«قدر الشاعر منذ الأزل ومن قبل ارم ذات العماد أنه نزل الأرض كالشعاع السنيّ بعصا ساحر وقلب نبّي ثم أضحى قدره ان يكون في حالة اقلاع موصول يناصر الحريّة ويخترق الظلمات، ويمسك بمصباح ديوجين في وضح النهار، مرة في جنون هملت ومرة علي قلق أبي الطيّب ومرّة في محبس العزلة يواجه الحياة ببصيرة أبي العلاء مخففا الوطء وقد حلّ الشعر في قلوب العرب فأثراها ونمّاها وزكّاها، متّصفا بالحكمة.. ومحافظا على النفس والعرض و«الأرض والإباء» بهذا ترنّم صديقنا عبد الرؤوف الخنيسي حين اعترضه درويش في أروقة لسان العرب.. في حضرة المهيب درويش.. في غياب موهبة القريض.. وقفنا لنتألّم ذات سبت على رحيل قامة فكريّة وأدبيّة نكاد نقول لا نحن نجزم انها تربعت على امارة الشعر وقدّت من الكلمة بندقيّة ونسجت من الجرح قضيّة.. رحل محمود خبا درويش.. خفت صوت قيثارة الشعر وبقى صدى «سجّل انا عربّى» عالقا بأذهاننا.. خالدا في وجداننا.. درويش ينهض في مخيّلتنا من موته من قبره ليقرأ مراثينا له.. كيف يمكن ان نرتجل الكلام في واقع الموت.. ردى يهزمنا ولكن درويش يحيينا ينعشنا.. ذاك الرجل الذي زوّج النثر للشعر والشعر للنثر وزوّجنا نحن بهما.. لم تكن الولادة عسيرة ولا قيصرية بل انساب المولود جميلا. خصبا.. حكاية.. رواية عن الأنا عن فلسطين عن العرب عن ذاك الجرح المفتوح أبدا.. عن ذلك الألم الموجع أبدا.. بين درويش ودرويش قصة وبين درويش وفلسطين شجن.. فنى متبني عصر لم تشغله الامارة وصاحب معلّقة كتبها على جدران القلوب ذهبا.. هو قيصر الشعر والشعب والوطن.. هو ملك الأمس واليوم والغد.. درويش هو الآتي والاتي درويش «قمر نحاسيّ يسقط في مرايا البياض ولجّة الغياب» يموت تاركا بنيه يتامى ينتظرون قصيدة لعلها حدارية اخرى.. نسبيا وبين درويش تماهي وتباهي.. لكن الموت أراد ان يوقف نبض القلب.. ان تعتقل الابتسامة.. من يجرس حصون الشعر بعدك يا درويش.. يا للخسارة ولكن درويش سيظل بيننا ما بقيت الكلمة ما بقي الشعر.. وبين الحسرة والحسرة يلعب درويش لا بل هو اسم الفاعل باستحقاق هو لاعب النّرد. نبيل الباسطي للتعليق على هذا الموضوع: