تلقت "الصّباح نيوز" مقال رأي من الناشط السياسي الصحبي بن فرج حول الحوار الذي أدلى به رئيس الجمهورية قيس سعيد للتلفزة الوطنية مساء أول أمس بعد مرور 100 يوم على تسلمه مقاليد الرئاسة. وفي ما يلي نص المقال : ربما تكمن نقطة القوة الكبرى لدى الرئيس انه لا يترك لك أي مجالا للشك في صدقه ونزاهته حتى وإن إختلفت معه في الرأي والموقف والتقييم، الرجل يكره أن يَعِدٓ بما لا يستطيع الوفاء به، يتمسك حرفيا بالقانون والدستور والاجراءات، يحمل هموم شعبه ويؤمن حقيقة بأن ثورة الحرية واكرامة قد سُرقت وأنه مهمته المقدسة (sa mission) تتمثل في استكمال أهدافها. الرئيس وجد نفسه خارج مجاله الأصلي حيث الفكر والبحث والثقافة والمبادئ وخارج محيطه الطبيعي حيث تعود العيش والاشتغال والتحرك : قصر قرطاج بدل منزله في المنيهلة، ذئاب السياسة بدل جيرانه الطيبين، تحت الاضواء الكاشفة بدل العيش تحت "ستر ربي"، قيود واستحقاقات السلطة التنفيذية بدل حرية المثقف واندفاع الناقد للسلطة الخ الخ انتبه الرئيس فجأة الى ضرورة الوفاء بعهد سابق بمناظرة المائة يوم، ليقدم للشعب حصيلة الاشهر الاولى من حكمه ويرسم ملامح سياسته في المستقبل لم يجد في جرابه إنجازا حقيقيا يقدمه لانصاره وناخبيه ويفحم به منتقديه، فراح يسرد أسماء رؤساء القبائل الليبية التي تدعم مبادرته للسلام في ليبيا، وقائمة زوار تونس التي صارت "قِبلة" في بداية عهده، وأشار عليه مستشاريه بالتحدٌث عن مشروع مدينة صحية في القيروان، دراساتها "شبه جاهزة" وتمويلها مرتبط بمساعيه الشخصية الصامتة ومشروطة بضمانه الشخصي أما في مجال صلوحياته المباشرة (الامن والسياسة الخارجية) فقد إكتفى الرئيس بردود إنشائية فضفاضة لم ترتقي الى مستوى الوظيفة الرئاسية السامية: الامن والجيش سيتصدون للإجرام، امر الطوارئ غير دستوري واقترحت على البرلمان حلا تشريعيا، بيان الخارجية حول صفقة القرن لا يمثلني...... وعندما يُسأل عن برنامجه المستقبلي يواصل الرئيس تعويم الأجوبة يعلم الرئيس جيدا، وهو الذي يكره الوعود الكاذبة أو التي لا تتحقق، أنه بدون صلاحيات تنفيذية وبدون حكومة موالية له، وفي ظل مؤشرات متصاعدة عن صعوبة تمرير حكومة الفخفاخ، لن يمكنه أبدا الوفاء بوعوده وتحقيق اي إنجاز يلتزم به أمام الشعب فيعجز الرئيس بالتالي عن تقديم تصوٌر واضح لما سيقوم به في المستقبل كرئيس دولة لا كمترشح للانتخابات ، فقط سأحاول، سأعمل ما بوسعي، لن أدخر جهدا الخ الخ كان تعيين الياس الفخفاخ القرار الأهم في رحلة المائة يوم ، والقرار الذي سيحدد ملامح المرحلة القادمة، إما حكومة مستقرة وإما تواصل الأزمة، فما هي مقاييس اختياره دون غيره وهو الأقل حزاما في البرلمان؟ الإجابة كسابقتها غامضة معوٌمة وبدون إقناع وماذا لو سقطت حكومة الرئيس؟ هل ستحلون المجلس؟ يرد الرئيس بنفس الغموض وتجنب الحسم : سأعمل على تواصل الدولة ولي الحق في ذلك بنص الدستور إذا تطلب الامر. يتفادى قيس سعيٌد وزر حلٌ المجلس، ويخشى أن يتحمل الثمن السياسي لتفاقم الازمة السياسية والاقتصادية المترتب عن ذلك، ويصرٌ على أن يبدو أمام الرأي مضطرا "للقبض على جمرة" قرار حلٌ البرلمان وأن تبدو كامل الطبقة السياسية مسؤولة عما سيحدث أمام الشعب الذي سيعاقبها خلال الانتخابات. المأزق الأكبر للرئيس قيس سعيد أنه يعلم جيٌدا بإن البلاد قد لا تتحمل تواصل الازمة لأشهر طويلة أخرى، وهو من ناحية أخرى لا يمتلك أي تصور لحلًٍ آخر أزمات تونس سوى رؤيته السياسية (التاسيس الجديد من القاعدة إلى القمة) التي بشٌر بها طوال الحملة الانتخابية وجمع حولها الشباب ووصل بها الى قصر الرئاسة ......... وهذا ما لا يتحقق الا بحل البرلمان وقدوم أغلبية نيابية ساحقة موالية له ومؤمنة بمشروعه تعدٌل الدستور وتنفذ حلمه.