مها ايوب الوزير المفوض والقائم بأعمال السفارة السودانية والدكتور عبد المجيد العبدلي اخصائي القانون والعلاقات الدولية يجيبان اثار طلب المدعي العام في محكمة الجنايات الدولية الارجنتيني لويس مورينو اوكامبو تقديم مذكرة توقيف في حق الرئيس السوداني عمر حسن البشير بتهمة ارتكاب "جرائم ابادة" و"جرائم ضد الانسانية" جدلا مثيرا حول ابعاد واهداف مثل هذا القرار كما حول شرعية الجهاز المعني بالنظر في هذا القرار واذا كانت بعض المنظمات الحقوقية المؤيدة لاصوات ومطالب المتمردين في السودان قد رحبت بالقرار واعتبرته مؤشرا على ان العدالة الدولية بخير فان عديد الاوساط السياسية والديبلوماسية والاعلامية العربية والافريقية وغيرها لم تخف مخاوفها وتحفظاتها ازاء مثل هذه الخطوة التي تعد سابقة لا تخلو من انعكاسات خطيرة في توقيتها كما في اهدافها المعلنة والخفية... ورغم انه سبق للمحكمة الجنائية المختصة بسيراليون ان وجهت الى الرئيس الليبيري تشارلز تايلور في ماي 2003 تهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية خلال رئاسته ليبيريا وهو يحاكم حاليا في لاهاي ورغم ان محكمة الجزاء الدولية بيوغسلافيا السابقة وجهت بدورها الى الرئيس سلوبودان ميلوسيفيتش في ماي 1999 تهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية بحق مدنيين في اقليم كوسوفو وفيما يواجه حسين حبري الرئيس التشادي بدوره تحقيقا قضائيا في بلجيكا فان طلب ادعاء المحكمة الجنائية الدولية اصدار مذكرة توقيف تستهدف الرئيس السوداني تبقى خطوة لا تخلو من حسابات خاطئة وخطيرة من شانها ان تثير المزيد من نقاط الاستفهام والشكوك حول مصداقية العدالة الدولية وشرعية قراراتها التي تقف الى جانب مصالح الدول الكبرى والتي تستهدف الدول المستضعفة دون غيرها فماذا وراء هذا القرار بشان الرئيس السوداني عمر البشير؟ وما هو موقف القانون الدولي من هذا القرار؟ وهل ان هذا الطلب يمكن ان يترجم باعتقال رئيس يتمتع بالحصانة؟ والى اين يتجه المشهد السياسي السوداني؟ وما دور الثروة النفطية والعلاقات الصينية السودانية في الازمة الراهنة؟ ما هي الخيارات المطروحة امام الحكومة السودانية وكيف يمكن لقرار المدعي العام ان يؤثر على عملية السلام في السودان؟ هذه التساؤلات وغيرها ايضا كانت محور هذا اللقاء الذي جمع بين كل من السيدة مها ايوب الوزير المفوض والقائمة بالاعمال في السفارة السودانية والسيد عبد المجيد العبدلي استاذ القانون الدولي في محاولة لالقاء بعض الاضواء على الجوانب القانونية والسياسية لاحدى القضايا الراهنة المعقدة والتي تظل مرشحة لكل التطورات والقراءات في ظل غياب التوازن على الساحة الدولية وتحول الشرعية الدولية والقانون الدولي الى التطويع تماشيا مع مصالح الدول الكبرى واصحاب القرار في العالم على حساب الشعوب المستضعفة التي كانت تلجا الى القوانين الدولية وتعتبرها ملاذا وحصنا لها في مواجهة انتهاكات الاقوياء...
