأخيرة ليطرح بقوة لا سيما بعد تصريحات قيادات الاتحاد أنها معنية بالانتخابات القادمة في كل محطاتها التشريعية والرئاسية. ما فهم لدى البعض بنية الاتحاد التقدم في قائمات ومساندة مرشح بعينه لقصر قرطاج أو ترشيح ممثل له للرئاسيات وطرحت حتى أسماء على غرار الامين العام السابق حسين العباسي. ورغم نفي المركزية النقابية وجود نية واضحة ونهائية في هذا الاتجاه لكنه لم ينف اسقاطها كفرضية تبقى ممكنة إذا ما قدر الاتحاد مصلحة في ذلك وهو ما صرح به مؤخرا الامين العام المساعد سامي الطاهري على قناة نسمة. يذكر أيضا في سياق الحديث عن الدور الحزبي والسياسي للاتحاد ما أثارته في مرحلة ما تصريحات رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي خلال انعقاد الجلسة العامة الانتخابية لكتلة الحركة في نوفمبر 2017 حين أشار إلى أنه التقى منذ أيام بسفير هولندابتونس وقال له" انه إذا أردنا الحديث عن حزب مقابل للنهضة في تونس فهو اتحاد الشغل..' ولعل الكثيرون ومن بينهم أطراف سياسية يجدون اليوم فعلا اتحاد الشغل القوة الوحيدة المرادفة لحكومة الشاهد المحسوبة على حركة النهضة بعد التحاق النداء بالمعارضة وإعلان موت التوافق بين الشيخيين وهم يدفعون باتجاه مزيد خروج الخلاف بين الاتحاد والحكومة من مربع الزيادة في الأجور وتحسين المقدرة الشرائية إلى معركة إثبات وجود شعارها التصعيد و"الرخ لا" لا سيما وأن الاتحاد يعقد اليوم هيئة إدارية لاتخاذ المزيد من الخطوات التصعيدية. فرضية لا يتبناها الاستاذ عبد اللطيف الحناشي ويقول أنه من موقعه كنقابي وحقوقي يستطيع التأكيد أن الاتحاد على وعي تام بطبيعة دوره الوطني وأن قادم الأيام ستحمل حلولا للخروج من الأزمة.