◄الإعلان عن بعث مؤسسة نجيب عياد للسينما والثقافة اعلنت نجاة النابلي عياد التي تناولت الكلمة في آخر الجلسة ( انتظمت صبيحة أول أمس بمدينة الثقافة) المهداة إلى روح المنتج السينمائي ومدير أيام قرطاج السينمائية، الراحل نجيب عياد، عن خبر مفرح تمثل في الاعلان عن مشروع مؤسسة نجيب عياد للسينما والثقافة. وأضافت ارملة الراحل، أن الهدف من ذلك هو مساعدة الشباب على تنفيذ احلامهم وتجسيم مشاريعهم السينمائية في انسجام مع ما كان يقوم به نجيب عياد عن طيب خاطر من مساعدة للشباب في بداية مسيرتهم وعدم التردد في دعم الموهوبين من بينهم ومنحهم فرصة يطلبونها، وكثيرا ما تكون فرصة حياتهم وفق ما أكده البعض منهم خلال الشهادات التي تم تقديمها في الجلسة. وقد أتى هذا الخبر الذي استقبل بالتصفيق والتشجيع ليخفف من ذلك الشعور بالحزن الذي استبد بأغلبية الحضور خلال الجلسة وهم يستحضرون ذكرى رجل كان منذ شهرين تقريبا بين أهله وزملائه وبصدد انهاء برنامج الدورة الجديدة في أيام قرطاج السينمائية التي لم يكتب له أن يحضرها. فقد اختطفه الموت في نفس اليوم الذي كان من المفروض أن يجتمع فيه بوزير الثقافة محمد زين العابدين لوضع اللمسات الأخيرة على البرمجة. وقد أكد الوزير الذي حضر كامل الجلسة، الأمر مشيرا إلى أنه اصر على نجيب عياد أن يواصل ادارة أيام قرطاج السينمائية للمرة الثالثة على التوالي وأنه لم يكن راغبا في ذلك، غير أنه استجاب في نهاية الأمر تحت الإلحاح ولم يمكنه القدر من أن يستمر إلى النهاية، «فهو اليوم ليس هنا»، والكلام لوزير الثقافة الذي كان جد متأثر اثناء تدخله مثله مثل عدد من اصدقاء المنتج الراحل الذين تداولوا على أخذ الكلمة في جلسة استغرقت أكثر من ساعتين. شهادات الشباب وقد ادار اللقاء المسرحي محمد رجاء فرحات وتم تقديم اغلب التدخلات باللغة الفرنسية احتراما للضيوف الأجانب ولم يقع الانتباه على ما يبدو لوجود ضيوف مشارقة، مع العلم أنه إلى جانب العديد من السينمائيين التونسيين، حضرت الجلسة التكريمية، وجوه عربية معروفة نذكر من بينها بالخصوص المخرجين محمد ملص من سوريا ورشيد مشهراوي من فلسطين. وإذ منح محمد رجاء فرحات الكلمة إلى العائلة في نهاية الجلسة واساسا إلى نجلي الراحل (ابنته وابنه) وارملته، فإن الجامعية والشاعرة فاطمة بن منصور افتتحت سلسلة التدخلات وقرأت كلمة باللغة الفرنسية كانت عبارة عن مرثية عددت فيها خصال نجيب عياد ومناقبه. ثم تدخل حسن عليلش الذي يشترك مع المنتج الراحل في أنه كان بالخصوص زميل النضال في النوادي السينمائية وفي الجامعة التونسية للتونسيين الهواة التي كان نجيب عياد كاتبا عاما ثم رئيسا لها فيما بين 1972 و1979. ثم تتالت التدخلات وتناول الكلمة عدد من الاصدقاء ومن بينهم من جاء خصيصا من سوسة التي استقرت بها عائلة نجيب عياد. وهناك من جاء خصيصا من أوروبا ومن الولاياتالمتحدة ومن كندا اكراما لروح المنتج الراحل. ولعل ما يبقى في الذاكرة بالخصوص بعد حضور هذه الجلسة التي خيم فيها الحزن والشجن، حتى أن بعض المتدخلين لم يستطيعوا أن يحبسوا الدموع ومن بينهم من قطع تدخله في عدة مناسبات تأثرا وحزنا، هي شهادات الشباب الذين تحدثوا بتلقائية كبيرة عن نجيب عياد وكيف أنه كان لا يبخل عن دعم من يقصده، حتى وإن «اعترض طريقه « في الشارع، فقط ليقول له أنه يريد منه فرصة. فالمخرج الشاب نجيب بوخريص مثلا قال أنه ظل يراقب نجيب عياد مدة طويلة ويتبعه عندما يسير في شوارع العاصمة حتى قرر أخيرا أن يواجهه في احد أنهج العاصمة ليقول له أن لديه مشروع فيلم، فكانت النتيجة أن وجد نفسه في دبي يقدم فيلمه وإلى جانبه نجيب عياد وطاقم العمل. فريال قلال التي قدمت من كندا قالت أنها قبل أن تصبح كاتبة سيناريو لم تكن تتوقع أن تخوض مغامرة العمل في السينما مؤكدة أن نجيب عياد ساعدها على تغيير مسارها المهني بالكامل وقدم لها فرصة لم تكن تحلم بها عندما قبلها في العمل معه بدون أن تكون قد اشتغلت من قبل في السينما ودون أن تعرف ماذا يمكنها أن تفعل اصلا في عالم الفن السابع. أما الحبيب عطية فقد كانت كلمته جد مؤثرة. فنجيب عياد كان بالنسبة له عبارة عن الأب الذي فقده عند رحيل والده المنتج أحمد بهاء الدين عطية، وهو اليوم عبارة وأنه فقد والده مرة ثانية، الأمر الذي لم يكن يتصور أنه سيعيشه أبدا، وفق وصفه. ومن