مياه معدنية تحت حرارة الشمس.. غسل متواصل للسمك في الأسواق.. مثلجات على قارعة الطريق.. وغلال متعفنة تونس الصباح تتسم حركة السوق خلال كل صيف بعرض واسع وشديد الحركية .. وهو واقع يفرضه نسق الحياة اليومية الذي يتبدل ليكون متأقلما مع الحرارة ونوعية الاكلات المطلوبة .. واسلوب العيش الذي يتسم ببعد سياحي في مثل هذه الفترة من كل صيف ... وفي غمرة هذه الحركة والاتساع الذي يشهده نشاط السوق ، وكذلك الاقبال على انواع الشراءات للمواد الاستهلاكية اليومية يختلط الحابل بالنابل، خاصة في بعض انواع الشراءات التي يكثر الاقبال عليها ، ويسهل الدس والغش والمغالطة، وعرضها بصفة عشوائية ، وغير مطابقة لسلامة وحفظ الصحة، خاصة مع بعض الباعة الذين يتطفلون على السوق ويظهرون بشكل مناسباتي هنا وهناك او على هامش الاسواق اليومية في اماكن مختلفة ... وتستعد المراقبة على اختلاف انواعها لمقاومة مظاهر التجاوزات ... وتكثف من نشاطها ودورياتها حتى اثناء الليل، لكن ما بالطبع لا يتغير وعينها لا يمكن ان تتسع لواقع تجاوزات ما انفك يتزايد ويتفاقم يوما بعد يوم. فما هي ابرز مظاهر هذه التجاوزات؟ وكيف يمكن الحد منها؟ تصرف خاطىء في التعامل مع عرض المياه المعدنية تمثل المياه المعدنية المادة الاكثر استهلاكا خلال فصل الصيف ... حيث تشير الاحصائيات الى ان استهلاكها يبلغ ضعفا ما يستهلك في بقية اشهر السنة... ومن هذا المنطلق يتولى كل انواع التجار واصناف نقاط البيع الناشطة في السوق عرض هذه المياه ... لكن بأي شكل تعرض المياه؟. المشهد يبعث على الاستغراب، حيث اينما اتجهنا نلاحظ اكداس علب المياه .. لدى العطار وبائع الثمار الجافة وفي محطات بيع البنزين وفي الاسواق الاسبوعية .. ولعل الاغرب في هذا هو عرضها تحت حرارة الشمس وعلى قارعة الطريق وباهمال يمكنه ان ينسف قيمتها الغذائية والصحية خاصة ان جميعها يعرض في اوعية بلاستيكية. ولعل الاغرب من هذا هو ما يبرز من تباهى في عرضها الخاطىء وعلى مرآى من عيون الرقابة ، لكننا لم نلاحظ حسما لهذا الموضوع وتصد لمثل هذه الممارسات رغم خطئها الصارخ . غسل السمك بالمياه بدل تثليجها الظاهرة الثانية التي يمارسها عديد التجارفي كل اروقة بيع السمك هي سكب المياه على السمك لتلميعها واضفاء جمالية عليها وابعاد شبهة تقادمها ...وتعفنها ، وهي ايضا من الممارسات الخاطئة جدا والتي يعاقب عليها القانون الذي يحتم ان يكون السمك المعروض مغموسا في الثلوج لا غير ... اما عملية سكب المياه فهي وان تضفي على السمك جمالية خلابة فهي تضر به وتقود الى تعفنه السريع . ان هذه الصورة نلاحظها في الاروقة الخاصة بعرض السمك في الاسواق اليومية ولدى نقاط البيع المتناثرة خارج السوق، ولعل المؤسف ان المواطن يشاهد هذه الظاهرة امام عينه ويدرك خطأها، لكنه لا يحرك ساكنا امامها ، بل تراه لا يعرض عليها وينقاد بسهولة الى اغراءات هؤلاء الباعة ... ونعتقد ان المراقبة الصحية لا بد ان تهتم بمثل هذه التجاوزات خاصة أن مادة السمك سريعة التعفن في مثل هذه الفترة ، وخصوصا انواعها المستوردة المجمدة التي لا تقبل ان تسكب عليها المياه. مثلجات على قارعة الطريق.. ودس للغلال المتعفنة الصورة الاخرى التي تبدو عامة، ويمارسها كل باعة انواع الغلال هي منع الحريف من الانتقاء ودس بعض الثمار المتعفنة مع كل عملية بيع.. . فهذه الظاهرة باتت من نوع الاسلوب المفروض على الجميع واحيانا تمارس بشكل لا يخلو من التحدي.والتطاول . واذا ما اعترضت على ذلك فإن البائع يطالعك بكلام حفظه عن ظهر قلب كقوله « على بعضو» او « ما يخلصنيش» «غلة طايبة شوي» وهو كلام مدسوس كتلك الغلال المدسوسة والمتعفنة والتي يبلغ بها الحال احيانا الى حد تراها تقطر من شدة تعفنها. ولعل الاغرب في كل هذا ان بعض الباعة يضعون بعضا من الغلال المتعفنة مسبقا في علب الكرتون، وعندما تقبل عليه للشراء يوهمك بأن يقدمه لك سليم دون ان تتفطن لما وضع من غلال متعفنة بشكل مسبق. اما البعد الاخر الذي لا تخلو عروضه من التجاوزات والغش هو ما تعلق بأنواع المثلجات والعصير . فهذه المادة يشار انها الاكثر تحيلا وغشا في عرضها . فعلاوة على عرضها بعيدا عن اعتماد المواصفات الصحية فهي لا تخلو من الغش في مستوى الملونات المعتمدة وفي كميات الماء المسكوبة داخلها وفي عرضها لمدة ايام رغم انها لا تقبل التأجيل والعرض لأكثر من يوم ... ولعل الذي يلفت الانتباه هو وجودها على قارعة الطريق وفي الشواطىء تحت الشمس الحارقة، وفي واجهات الدكاكين ، واحيانا عرضها في اوعية غير مخصصة لها ، والحال انها من المواد الاكثر حساسية للشمس والهواء وبالتالي الاسرع تعفنا رغم معرفة الباعة باقبال الاطفال عليها. في اروقة اللحوم على اختلاف انواعها قطاع اللحوم على اختلاف انواعه ومستجداته الاخيرة الخاصة بأزمة اللحوم البيضاء يبدو انه غير قابل للاصلاح ولا للتعامل بشفافية مع الحريف . فعلى مستوى الاسعار اطلق باعة الدواجن العنان لترفيعها ، غير مبالين لا بالرقابة ولا القوانين الصادرة بخصوص الاسعار المرجعية. ولعلنا اليوم يمكن ان نقف من خلال جولة بسيطة في السوق على اسعار عدة تلتقي جمعيها في مستوى ترفيع مشط . اما بالنسبة للحوم الحمراء فان السعر المرجعي لا يتقيد به احد ولا يمكن النزول تحت 12 دينارا للكلغ الواحد من لحوم البقري او الضأن . وقد يكون المواطن قبل مكرها بهذه الاسعار لكنه هل يقبل بعرض غير قانوني ولا يحترم القواعد الصحية بالمرة؟ ففي سكرة واريانه وعديد الاماكن والاسواق اليومية وعلى الطرقات الوطنية تشاهد انواع هذه اللحوم معلقة في الهواء الطلق ودون اعتماد اي واق لها ، وبهذا فهي تكون في كل لحظة عرضة للاتربة ولغبار السيارات ، ولكل انواع التعفنات الممكنة. فمتى يثوب باعة اللحوم الى رشدهم ويحترمون الحريف وتقاليد وشروط المهنة؟ ان هذه الصور والتعاملات والممارسات التي اشرنا ايها تتوزع في كل الاماكن وحيثما توجهنا ، ولعنا اليوم لا يمكن ان نعتبر مظاهرها استثناءا حيث كلما نسير بعض الخطوات في شارع او سوق او فضاء الا ونقف عند عديد التجاوزات. وهي صورة باتت عامة ومقصودة ، وأن المراقبة على اختلاف انواعها ورغم مجهوداتها اليومية لا يمكنها ان تلم بمثل هذه الترهات ، وذلك مهما تكاثر عدد المراقبين ومهما سلطوا من مراقبة دائمة وضغط . وفي هذا المجال لا بد ان تتطور المراقبة الذاتية للمواطن ، ويتطور الحس الذاتي والوعي لمقاومة هذه المظاهر . فيكفي ان يقول المواطن لهذا البائع لا ، اويعرض عليه وعلى سلعه حتى يرتدع الجميع ويتيقن ان باب الغش والمغالطة والتصرف غير السليم من الابواب التي يمكنها ان تغلق مع وعي المواطن ومساهمته في الدفاع عن نفسه.