«ولدت مستقلاً وترشحت مستقلاً وسأوارى ثرى هذا الوطن وأنا مستقلاّ» .. بهذه الكلمات خاطب الرئيس المنتخب قيس سعيّد جمهور ناخبيه في المناظرة التلفزية الاخيرة التي جمعته بمنافسه المباشر، نبيل القروي، لكن الرئيس المنتخب حظي في الدور الثاني من الرئاسية بدعم حزبي من مختلف المشارب السياسية وان كانت هذه التمثيلية لم تتعد نسبة 35 بالمائة وفق النتائج التقديرية لشركات سبر الاراء. ونذكر بان عديد الاحزاب سواء من اليمين او اليسار تسابقت نحو اعلان دعمها لقيس سعيد ولم يثنها اعلانه صراحة وفي كل مرة انه ليس تابعا لاي حزب سياسي وحزبه الاول والاخير تونس. وقد أعلنت عديد الأحزاب الممثلة في البرلمان الجديد، في بيانتها عن مساندتها للمترشح قيس سعيد منها حركة النهضة، وحزب التيّار الديمقراطي وحركة الشعب وائتلاف الكرامة، والقائمة المستقلة امل وعمل. وكان اليسار ممثالا في حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد ولاول مرة في تاريخه السياسي يلتقي مع حركة النهضة في موقف سياسي عنوانه دعم قيس سعيد في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية. تصويت الاحزاب في الدور الثاني لاحد المترشحين خضع لعدة اعتبارات منها المبدئي ومنها التكتيكي البرغماتي، هذا ما ذهب اليه الكاتب والمحلل السياسي، شكري بن عيسى، مضيفا " لئن تبرأت كل الاحزاب تقريبا باستثناء حزب امل تونس لسلمى اللومي من القروي، فان قيس سعيد نال تأييدا واسعا، ابتداء من النهضة الى الحزب الشعبي الجمهوري مرورا بالتيار الديمقراطي وحركة الشعب وائتلاف الكرامة، في الوقت الذي لم تدع حركة تحيا تونس لأي من المترشحين ودعا الحزب الدستوري الحر لعدم التصويت لسعيد دون دعم مباشر للقروي". ورغم تلقيه جزءا من الدعم الحزبي في الدور الثاني للرئاسية وان كان ضعيفا بالرجوع الى نتائج التصويت للاحزاب الذي اعلنت عنه شركات سبر الاراء بعد غلق صناديق الاقتراع مباشرة الا ان هناك نوعا من الاحراج الحزبي الذي عاشته الاحزاب القريبة فكريا وتتقاطع مع القروي سياسيا. اعتبارات تكتيكية في مواجهة لشبهات الفساد بن عيسى في قراءته للمشهد الانتخابي والدعم الحزبي للمترشحين للدور الثاني للرئاسية افاد بانه "على المستوى الاول، الاحزاب التي دعت للتصويت للمترشح المستقل استاذ القانون الدستوري، اعتمدت في اغلبها على الاعتبارات التكتيكية البراغماتية، تنصّلا من جهة من الشبهات بالفساد التي التصقت بالمالك السابق لقناة نسمة، ومن للاستفادة في الانتخابات التشريعية من الموجة العارمة التي انتجها فوز سعيد في الدور الرئاسي الاول، ولم يمنع من وجود اعتبارات مبدئية، بوجود مقولات وتعبيرات يمكن على اساسها تم الدعم، لعلّ ابرزها مصداقية الشخص ونزاهته وكذلك القيم الثورية التي يتبناها فضلا عن مكافحة الفساد". اما على المستوى الثاني، فقد لاحظ بن عيسى اغلب هذه الاحزاب نفذت ما التزمت به من دعم، فالنهضة وائتلاف الكرامة والتيار وحركة الشعب، صوتت بنسب عالية لقيس سعيد، ولم يكن الالتزام مجرد دعوة علنية تبعتها مفاوضات سرية مع المنافس القروي، كما لم تكن دون حشد ثابت عكسته الدعوات على الفايسبوك والبيانات وتصريحات قيادات هذه الاحزاب الى آخر لحظة، لكن ما يستوجب التاكيد هو ان قواعد هذه الاحزاب في اغلبها تحمل قناعة الاتجاه نحو المترشح الاكاديمي سعيد، بقي ان احزاب الحر الدستوري وتحيا تونس وحتى قلب تونس، هي الاخرى صوتت في حدود 2 % لكل منها لسعيد برغم الاعتبارات السابقة المذكورة". فبعد اعلان فوزه برئاسة الجمهورية من خلال عرض النتائج التقديرية واعلان نسب تصويت الاحزاب لسعيد اثارت مسالة علاقته بهذه الاحزاب مستقبلا عديد الاسئلة من بينها كيف ستكون بنية وطبيعة التعامل مع هذه المكونات السياسية المختلفة؟ الكاتب والمحلل السياسي شكري بن عيسى قال "سعيد الحاصل على 625 الف صوت في الدور الاول، والذي تخطى الملونين و700 ألف ناخب، لم يستفد فقط من الاحزاب التي لم تتجاوز المليون وخمسمائة الف ناخب لفائدتها، بل استنفر نسبة هامة من المقاطعين في التشريعية او حتى المقاطعين في الدور الاول، ما جعل نسبة التصويت تقارب ال 60 %، اي بزيادة تقارب نصف المليون على الدور الرئاسي الاول، في المقابل استفاد القروي من اصوات الحر الدستوري وتحيا تونس وجزء من ناخبي النداء والزبيدي، وكلها انحازت اليه في اكثرها بسبب الفزاعة المرفوعة حول دعم النهضة لسعيد، والتي ركزت عليها حملة صاحب جمعية خليل تونس". وتبقى مسالة علاقة سعيد بالداعمين له في الدور الثاني من الرئاسية ستحددها طبيعة المرحلة المقبلة التي ستشهد خارطة حكم جديدة ستحدد طريقة وكيفية التعامل مع احزاب دورها تشريعي بالاساس لتمثيليتها البرلمانية في مجلس نواب الشعب 2019 - 2024. دعم دون اتفاقات او صفقات.. وفي سياق متصل خلص بن عيسى في قراءته ل "الصباح" الى القول بان الدعم لسعيد جاء دون اتفاق مسبق، ولا صفقة، اذ لم يخض سعيد مفاوضات مع احد لنيل مساندته، في الوقت الذي قد تكون بعض الاطراف متضررة من الاكتساح الساحق لسعيد، الذي يمكن ان تتضرر منه قاعدتها الشعبية مستقبلا، فضلا عن ان كل امكانية لحل البرلمان في صورة عدم تشكل حكومة، ستعود بالفائدة على سعيد وهو ربما ما سيدفع الاحزاب "للتحالف" او "الشراكة" او "التعايش" حتى لا تسقط في مثل هذا السيناريو". جهاد الكلبوسي