تونس الصباح لا يزال الكشف عن مضمون برنامج سهرات الدورة (44) الجديدة لمهرجان قرطاج الدولي يثير التعاليق في عديد المجالس والدوائر وذلك اعتبارا لدلالات عناوين هذه السهرات الفنية المبرمجة من حيث انها تمثل في حد ذاتها احالات على طبيعة التوجهات التي «حكمت» عمل واختيارات القائمين على ادارة هذه الدورة الجديدة من مهرجان قرطاج الدولي العريق.
«التونسة» أم البعد الدولي؟ الملاحظة الاولى التي يمكن استنتاجها من خلال قراءة سريعة لقائمة العروض الفنية والابداعية المبرمجة هي ان الهيئة المديرة لهذه الدورة الجديدة (44) من مهرجان قرطاج الدولي بدت حريصة على مواصلة منهج «التونسة» الذي اعتمدته هيئات سابقة تداولت على ادارة المهرجان في دوراته على امتداد السنوات الخمس الماضية على الاقل .. وما من شك ان منهج «التونسة» هذا الذي يتمثل خاصة في الحرص على افتتاح المهرجان بعرض فني او ابداعي تونسي وكذلك على تكثيف نسبة مشاركة الفنانين التونسيين في مختلف السهرات يمكن ان يكون «خيارا» ذا حدين لانه بقدر ما يساعد من جهة على تشجيع المبدعين التونسيين فانه قد يكون سببا من جهة اخرى في تقليص مساحة البعد الدولي للمهرجان حتى لا نقول اطفاء جذوة هذا البعد.. وحتى لا نكون كمن يطلق الاحكام جزافا او كمن يتعسّف على دلالات «توجه» يريد ان يعلي من شأن الانتاج الابداعي الوطني وان «يكرم» الفنانين التونسيين فاننا سنحاول الوقوف عند نتائج تجربة «تونسة» عرض الافتتاح وهو الخيار الذي اعتمدته الهيئات المديرة التي تعاقبت على ادارة المهرجان على امتداد الدورات الثلاث الماضية.. «تونسة» أم محلية؟! مجموع العروض الغنائية والفرجوية التونسية التي اعتمدت في السهرات الافتتاحية للدورات القليلة الماضية من مهرجان قرطاج الدولي مثل عرض «زازا» للفاضل الجزيري او عرض «حلواني باب سويقة» أو تلك العروض الغنائية الفرجوية التي انتجت تكريما لرموز فنية تونسية وحملت اسماءهم مثل «الجموسي» و«علي الرياحي».. لم تكن بشهادة النقاد في مستوى اسم وسمعة مهرجان قرطاج الدولي التاريخية.. فهي فضلا عن انها لم تصنع «الحدث» الفني فانها ونظرا لمستواها الفني والجمالي والفرجوي المتواضع كادت تسقط بمهرجان قرطاج الدولي في مرتبة المحلية! عروض ضخمة.. عروض عالمية ولان البعد الدولي لمهرجان قرطاج الصيفي لم يُكتسب تاريخيا بتسمية ادارية وانما هو نتاج ثمرة عمل وتصورات تنظيمية صائبة ونتاج اختيارات دقيقة ومحسوبة تعرف كيف تقدم عرضا فنيا فرجويا من بلد ما على اخر من بلد اخر بعيدا عن اية حسابات غير ثقافية وغير ابداعية فان عديد الدورات الناجحة في تاريخ مهرجان قرطاج الدولي كان افتتاحها بعروض فنية وعالمية ضخمة وقع عليها الاختيار لينالها شرف افتتاح المهرجان بعيدا عن حسابات «التونسة» الوهمية! ان الاولوية المطلقة عندما يكون الامر متعلقا بسمعة واستمرارية مهرجان قرطاج الدولي يجب ان تكون للاختيارات الفنية والثقافية التي تصب في باب المحافظة على بعده العالمي وسمعته التاريخية وليس في باب «السياسوية» والفلكلوريات!