بين المتدخلين في الجلسة نذكر وزير المالية السابق والناشط الثقافي حكيم بن حمودة الذي قال بالخصوص أن نجيب عياد كان يؤمن بأن التغيير لا يمكن أن يحدث إلا بالثقافة و عبر الثقافة. وهو أمر تفطن له المنتج الراحل مبكرا، حسب وصفه، وهو من هذه الزاوية كان مختلفا عن بقية زملائه ورفاق دربه وفق نفس المتحدث. كان صاحب مشروع يقوم على فكرة أن التغيير يجب أن يكون عبر الثقافة ولئن اختلفت نوعية المداخلات، في الشكل بالخصوص، فإن المضمون كان متشابها وهناك اجماع على أن نجيب عياد كان رجلا كريما وشهما ومتسامحا وكان مستعدا دائما للمساعدة على تجاوز كل الاشكاليات وقد كان وفق وصف شيراز العتيري مديرة مركز السينما والصورة التي سبق لها أن تعاونت مع نجيب عياد في الجامعة بالخصوص وحيت بقوة سخاءه وكرمه، «جنتلمان» حقيقي. ولم يقتصر الحضور على السينمائيين وإنما كان متنوعا، فقدمت المسرحية ليلى طوبال كلمة مؤثرة وكانت هي بدورها متأثرة جدا. وتدخل المخرج حمادي عرافة الذي اخرج اعمالا تلفزيونية من انتاج نجيب عباد فقال أن الراحل ساهم بدور كبير في ربط الجسور بين السينما والتلفزيون. وقد رافقت الموسيقى الحدث. اذ افتتحت الجلسة على انغام مقطوعة موسيقية مؤثرة وفيها الكثير من الشجن بعنوان» جولة مع صديق» الفها البلجيكي «كريستيان لو روا Christian leroy» وهو عازف على آلة البيانو ومؤلف موسيقى افلام واهداها لروح نجيب عياد. كما غنت الفنانة زهرة لجنف بالمناسبة لأجل روح السينمائي الراحل وكانت مرفوقة بعازف البيانو سليم عرجون الذي عزف مقطوعة في نهاية الجلسة كانت عبارة عن نشيد الوداع لشخصية فهمنا من جميع التدخلات ومن التأثر الذي كان باديا على الحضور أن الاهل والاصدقاء ورفاق الطريق لم يفقدوا برحيل نجيب عياد المنتج السينمائي والتلفزيوني الكبير فحسب وإنما فقدوا فيه بالخصوص الإنسان الذي كان مستعدا لاستيعاب الجميع مهما كانت اختلافاتهم. فقد كانت له القدرة، كما قال أحد المتدخلين بالمناسبة، على الجمع بين الاجيال الثلاثة الفاعلة اليوم في السينما. وتجدر الإشارة إلى أن الجلسة الخاصة بتكريم نجيب عياد كانت مسبوقة بحفل استقبال على شرف الحضور وكانت نجاة النابلي عياد في استقبال الضيوف الذين اهدتهم شارة تحمل صورة المنتج الراحل وانتظمت الجلسة بقاعة عمار الخليفي بالمكتبة السينمائية بمدينة الثقافة. وقد ذكر محمد رجاء فرحات الذي ادار الجلسة باقتدار كما هي عادته في مثل هذه المناسبات، ببعض التفاصيل عن حياة الراحل مشيرا مثلا إلى ان نجيب عياد كان قد ولد في دار عياد في قصر هلال الشهيرة باحتضانها لمؤتمر الحزب الحر الدستوري الشهير، قبل أن يستدرك بالقول أن نجيب عياد تحرر من تلك الحكاية التونسية الجميلة. فهو بالنسبة له كان عاشقا للحرية. كما قدم رجاء فرحات ومضة عن بدايات نجيب عياد في السينما وتحديدا في دار الثقافة ابن رشيق في السبعينات، في ذلك الوقت التي كانت تنقل فيه الاشرطة السينمائية بالحافلات. موسيقى مهداة إلى روح نجيب عياد مع العلم أن صور نجيب عياد كانت طيلة الجلسة تتصدر الشاشة الكبيرة بقاعة عمار الخليفي وقد تم استعراض مجموعة من الصور النادرة ومنها صور عائلية قديمة وأخرى تقدم فكرة عن التاريخ وخاصة تاريخ البدايات. وبطبيعة الحال تغيرت أمور كثيرة في حياة نجيب عياد المهنية، بعد البدايات. فقد أصبح من بين ابرز المنتجين في السينما والتلفزيون في البلاد. وقد أدار لسنوات طويلة مهرجان سوسة لفيلم الطفولة والشباب «الفيفاج « (من 1994 إلى 2009 ) الذي وبشهادة النقاد السينمائيين استطاع أن ينافس في عهده المهرجانات الكبرى ومن بينها ايام قرطاج السينمائية، كما أدار نجيب عياد دورتي 2017 و2018 لأيام قرطاج السينمائية وكان من المفروض أن يواصل الاشراف على المهرجان للدورة الثالثة على التوالي إلا أن الموت اختطفته يوم 16 أوت من العام الجاري أي قبل حوالي شهرين من التئام الدورة الثلاثين للمهرجان (من 26 أكتوبر إلى 2 نوفمبر) التي جاءت تحمل اسمه، أي دورة نجيب عياد. وقد شدد الفريق الذي واصل التحضيرات أنه تم احترام التوجه العام التظاهرة كما لو كان نجيب حاضرا. ولعلنا نذكر بأن نجيب عياد كان يصر بالخصوص على العودة إلى الطابع المميز لأيام قرطاج السينمائية والمتمثل في منح الكلمة بدرجة أولى للسينما العربية والافريقية. حياة السايب