حدثني صديقي العزيز القادم توا من عاصمة النور باريس.. وكان قد ذهب الى هناك في رحلة «حرقان» قادته الى بلاد الطليان وقد تقوده الى الألمان أو حتى الصين واليابان وبلاد كوفي عنان وبان كي مون.. حدثني وقد علق في أذنه بلوطة وخاتما في شفته المشروطة وجعل من شعره عكسة فكرتني بالسطل والمكنسة وقد زين ظهره وزنوده بالاوشام ومن رقبته حتى الاقدام.. حدثني فقال: مالكم أيها العرب متعجرفون ومن الحضارة لا تتعلمون ألم تر بأني أصبحت عليكم طيارة.. بعدما نهلت من معين الحضارة.. فأنا الآن صرت بعد عام من الغربة وبعد أن نجحت عملية الهربة من أهل الشعوب المتمدنة.. اكل الهمبورغر.. وعلى الكراواسون أفطر.. وتخلصت من أكل الهريسة ..الرفيسة.. ومن الفطائر التي تعمل الجائر.. وقد صرت مثل جماعة بوبرطلة.. آكل الغلة وأسب الملّة.. فلا بناتكم تغريني.. ولا طرقاتكم تكفيني.. ولا مائكم يرويني.. وأكلكم كله أفاحت.. يسبب في معدتي القرحات.. أما أعراسكم وأفراحكم فقد أصابتني بوجع الراس.. وحلوكم بألم في الاضراس.. وعاداتكم بالية قديمة.. وتقاليدكم عديمة لا منفعة فيها ولا فائدة.. وكلها زائدة في زائدة.. شوارعكم دائما في ازدحام.. وسياراتكم في اصطدام ..ووعودكم كلام في كلام.. أما نحن الاعيان القادمون من بلاد الطليان.. فقد أصبحنا عليكم متقدمين وكل واحد يشد لسانو.. فلا تقطيع ولا ترييش ولا تبهنيس ولا تكنبيص.. ولا صبة ولا لهوة.. ولا مشيلي قهوة.. نمشي حسب القانون وليس فينا مقهور أو مغبون.. الآن lo sono italiano » فقلت له وقد استبد بي العجب وتملكني الغضب: هل بعد عام تغيرت بك الاحوال حتى أصبحت على هذه الحال وكأن صرتك في بلاد القورة مقطوعة ونسيت أن أمك ولدتك تحت زيتونة وأرضعت مع الحليب المسفوف وخبز الطابون ودرّستك في مدرسة عربية وباعت من أجلك عمرها وصياغتها الذهبية ومازالت قدماك مشققة ويداك معرقة من الارض والفلاحة.. والآن وقد عرفت الراحة تنكرت لمن ربوك.. وكبروك.. وأرضعوك.. ومن ماء مجردة سقوك ومن قمح باجة أطعموك ومن توزر لقموك.. ومن زيت صفاقس أشربوك.. ومن زهر نابل عطروك حتى صرت بهذا الشكل.. والحال ..على كل حال. صدق من قال: ياكل الغلة ويسبّ الملة». للتعليق على هذا الموضوع: