الظاهرة لها انعكاسات سلبية على جموع التلاميذ داخل الأقسام فهل يعي بعض الأولياء هذا البعد؟ تونس الصباح: بعد شهرين أو أكثر قضاها التلاميذ في الراحة والاستجمام، هاهي مظاهر الاستعداد لسنة دراسية جديدة تبدأ في الظهور.. فالمكتبات بدأت تستقبل أفواج التلاميذ والأولياء لاقتناء الأدوات المدرسية بعد أن أمنت كل الحاجيات المطلوبة، وتزوقت واجهاتها بكل أنواع الأدوات والمحفظات على اختلاف أنواعها وأحجامها وأسعارها.. كما تحركت الأسواق ومحلاتها لتعرض الأحذية والميدعات والمحفظات وتوافدت العائلات في عمليات تسوق مصحوبة بأبنائها لاختيار ما هو مطلوب لسنة دراسية جديدة. كل هذا جميل ويحرك فينا الاعتزاز بما نوليه من قيمة للعلم والتعلم ويبرز مراهنتنا على العلم كقيمة ثابتة داخل المجتمع، على مر الاجيال وتعاقبها، لكن هل حافظت ظاهرة الاستعداد للعودة المدرسية وافتتاح سنة دراسية جديدة على طابعها الاجتماعي والتربوي كبعد أساسي في ظل التطورات الحاصلة على مستويات عدة مظاهر جديدة فيها هيمنة البعد التجاري، واقتصاد السوق؟ وهل تولدت غريبة حول الأدوات المدرسية وتنوعها وغلائها وعدم قدرة الجميع في اقتناء عادي أنواعها؟ وهل هذا أمر عادي أم يمكن أن تكون له انعكاسات سلبية على شعور التلاميذ، وخاصة الصغار منهم؟ اقتصاد السوق انعكس حتى على الأدوات المدرسية قد نسلم بمظاهر عامة وجديدة أفرزها اقتصاد السوق والتطورات التي صاحبته داخل المجتمع، وبات المواطن مقتنعا بالتعاطي مع السوق حسب ما تسمح به إمكانياته المادية ودخله وظروفه.. وهو أمر طبيعي أقتنع به الجميع، حيث بات الكل ينفق ويلبس ويأكل حسب ما يتوفر له من إمكانيات.. لكن كان لابد من المحافظة على أسس اقتصادية وتجارية في بعض المجالات وجعلها ثابتة ومراعية للتوازنات داخل المجتمع بما فيه من فئات عمرية أولا واجتماعية ثانية، وذلك بجعلها قاسم مشترك يمكن للجميع ومهما كانت إمكانياتهم المادية الحصول على مبتغاهم منها. ففي مجال الأدوات المدرسية مثلا غاب هذا البعد، وتداخلت الأمور، وتطورت بشكل غريب، وبات سوق الأدوات المدرسية يخضع بالأساس لاقتصاد السوق، ويغلب عليه البعد التجاري الصميم، وقد فسح المجال على مصراعيه لتظهر أدوات موردة، باهظة الثمن إن لم نقل أسعارها من نار. ويكفي أن تدخل مكتبة أو بعض المساحات التجارية الكبرى، حتى تقف على هذه الظاهرة في كل أنواع الأدوات المدرسية من كراس رفيع وباهظ إلى الأقلام والكنش والممحاة الغريبة الشكل والسعر. كما تستغرب من أشكال الأدوات الهندسية الصغيرة التي حلقت أسعارها عاليا، والتي بقيمتها فقط يمكنك أن تدفع عشرات الدنانير. فهل تقدر كل العائلات على هذه الأدوات؟ وهل بإمكانها إقناع أبنائها بعدم قدرتها المادية على شراء هذه الأدوات رفيعة القيمة والأسعار؟ نعتقد أن الأمر يصبح مستحيلا مع صغار لا يفقهون في الأمور المادية أي شيء، ولا يعرفون معنى مراعاة أحوال العائلة، ولا يتسامحون في أن يكون لأقرانهم أدوات ممتازة، بينما تتوفر لهم مثل تلك الأدوات. ولبعض الأولياء ضلع كبير في تفشي الظاهرة إن الفرحة بالعودة المدرسية والاقتناع الراسخ بقيمة العلم وتحصيله قد لا يدركه التلاميذ الصغار، لكنه هاجس يسيطر على عقلية بعض الأولياء، ولذلك تراهم لا يتوانون في الإنفاق الكبير على أبنائهم في هذا المجال، بل يتفننون في إختيار أرقى الأدوات المدرسية، غير مبالين بتكاليفها. ولئن كان ذلك يبقى من الأمور الإيجابية بشكل عام، فإن إنعكاساته تبقى سلبية جدا على التلاميذ الصغار عند لقائهم داخل القسم، وبروز التفاوت في قيمة أدواتهم المدرسية. وهذا العامل يولد في نفوسهم شيئا من البغضاء والكره والحقد حد التشاجر، كما يؤثر على نفسياتهم الصغيرة، ويشعر بعضهم بالدونية، وحتى كره الدراسة والتقاعس فيها، والإحساس بغبنهم من قبل أوليائهم. كل هذه الأمور ما كانت لتحصل لو وقعت المحافظة على آداء القطاع والتحكم فيه من خلال نظرة معمقة ومفاهيم بيداغوجية سليمة للقطاع وللأدوات المدرسية، بعيدا عن إخضاع هذه الادوات لاقتصاد السوق والمجالات التجارية التي تقوم على الربح. ولعلنا نذكر أن الأمور قد بدأت مع ما يسمى بالكراس الممتاز، أو الرفيع لتطال في ما بعد كافة الأدوات المدرسية، ولتفسح المجال لأدوات موردة تصل فيها أسعار بعض الأقلام إلى بعض الدنانير، ويبلغ معها أنواع بعض الكراسات إلى 6 دينارات. مربون يتبرمون من هذه الظاهرة وانعكاساتها على التلاميذ الأدوات المدرسية والتفاوت في امتلاك أجودها بين التلاميذ، ظاهرة عبر عنها بعض المربين بشيء من التبرم والإشمئزاز والقلق، فقد أفادنا أحد المربين بأن الظاهرة تمثل حقدا وبغضاء بين التلاميذ، وتولد فيهم شعورا بالنقص، وتحرك في بعضهم نقمة تصل حد الاستيلاء على أدوات اقرانهم، كما أنه نتيجة عنها كثيرا ما يتفوّق الدرس، نتيجة كثرة تشكيات التلاميذ وحضور بعض الأولياء أحيانا. ويعلق مرب آخر التقيناه داخل أحدى المكتبات قائلا: "العلم في الراس.. وليس في الادوات المدرسية الرفيعة أو الكراس الممتاز بالاساس".. نحن لسنا ضد الأدوات الممتازة والرفيعة الثمن، ولسنا ضد أي ولي يولي اهتماما لابنه باقتناء أدوات مدرسية رفيعة.. ونتمنى أن يكون لكل التلاميذ أدوات من هذا القبيل، لكننا نود فقط أن نهمس في الآذان، لنقول ربوا أبناءكم على المنافسة في العلم والتعلم، بعيدا عن التظاهر بامتلاك أدوات مدرسية تفوق الغير، فالكراس عابر مهما كان نوعه وقيمته، ولا يبقى في الأخير سوى الإجتهاد وتحصيل العلم.