تحول ما كان يعتقد انه مجرد دعايات تروج في الشارع الباكستاني الى حقيقة قائمة في الساحة السياسية الباكستانية بعد اعلان الرئيس برويز مشرف استقالته من منصبه بعد ثماني سنوات وثماني اشهر لم تكن لتخلو من الازمات والاهتزازات التي كانت تضع الرئيس المستقيل في كل مرة امام سلسلة لا تنتهي من التحديات في مواجهة خصومه في الداخل والخارج بل وتعرضه الى اكثر من محاولة اغتيال في بلد كان الوصول فيه الى السلطة لا يخلو من اراقة الدماء وزهق الارواح... ليس سرا بالمرة ان مشرف اختار مكرها الاستقالة بعد ان ايقن ان الائتلاف الحاكم يستعد لاجباره قانونيا على التخلي عن منصبه بكل ما يمكن ان يعنيه ذلك من متابعة او محاسبة قد تحدد مستقبله السياسي وتضع حدا لطموحاته السياسية الكبيرة التي لم يتحقق منها الكثير وذلك بعد الانقلاب الابيض الذي اوصله الى الحكم قبل نحو تسع سنوات. ولا شك أنّ لغة تصفية الحسابات والمصالح الخاصة واعادة توزيع الادوار لم تكن لتغيب عن معركة استقالة مشرف التي لم يستفق الشعب الباكستاني بعد من وقعها المفاجئ... ولعل ذلك ما يفسر عدم اقدام الرئيس الباكستاني المستقيل على حل البرلمان او غير ذلك من الاجراءات التي كان يمكنه بمقتضاها الحفاظ على منصبه. واذا كان عديد الملاحظين قد راوا ان استقالة مشرف قد تاخرت اكثر مما كان ينبغي وان قراره لم يعفيه من المساءلة والمحاسبة امام البرلمان الذي كان وراء منحه ثقته فان الكثيرين اعتبروا ان الاستقالة لا تتوقف عند حدود الاعتراف الضمني من الرئيس السابق بالمسؤولية في التهم الموجهة إليه، ولكن ايضا اعتراف معلن بفشل مشرف في جمع الجيش من حوله وهو الذي كان ولايزال عسكريا قبل ان يتحول الى سياسي ترك بدون ادنى شك بصماته على سير الاحداث في بلد تحول بسبب الحرب المعلنة على الارهاب وحدوده المتاخمة لافغانستان الى حليف اساسي للولايات المتحدة بما جعله حلبة مفتوحة امام القوات الامريكية في احيان كثيرة لتقود عملياتها العسكرية ضد فلول القاعدة وطالبان داخل الاراضي الباكستانية الامر الذي تسبب في اثارة حفيظة الراي العام الباكستاني وفي تفاقم الانتقادات الموجهة للرئيس المتخلي الذي يبدو انه لم يكن يملك الكثير من الخيارات لاقناع خصومه وكذلك زعماء القبائل والمتعاطفين مع القاعدة بجدوى تلك الحرب. ويبقى السؤال الاكثر الحاحا بعد قرار مشرف الاستقالة هل ينجح الائتلاف الحاكم الذي يفتقر لأيّة اهداف مشتركة في مواجهة المرحلة القادمة بعد نجاحه في الاطاحة بمشرف الذي يبدو انه الهدف الوحيد الذي كان يجمع صفوفه؟ لاشك ان الايام القليلة القادمة وما يمكن ان تحمله الاحداث من تطورات قد تجلب معها المزيد من التوضيحات بشان الساحة الباكستانية التي لا تقل فيها القضايا الخارجية والمشاكل المستمرة مع الجار النووي الهند بسبب قضية كشمير والوضع البركاني في افغانستان لا تقل شانا عن القضايا الداخلية والصراعات الحزبية ومعركة الانتماءات والولاءات العائلية...