أصاب الشارع التونسي دوار المفترق وهو يتابع حمى سباق الانتخابات الرئاسية السابقة لاوانها. وتنازعت آمال الناخبين وأهواؤهم بين متقبل للمشهد الديمقراطي، فمثل هذا الاستحقاق كان بمثابة الحلم المستحيل في بلد طغى فيه الاستبداد، وبين مستنكر للانزلاقات التي عرفها المسار الانتخابي وما رافقه من صراعات، بعضها تخفّى والآخر اتخذ أشكالا معلنة. سيظل اليوم الأحد 15 سبتمبر 2019،يوما فارقا لمسار انتخابي متواتر في تونس الى حد التداخل وركض للشارع التونسي بين الرئاسية والتشريعية وصمت انتخابي يعقبه صخب الاختيار لرئيس تونس في الفترة المقبلة، اذ خرج التونسي اليوم لممارسة الاستحقاق الانتخابي، وهو الذي اثقلته السنوات العجاف وزاد من وطئها لهيب الاسعار وغلاء المعيشة والرغيف وما بدا له من "مراهقة" الطبقة الساسية. بدأت الحياة بتونس العاصمة تدب شيئا فشيئا منذ الساعات الاولى لهذا اليوم لتتصاعد وتيرة الاقبال على الممرات المحيطة والمتفرعة عن الشارع الرئيسي الحبيب بورقيبة حيث توجد العديد من مراكز الاقتراع الراجعة بالنظر لدائرة تونس 1. وحضرت كالعادة التعزيزات الامنية بكثافة في شارع الحبيب بورقيبة لضمان سير وسلامة الاستحقاق الانتخابي وانتشرت عديد الوحدات المختصة والفرق الامنية الخاصة على امتداد كامل الشارع وعبر المسالك المتفرعة عنه، حيث اكتظت المقاهي المصطفة على واجهتي الشارع رغم خلو المسالك الحيوية من الحركة وغلق كل المحلات التجارية. وتشهد وتيرة الاقبال على مراكز التصويت منذ الثامنة صباحا تصاعدا بمراكز الاقتراع المحيطة بشارع الحبيب بورقيبة وأنهج مرسيليا وروسيا والهند وعبد الرزاق الشرايبي و سيدي البحري وشارل دي غول... واقبل العديد من الناخبين على مكاتب الاقتراع واصطف اخرون في انتظار ممارسة حقهم وواجبهم. وامام مراكز الاقتراع حضرت الضابطة العدلية لتامين هذا الموعد الانتخابي، ليعلق احد الناخبين،"يبقى الامل متعلقا بضمائر هؤلاء، فهم ابناء الشعب وهم من سيحرسونه في تونس اصبحت تبدو غريبة عن ابنائها ، تونس الارهاب والجريمة والفساد والفقر وضنك العيش والجيوب الخاوية" كثيرون هم من اعترضتهم موفدة /وات/، نفذوا إلى مركز الاقتراع وقد تمايزت الميول والتوجهات بين الواثق في اختياره وبين من استبدت به الحيرة واكتنفه التردد "هم يريدون حسن الاختيار لقطع الطريق امام الفاسدين والانتهازيين وتضميد الجراح التي خلفها سواد السنوات الفارطة" على حد تعبير احدهم. يرى أحد الناخبين أن "وعي التونسيين وصواب الاختيار هو الذي سيحول الانكسار الى انتصار"، قال مواصلا "علينا أن نرفع موظفين وعمالا وتجارا صغارا ومهنيين وكل فرد من أفراد الشعب راية الوطن، ديدننا العمل وبناء المستقبل،ولنترك بارونات الفساد يطحنون بعضهم البعض". ولم يخف ناخب اخر انه دفع نفسه للتصويت دفعا، فما "القصة الا وعود انتخابية ولهث وراء الناخب ببرامج مغرية لحلم منشود ووعود مكذوبة بالشغل لذاك، وسكن لائق لاخر، ومحيط نظيف لكثير من التونسيين، ونقل عصري وبنية تحتية وو..."، مضيفا أن هذه الوعود ما هي إلا سراب كشف زيفها تهاطل الأمطار الأخيرة بتونس الكبرى. في المقابل حضر المصوتون المتفائلون الذين يرون في التمسك بهذا التمشي وممارسة المواطن لحريته ولحقوقه واختياره لمن سيقود البلاد، فرصة فريدة لم ينعم بحلاوة مذاقها الا الشعب التونسي الذي سينتصر، هم مؤمنون أنه من رحم "المشهد العبثي الحالي سيولد مشروع التغيير المجتمعي التقدمي الحداثي". ورغم أن الكثيرين أجزموا ان البرامج الانتخابية التي عرضتها الاحزاب ليست إلا وعودا واهية ودعاية حزبية لا غير، فانهم اصروا على الادلاء باصواتهم "حبا في تونس واثباتا لوجودهم كشعب يريد ان يقرر مصيره ويعيش مواطنته ويحفظ كرامته، فلا تفريط في الديمقراطية والحرية". وفي تصريح لموفدة /وات/، افاد رئيس مركز اقتراع 29 نهج مرسيليا بتونس العاصمة، عبد العزيز البهري ان الاعداد والعمل انطلق منذ امس السبت ، حيث تم تهيئة المركز واعداد المواد الانتخابية ، ليفتح اليوم منذ الساعة السادسة للتثبت من سلامة المعدات ومداخل المركز المؤمن من قبل الجيش والامن. واكد انه تم توزيع الصناديق على رؤساء المكاتب على الساعة السابعة والربع صباحا وفتحت في السابعة والنصف للتثبت منها ، لتنطلق عملية التصويت وتوافد الناخبين منذ الساعة الثامنة للاقتراع في صفوف انتظمت امام مكاتب الاقتراع، حيث يضم هذا المركز 11 مكتب اقتراع، وعدد المسجلين فيه 6249 ناخبا. وكما انتخب المواطنون في تونس العاصمة، ينتخب التونسيون في كامل ارجاء الجمهورية في مشهد سياسي جديد عليهم غير مالوف، فاحد المترشحين، نبيل القروي قابع وراء القبضبان، ومرشح اخر، سليم الرياحي، يترشح وينسحب وهو خارج الوطن، وفي ظل عدد غير مسبوق للمترشحين تبدو الطريق إلى قرطاج غير معبدة لمن يروم أن يسكن قصرها وقد يضطر لانتظار دور ثان لتأكيد العبور إلى سدة الرئاسة.(وات)