مها ايوب «قرار المدعي العام يشجع المتمردين ويفوض السلام والعملية الانتخابية المقبلة» «السودان منح كل الاولوية للصين في استغلال الثروة النفطية وهذا ما ازعج الغرب» بداية الى اين يتجه المشهد السوداني بعد طلب المدعي العام في محكمة الجنايات الدوليةاصدار مذكرة توقيف في حق الرئيس السوداني عمر البشير ولماذالان؟ الواقع ان بعض الحكومات الغربية بدات ومنذ 2003 تتحدث عن تصفية عرقية في دارفور وعن تورط الحكومة في ابادة جماعية لقبائل معينة وقامت الاممالمتحدة بتحقيق في الادعاءات وتوصلت الى ان السودان لم يمارس أي نوع من انواع التطهير العرقي وبالنسبة لنا فان ما يحصل في دارفور تمرد بدا بصراعات قبلية تقليدية حول موارد طبيعية تتقلص وأي دولة تواجه تمردا من حقها ان تواجه وتتصدى للتمرد ودارفور فوق كل ذلك منطقة تسكنها قبائل افريقية وعربية يمارسون نمطا مختلفا من الحياة وهذه الفروقات بين الرحل والمستقرين في الغالب غير واضحة هذا من ناحية اولى ولكن من ناحية ثانية فان دارفور تحدها ليبيا والتشاد وافريقيا الوسطى بما جعلها منطقة توترات مفتوحة على مختلف انواع السلاح وفي البداية كانت الالية التقليدية المتمثلة في زعماء القبائل قادرة على حل كل الخلافات الا انها تهاوت بعد ان بدات بعض الجهات تحصل على دعم خارجي ومن هنا لا بد من الاشارة الى انه قبل ان يتم اكتشاف النفط لا احد كان يهتم بالسودان وبشعبه واول ما ظهر البترول في دارفور بات كل الاهتمام محصورا بدارفور لا سيما مع ارتفاع اسعار النفط الجنوني ودخول الصين القوي كدولة عظمى الى البلاد ورغبتها في تحسين مستوى عيش الشعب الصيني ثم كذلك دخول دول اوروبا الشرقية التي باتت ترغب بدورها في تحسين مستوى المعيشة ايضا وقد منح السودان الذي ظل يعاني عشرين عاما من الحصار الامريكي والغربي حفيظة دول غربية لم تقبل هذا الامرو لعله من المثير ان يرتبط اكتشاف النفط في دارفور بظهور المتمردين هناك وبالاهتمام المتزايد بالاقليم برايك الى اين يتجه المشهد السياسي في السودان مع كل هذه التطورات المتسارعة؟ قبل 2002 كانت الحرب بين الشمال والجنوب وتم منذ ذلك الوقت توقيع اتفاق سلام شامل بين الشمال والجنوب والجنوب ممثل اليوم في الحكومة ونائب الرئيس كان قائد المتمردين في الجنوب وكل الاحزاب ممثلة في الحكومة الائتلافية ووزير الخارجية من الحركة الشعبية لتحرير السودان ما حدث ان الاممالمتحدة وقعت تحت ضغط دول غربية وقامت بالتحقيق في الادعاءات بشان جرائم الحرب وتوصلت الى انه لا وجود لادلة حول وقوع جرائم ابادة في التعريف بجرائم الابادة والان فان المدعي العام الارجنتيني لويس اوكامبو يعمل تحت القرار 1593 الصادر في 31 مارس 2005 في البداية كان يتحدث عن قائمة من واحد وخمسين شخصا وكانت سرية ولكن السودان شانه شان دول كثيرة بينها امريكا ابدت تحفظاتها على المحكمة لم توقع معاهدة روما وتعترف بقراراتها ولكن الغريب فعلا ان واشنطن التي لم توقع المعاهدة هي من يقف لتحريك الخيوط في المسالة الراهنة ولم يحدث لهذه المحكمة ان وجهت حتى الان اتهاما لدول مارست وتمارس جرائم الابادة باستمرار كما حدث ويحدث مع الشعب الفلسطيني وازدواجية المعاير هذه من شانها ان تفقد المحكمة مصداقيتها وتجعل هناك معايير خاصة للدول المستضعفة واخرى للدول الكبرى طيب ما هي الخيارات المتبقية وكيف تبدو المرحلة المقبلة في السودان؟ هناك التفاف واضح حول الرئيس من جانب جميع الفئات السياسية التي اعربت عن تماسكها تاما كما هو الحال بالنسبة للدول العربية التي كان موقفها موحدا ورفضت هذه الدعوى وهو ايضا ما تكرر من جانب الاتحاد الافريقي وهذا موقف طبيعي بسبب افتقار المحكمة للمصداقية والشفافية في اهدافها طبعا حقوق الانسان امر مقدس ولكن المطلوب ايضا التعامل مع هذه الحقوق بنفس الدرجة انتقادات كثيرة من جانب خبراء ومحللين اعتبرت ان السلطات السودانية تتحمل جزءا من المسؤولية فيما يحدث لانها سمحت لاطراف خارجية وفسحت المجال لمجلس الامن الدولي للتدخل لحل نزاع داخلي؟ السودان تعرض لضغوط خارجية شديدة زد على ذلك وقع الحصار المستمر منذ عشرين عاما ونتائجه الكارثية على الشعب السوداني والكوارث الجوية التي تعرضنا لها بسبب عدم توفر قطع الغيار ومنع السودان من الحصول عليها عقدنا صفقة مع فرنسا لتزويدنا بطائرات جديدة وما حصل ان الفرنسيين حصلوا على الاموال ولم نحصل على الطائرات بسبب معارضة امريكا بحجة احتواء تلك الطائرات على قطع غيار امريكية الصنع والامر لا يتوقف عند هذا الحد ولكنه يمتد الى عديد المجالات الاقتصادية والاجتماعية وغيرها ففي السودان لا وجود للموزع البنكي الالي ولا مجال لتحويل الاموال بالطرق الاعتيادية ولا لاستعمال الات الالكترونية للبطاقات في المطارات وفي مجالات الطب وتكنولوجيا الاتصال والطائرات والحصار يمس كل جوانب الحياة حاولنا ان نجد حلولا اخرى عبر تعزيز التعاون جنوب جنوب والصين شريكنا الاول تليه تركيا واندونيسيا والامارات ولكن هذه الدول لا يحق لها ان تمنحنا التكنولوجيا الامريكية ماذا وراء هذا التوقيت لعودة الضغوطات على السودان؟ الحقيقة ان التحقيق بدا منذ 2003 ولكن قرار المدعي العام خطير في توقيته فنحن مقبلون على انتخابات رئاسية وقانون الانتخابات اجيز الاسبوع الماضي والان يجري احصاء السكان والتوقيت خطير على وحدة الوطن ومن شانه ان يؤثر سلبا على مسيرة السلام في الجنوب . وفي دارفور اكثر من 12 الف عامل اغاثة من الاممالمتحدة والمنظمات الانسانية الى جانب 11 الف جندي من قوات الاتحاد الافريقي والاممالمتحدة واذا كان الموقف بالخطورة التي يصفها المدعي العام فكيف يمكن وصف وجود هذه القوات ثم ان المدعي العام اتهم الحكومة باستهداف مواطنيها في المعسكرات والنازحون الى المعسكرات تركوا المواقع الخاضعةلسيطرة المتمردين ولجاوا الى مواقع تحت سيطرة الحكومة فكيف يمكن تبرير هذا الامر اذن؟ لقد كنا متفائلين بان قانون الانتخابات الذي صدر باجماع كل الاطراف السياسية سيساعد في تطبيق معاهدة السلام والحصول على نوع من الضغط على المتمردين ليجلسوا حول طاولة المفاوضات ولكن قرار المدعي العام جاء ليحمل الرسالة الخطا في الوقت الخطا للمتمردين الذين سيقرؤون فيه اشارات لهم بالاستمرار في انتهاكاتهم وتحركاتهم الانفصالية التي تهدد وحدة السودان لقد استمر الصراع بين الشمال والجنوب اكثر من ثلاثين عاما ولم يستطع لا الحكومة ولا المتمردون تحقيق الانتصار على الاخر مما اضطر كل الاطراف للتفاوض بجدية من اجل السلام وقد كانت هناك فعلا رغبة سياسية من الطرفين لانهاء الحرب وكانت هناك رغبة دولية ايضا للوصول الى حل وتدخلت دول اخرى في هذا الاتجاه على عكس ما يحدث اليوم في دارفورو كل الضغوطات تمارس على الحكومة وحدها وكان هناك طرف واحد في النزاع وبذلك فان قرار المدعي العام قرار مشجع للمتمردين ولكنه لا يبشر بخير لدارفور والاممالمتحدة وهيآت المنظمات الدولية بدات فعلا بالانسحاب كان هناك احد عشر الف جندي يضمنون وصول الغذاء والدواء للمستحقين فمن سيضمن ذلك اذا انسحبت تلك القوات اليوم سيكون اجتماع الممثلين الدائمين لجامعة الدول العربية قبل الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية فماذا ينتظر السودان من العرب؟ ليس لدينا توقعات نحن على يقين بان الدول العربية ستقف الى جانبنا هذه سابقة خطيرة تستخدم ضد السودان ومن يدري الى من ستوجه بعد ذلك والامر لا يقتصر على الدول العربية وحدها ولكن ايضا على كل الدول التي لا تمتلك اسباب الردع الا ترين ان قضايا التنمية كان لها تاثير مباشر في الوصول الى هذه النتيجة الكل يقول ان السودان بلد غني بنفطه وارضه الزراعية ومائه ولكن اثار هذه الخيرات لا تظهر على السواد الاعظم من الشعب بالعكس الفقر والتخلف والجهل سيد الموقف هناك؟ طبعا لا احد ينكر ان قضايا التنمية لها تاثيرها المباشر على عدم الاستقرار والفقر والخصاصة والتوزيع غير العادل للثروة كل ذلك من الامور الخطيرة على مسيرة التنمية ولكن اود ان اوضح ان البرول اكتشف حديثا في السودان وهذه الثروة لم يقع استغلالها كثيرا بعد وهناك فعلا اشارات وتوقعات بوجود المزيد من الثروة النفطية في البلاد السودان استقل سنة 1956مع استقلال تونس الا انه بحكم موقع السودان وتركيبته لم يكن الاستقرار السياسي قائما به الامر الذي اثر على مسيرة التنمية) كل ذلك الى جانب الصراعات والخسائر البشرية التي استنزفت موارد الدولة بالاضافة الى عدم امكانية استغلال الموارد البشرية والفلاحة والصيد البحري والغابات المتوفرة في البلاد الاستنزاف اليومي ايضا والنزوح من مواقع الصراعات بحثا عن الامان ولكن ورغم كل تلك الصعوبات فقد قطع السودان اشواطا مهمة في مجال التعليم والطب والقضاء وهل من مجال اليوم لحملة دعائية موازية لمواجهة الحملة الراهنة على السودان؟ وكيف يمكن للسودان بامكانياته المتواضعة والحصار الخانق من حوله علة مواجهة العملاق الغربي؟ لدينا قناعة بان الامر مرتبط باطماع خارجية ومخططات لاستنزاف ثروات السودان ...
عبد المجيد العبدلي «نحن امام محكمة بلا مصداقية وقراراتها انتقامية وخاضعة للمعايير المزدوجة» «ليس هناك دولة ترتكب ما ترتكبه اسرائيل من جرائم ابادة وجرائم حرب» في الرابع عشر من جويلية اصدر لويس مورينو اوكامبو المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي مذكرة اتهام ضد الرئيس السوداني عمر البشير بدعوى اقتراف جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية في اقليم دارفور ماذا يعني مثل هذا الاجراء من وجهة نظر القانون الدولي؟ من الناحية القانونية يحق للمدعي العام تقديم الطلب الذي قدمه ضد الرئيس السوداني عمر البشير اما لماذا فلان مجلس الامن الدولي اتخذ قرارا في مارس 2005 ينص على احالة "الوضع في دارفور على المدعي العام" وقد صوتت لفائدة القرار احد عشرة دولة وامتنعت عن التصويت الجزائر والبرازيل والصين والولاياتالمتحدة والمحكمة الجنائية الدولية يمكن ان تنظر في قضايا يعرضها المدعي العام او بطلب من مجلس الامن الدولي او من دولة مصادقة على وثيقة روما وفي قضية الحال جاء الطلب من مجلس الامن الدولي وما قام به المدعي العام يتطابق مع المحكمة الجنائية الدولية ومع ما اقره مجلس الامن الدولي بوجود تهديد للامن والسلم الدوليين والاتهامات الموجهة للرئيس السوداني بالابادة الجماعية وارتكاب جريمة حرب وجرائم في حق الانسانية علما وان نظام روما الاساسي لم يعد يعفي أي مسؤول مهما كان منصبه وهذا ما نصت عليه المادة الخامسة من نظام روما الاساسي