في الوقت الذي كان فيه المستهلك المسكين يكاد لا يغمض له جفن من كثرة ما أرّقه التفكير في مواجهة مصاريف العودة المدرسية وشهر رمضان طالعته منظمة الدفاع عن المستهلك ببلاغ آخر من بلاغاتها التي اعتادت فيها تحميله كامل المسؤولية وكأنه المسؤول عمّا حدث وعمّا سيحدث. بلاغ لا يخلو من التهم الضمنية للمستهلك بالإفراط في الاستهلاك وبإفساد برامج الحكومة بما أنه مطالب «بالحفاظ على الموازنات العامة للبلاد ودعم الاقتصاد الوطني» داعية إياه «للمساهمة من موقعه في التصدّي للارتفاع المشطّ والمتواصل لأسعار المحروقات والمواد الغذائية الذي تشهده الأسواق العالمية وفي الحدّ من انعكاساته السلبية على الاقتصاد الوطني والصندوق العام للتعويض» هكذا إذا ومن النقيض إلى النقيض يتحوّل هذا المتهم إلى سوبرمان إذ تحمّله المنظمة مسؤوليات تتجاوز مسؤوليات أي حكومة في العالم... فهو سيتصدى نزولا عند رغبتها للارتفاع المشط للأسعار العالمية... سينزل للبورصات العالمية ويطرد المضاربين ويعدّل أسعارها بما لا ينعكس سلبا على الاقتصاد الوطني. وتواصل المنظمة تحميله المسؤوليات الجسام إذ تدعوه لضرورة تعديل استهلاك المواد الغذائية المدعّمة... وإذا ما فهمنا كلمة تعديل بالمعنى الحكومي فإنه لا يكون إلاّ ترفيعا... فهل سمعتم مرّة بلاغا صادرا عن الحكومة يتحدّث عن تعديل بمعنى التخفيض... وأسوة بالحكومة دعت المنظمة المستهلك إلى تعيين مكلّف بمهمّة في كل عائلة مهمته «ضبط الحاجيات الحقيقية للعائلة والقيام بعمليات الشراء وحفظ الخبز المجمّد في الثلاجة وحفظ الأكل الذي لا يتمّ استهلاكه في الثلاجة»... فهل سمعتم عن عائلة تترك أكلها عرضة للتلف خارج الثلاجة أو هل سمعتم بعائلة تلقي خبزا قابلا للاستهلاك في الزبالة؟.. أفلم يكن من الأفضل أن تتوجه المنظمة للحكومة لتطالبها بوضع برنامج لجودة الخبز من أن تطالب المستهلك بأن يأكل ما قد لا تأكله حتى الحيوانات. تلك هي حال منظمة الدفاع عن المستهلك التي تحمّل كل شيء للمستهلك وإليكم المزيد... ففي نفس البلاغ تدعو المستهلك إلى «تحديد حاجياته بأكثر دقّة ممكنة مع تجنب التداين والتقيّد بما تسمح به مداخيل العائلة وعدم الانسياق إلى الشهوات» أي بعبارة أوضح إلى «تحديد ميزانية محدّدة لشهر رمضان» وكلمة ميزانية تفترض توفر أرقام فهل ضمنت المنظمة للمستهلك استقرار الأسعار ليحدّد لنفسه ميزانية محددة؟ ثم أمام الارتفاع المهول للأسعار فإن اللحم والسمك والغلال أصبحت اليوم شهوات على المستهلك تبعا لتعليمات منظمته أن لا ينساق وراءها... فماذا سيأكل حيئنذ؟ وفي ختام البلاغ دعت المنظمة المستهلك إلى «التصدّي لظاهرة البيع المشروط والامتناع عن البيع وممارسة حقّه في الاختيار وانتهاج أسلوب الدفاع الذاتي عن مصالحه في كل الحالات باعتباره الطريقة المثلى للدفاع بنفسه عن حقوقه المشروعة» إذا فالمستهلك وحسب توصيات المنظمة مطالب في إطار برنامجها الرامي لتحميله كامل المسؤولية دوليا ومحليا أن يبعث لنفسه سلك أمن خاص به للدفاع عن نفسه أو أن يقوم بنفسه بهذه المهمّة «فالدفاع الذاتي» وفي لغة الفنون القتالية يعني مواجهة العدو وهزمه أي تأديب الممارسين للبيع المشروط والممتنعين عن البيع ب«طريحة نبّاش القبور» أي أن يتحوّل كل مستهلك إلى صدّام ويواجه قوات التحالف.. وهكذا رمضان أو لا يكون! ألم أقل في نفس هذا الركن إنها «منظمة الانتفاع من المستهلك» وهاهي تضيف اليوم من خلال هذا البلاغ الذي كتبته بطريقة من يريد إرضاء الحكومة أنها «منظمة الهجوم على المستهلك» وتحميله ضمنيا المسؤولية الكاملة فيما يحدث والحمد لله أنه لم تكن لهذه المنظمة صلاحية سلطة قضائية وإلا لوضعت العشرة ملايين مستهلك خلف القضبان. حافظ الغريبي للتعليق على هذا الموضوع: