هل أضحى مستقبل التلاميذ وقيمة ومكانة التعليم- كقاطرة أساسية يقاس من خلالها مدى تقدّم الشعوب - مسالة ثانوية لا تقتضي من صناع القرار الانكباب على معالجتها؟ ألا يؤرق الحكومة ان يتوّج الموسم الدراسي بسنة دراسية بيضاء؟ ثم هل إلى هذا الحد استعصى الوصول الى حل يرضي طرفي النزاع؟ هل إلى هذا الحد يصعب التنازل والحال ان الامر يتعلق بمستقبل اجيال وبمكانة وصورة المدرسة العمومية ككل؟ أسئلة تطرح بإلحاح بعد فشل الجلسة التفاوضية التي انعقدت اول امس بين الجامعة العامة للتعليم الثانوي ووزارة التربية الوطنية، ولعل الاجوبة عليها تتلخص في عدم وجود إرادة حقيقية لتطويق الخلاف على حد تشخيص المتابعين للشأن التربوي في ظل تواصل الحال على ما هو عليه من تغليب سياسة التعنت ولي الذراع بين الجانبين المعنيين على حساب صوت الحكمة والتعقل... وكأن الأطراف المتنازعة قد نسيت في خضم «معمعة» التعنت أن الأولياء يعانون وككل سنة دراسية «الويلات» من أجل تأمين مستلزمات السنة الدراسية، حتى أن غالبيتهم وجدوا في القروض البنكية ملاذا لهم. هؤلاء الأولياء الذين لا يتوقع أن يبقوا مكتوفي الأيدي يشاهدون تطورات خلاف ومعارك سئموا وملوا فصولها، وحتى لا يكون الرد لا قدر الله عنيفا نأمل أن يضع الجميع: من حكومة وسلطة إشراف ونقابة ومجتمع مدني نصب أعينهم أزمة الثانوي كأولوية وطنية حتى يتسنى انقاذ ما يمكن إنقاذه خاصة وان إقرار سنة بيضاء هو بمثابة الكارثة الوطنية على حد تأكيد الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ. مرونة أكبر في التفاوض في متابعة لأبرز المستجدات الحاصلة على مستوى الازمة التي طال امدها بين النقابة ووزارة التربية، تعهد أمس الكاتب العام للجامعة العامة للتعليم الثانوي لسعد اليعقوبي خلال ندوة صحفية عقدتها الجامعة بأن تبدي الجامعة مرونة أكبر في التفاوض في النقاط الخلافية المتعلقة بالزيادة في المنحة الخصوصية وخفض سن التقاعد والزيادة في ميزانية المؤسسات التربوية. وأضاف اليعقوبي وفقا لما نقلته وكالة تونس إفريقيا للأنباء (وات) أن التفاوض يجب أن يرتكز على هذه النقاط المطلبية الثلاث، منددا بما وصفه بتعنت الوزارة في اعادة طرح نقاط تم الاتفاق بشأنها سابقا في جلسة التفاوض المنعقدة اول أمس. وذكر ان الجامعة تقترح رصد سقف مالي لتمويل مساهمات المدرسين ممن يتقاعدون على قاعدة 57 / 32 سنة، مشيرا الى أن الوفد النقابي قرر مساء اول أمس رفع الجلسة بعد أقل من نصف ساعة على انطلاقها بسبب تمسك الوفد الوزاري بإعادة طرح نقاط تم الاتفاق بشأنها خلال جلسة عقدت يوم 23 نوفمبر 2018. ولاحظ اليعقوبي في السياق ذاته أن الجامعة لم تلمس أي رغبة حقيقية في التفاوض لدى الوزارة في ظل أزمة الوضع التربوي متهما وزير التربية حاتم بن سالم ب»محاولة إفشال المفاوضات» والسعي الى تلفيق تهم كيدية في حق المدرسين على خلفية تحركاتهم المطلبية. من جهة أخرى، وبما أن الاحتجاجات التلمذيّة ما زالت قائمة في عدد كبير من المؤسسات التربوية، فقد جدّد اليعقوبي خلال الندوة الصحفية أمس ترحيبه باحتجاجات التلاميذ الداعية الى إيجاد حل للأزمة التربوية، مؤكدا على أن من مسؤوليات الحكومة ورئيسها التعاطي بمسؤولية مع الشأن التربوي في ظل استعداد النقابة الجدي للتفاوض. في المقابل، تجدر الإشارة الى أن وزارة التربية كانت قد حمّلت أول أمس الجامعة العامة للتعليم الثانوي المسؤولية في تأزيم الوضع وارتهان التلاميذ وعائلاتهم، مؤكدة أنها لن تبقى مكتوفة الأيدي وستتخذ كل التدابير القانونية والبيداغوجية اللازمة التي تستوجبها دقة الوضع وحساسيته،»حماية لمصلحة التلاميذ والمربين والعائلات التونسية ولإبعاد شبح السنة البيضاء التي تسعى الجامعة لفرضها في تحد صارخ ومتهور لجميع الأطراف» وفقا لما ورد في نص البيان الذي أصدرته الوزارة عقب جلسة التفاوض التي جمعتها مع الجامعة العامة للتعليم الثانوي، مؤكدة في السياق ذاته «تمسكها بالحوار واستعدادها اللامشروط للتفاوض ورفضها للأسلوب غير المسؤول وغير الجدي في التفاوض». وبخصوص جلسة التفاوض المنعقدة أول امس، فقد أشارت وزارة التربية الى أن الأمل كان يحدو الجميع للتوصل إلى اتفاقات حول المسائل المطروحة»، مبينة أنها تولت التنسيق مع رئاسة الحكومة واستعدت لتطوير مقترحاتها السابقة وتقديم 7 مقترحات تتمثل في مضاعفة منحة العودة الجامعية ومضاعفة منح الامتحانات المدرسية مراقبة وإصلاحا وتنظير المديرين في مستوى المنحة الوظيفية وتمتيع الأساتذة المنتدبين سنة 2015 بترقية استثنائية، فضلا عن تجميع منحة العمل الدوري ومنحة المؤسسات ذات الأولوية في منحة مشتركة وتطويرها وإحداث الترقية بالبحث ودعم المؤسسات التربوية التي تعاني صعوبات مالية وسحب نظام التقاعد لمدرسي التعليم الابتدائي على مدرسي التعليم الثانوي مع وضع آلية لتكليف المدرسين الذين لا تتوفر فيهم شروط الاقدمية بعمل تربوي أو تكويني أو بيداغوجي. ودعت الوزارة مجددا قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل إلى رعاية التفاوض في إطار من المسؤولية. لا للعبث بمعنويات التلميذ يذكر ان الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ قد عبرت في بيان لها أمس عن رفضها القطعي ل «مواصلة العبث بمعنويات التلاميذ وابتزاز حقوقهم والإضرار بمصالحهم والتضحية بمستقبلهم لغايات مادية بالأساس». وحذّرت الجمعية من الحالة الخطيرة وغير المسبوقة التي تعيشها المدارس الإعدادية والمعاهد الثانوية والتلاميذ «بسبب التعنت في التعامل مع الوضع بنفس الطريقة والجرّ نحو سنة بيضاء، التي أصبحت - وفقا لما ورد في نص البيان - واقعا سيتسبب في كارثة وطنية بكل المعاني وسيتحمل الجميع عواقبها الوخيمة في كل المستويات». من الملاحظ بالعودة الى حيثيّات جلسة التفاوض ليوم أول أمس سواء فيما يتعلق بما أوردته نقابة الثانوي خلال الندوة الصحفية التي عقدتها أمس أو ما ورد في بيان الوزارة، ان الجميع يؤكد على انه مستعد للتفاوض جديا، والأمل ان يتجسم ذلك بصورة فعلية وأن تأخذ الاطراف المتنازعة الازمة على محمل الجد حتى لا تتطور أكثر ونصل الى ما لا تحمد عقباه لا سيما ان الاولياء والتلاميذ قد نفذ صبرهم وضاقوا ذرعا بتجاذبات وخلافات لا ناقة لهم فيها ولا جمل...