وقد تم بمقتضاه تعريف ثلاث جرائم وهي الابادة الجماعية والجريمة ضد الانسانية وجريمة الحرب ولكن نظام روما لم يعرف جريمة العدوان ,القرار ينظر بطلب من مجلس الامن من المدعي العام الذي ينشر الدعوى بالنسبة للمسؤولين السودانيين في الجرائم المرتكبة بداية من 1 جويلية 2002 تاريخ دخول النظام الاساسي حيز التنفيذ ونظام روما الاساسي قانوني وشرعي ولامجال للتعلل معه بالحصانة الديبلوماسية التي تم الغاؤها والمدعي العام هو الذي يتهم وهو الذي يحقق وهذا احد العيوب الاساسية في نظام روما واذا وجه المدعي العام التهمة فان هناك الدائرة التمهيدية chambre preliminaireالتي ستقرر فتح التحقيق ضد الرئيس السوداني ام لا المشكلة ان الاتهام موجه لرئيس دولة يمارس مهامه والحصانة ليست مطروحة سواء تعلق الامر بدولة مصادقة او غير مصادقة على المحكمة ومجلس الامن يعتمد في ذلك الفصل 39 من ميثاق الاممالمتحدة بشان "تهديد الامن والسلم "و اعتمد الفصل السابع وهو قرار ملزم وما قام به متطابق مع نظام روما الاساسي وفقا للمعاهدة التي تم توقيعها في 17 جويلية 1998 والمحكمة تعمل منذ 2002 والكونغو مثال على ذلك وحاليا ما تم اتخاذه متطابق مع نظام روما ولا مجال للحديث عن حصانة رئيس دولة وقد عدلت فرنسا ودول اخرى دستورها لهذا السبب ومجلس الامن الدولي لا يحتاج لمصادقة الدولة المعنية والمحكمة تتعامل مع الافراد وليس مع الدول فهذا موضوع اهتمام محكمة العدل الدولية والمادة 12 تسمح لمجلس الامن بالنظر في القضية ويستطيع مجلس الامن ان يوقف التتبع لمدة اثنتي عشر شهرا وان يتجدد ذلك كل اثنتي عشر شهرا وهكذا دواليك طيب لماذا الان وما هي التبعات السياسية لهذه المذكرة؟ علينا ان نتذكر بان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدواية موظف لمدة تسع سنوات وهو يعتمد نظام روما الاساسي ولكن كل "متهم بريئ حتى تثبت ادانته"و على المدعي العام ان يقدم الادلة الكافية للدائرة التمهيدية لتقرر ما اذا كان المدعي العام سيواصل توجيه التهمة للرئيس السوداني او يحفظها بعد ذلك يبدا دوره في التحقيق والواقع انه لا يمكن الفصل بين ما هو سياسي وقانوني في القانون الدولي ومجلس الامن بدوره جهاز مسيس فامريكا كانت قد امتنعت عن التصويت ضد القرار 1593 ولكنه اليوم يصدر يايعاز من الولاياتالمتحدة التي تتحرك حيثما توجد مصالحها والعملية في مجملها تصفية حسابات نحن اليوم امام ما يسمى بصراع حضارات سواء احببنا ام كرهنا والعالم يشهد عدة جرائم ابادة وليس هناك دولة ترتكب جرائم ابادة اكثر من اسرائيل والقضية لا تحتاج لقراءة سياسية فهي باتت مفصلة. السودان ليس موقعا استراتيجيا بالنسبة للولايات المتحدة وللنظام العالمي الجديد لقد فشلت واشنطن في العراق والهدف من سياستها الخارجية لم يتحقق ولا يمكن الان للولايات المتحدة امن تعيش بدون بؤر توتر لا اتصور ان المدعي العام اخذ اوامره من واشنطن ولكنه بالتاكيد يخدم المصالح الامريكية و اول من يجب محاكمتهم المسؤولون الامريكيون فما وقع في العراق جريمة حرب وجريمة ابادة جماعية وما تقترفه اسرائيل جريمة حرب بكل المواصفات اضافة الى ذلك فان ما يحدث في دارفور نزاع داخلي في الاصل يحل بين السودانيين ومن هنا فان السودان اخطا عندما وقع اتفاقا مع الجنوب وكانه كيان مستقل مع الاسف نحن لا نعرف قراءة التاريخ ولا الاستفادة منه اتفاق ابوجا تعامل مع الجنوب وكانه مستقل بذاته والمعاهدات لا تكون الا بين دولتين ومع ذلك فهذا ما حصل في السودان رغم ان النزاع الداخلي لا يخضع للقانون الدولي وعندما يتدخل مجلس الامن الدولي في السودان فان الحكومة السودانية تكون بذلك فتحت المجال لقوى خارجية للتدخل في شؤونها فدارفور يبقى نزاعا داخليا يحل داخليا والحكومة السودانية تتحمل المسؤولية في الاخطاء الواقعة اليوم. قانونيا هل تعني مذكرة الايقاف التي طلبها المدعي العام بشان الرئيس السوداني انه معرض للاعتقال وانه لم يعد بامكانه التحرك كما في السابق؟ لا هذا الامر غير ممكن وليس بهذه السهولة ويحتاج الى اجراءات طويلة جدا ومعقدة قد تحتاج سنوات طويلة اذ يمكن للدائرة التمهيدية ان ترفض طلب فتح تحقيق ليس هناك جريمة حسب الادلة المتوفرة والمحكمة الجنائية الدولية منظمة دولية اجراءاتها معقدة وطويلة متولدة عن السياسة الدولية وهي على خلاف محكمة العدل الدولية التي تفصل بين الدول تتعامل مع الافراد ورئيس الدولة او أي مسؤول لا يتمتع بالحصانة امامها والحقيقة ان مجلس الامن كان اصدر القرار 1593 انطلاقا من مصلحة بعض الدول الكبرى المسيطرة عليه ومن هنا يظل السؤال مطروحا عن مدى شرعية مجلس الامن وسياسة المكيالين التي يعتمدها فهناك دول تنتهك القانون الدولي ولا احد يهتم على عكس السودان فليس هناك ادلة مادية على الجرائم المرتكبة في دارفور... الان ما هي الاحتمالات القائمة؟ المدعي العام بامكانه اتخاذ عدة اجراءات بينها ان يطلب اصدار مذكرة جلب او اعتقال لكن تبقى الاشكالية في تنفيذ المذكرة فالمحكمة الجنائية ليس لها جنود او وسائل ولتنفيذ هناك اخبار روجت بشان تحويل وجهة طائرة لخطف احمد هارون وزير الداخلية السوداني السابق خلال رحلة الى الحج بموجب القرار 1593 الى جانب اعتقال مسؤولين سودانيين قبل ان يقع التراجع عن تلك الخطة وهذا غير ممكن ايضا وبغض النظر عن تنفيذ القرار فان ما يعنيه اصدار مذكرة اعتقال ان أي رئيس دولة او مسؤول ليس محصنا امام المحكمة الجنائية الدولية والمادة 25 من ميثاق الاممالمتحدة تقر "بتعهد اعضاء الاممالمتحدة بقبول قرارات مجلس الامن وتنفيذها "و لكن القرار 1593 غير مطابق لميثاق الاممالمتحدة فالميثاق يقول في المادة 27 "تتخذ هذه القرارات بموافقة تسع دول وتكون من بين هذه الدول التسعة اصوات الدول الدائمة العضوية متفقة vote affirmative " ولكن ما نراه ان امريكا والصين امتنعتا عن التصويت في هذا القرار وبذلك فالقرار غير شرعي فعندما اتخذ القرار في 2005 كانت واشنطن متورطة في العراق ومصلحتها انذاك لم تكن تتطلب مهاجمة بلد عربي اسلامي ثان والان فقد يكون المدعي العام اخذ قراره ربما بحصوله على ادلة موثوقة جديدة والرئيس السوداني يواجه انتقام القانون الدولي في حين يبقى ما ارتكبه بوش وشارون وبلير في العراق وفلسطين بدون محاسبة. نحن امام سابقة سياسية وقانونية تشجع المجتمع الدولي بالتاكيد على محاسبة الحكام الذين ارتكبوا جرائم حرب في المجتمع الدولي وليس مستبعدا بالتالي ان توجه بعد اليوم دعوة ضد الرئيس الامريكي وكل رئيس اذا ارتكب جريمة في اطار الجرائم الاربع المشار اليها فهو معرض للعقاب حتى وان لم يصادق بلده على القانون والامر يكون عبر مجلس الامن الذي تظل قراراته حتى الان بلا مصداقية وهي قرارات انتقامية بمعايير مزدوجة...