كتاب تونسي يتناول أسباب إخفاقات الإسلام السياسي في تونس ويضع شروطا ل«عقلنة» الظاهرة.. العلاني: «النهضة» أضاعت فرصة ثمينة وفرها لها الرئيس بن علي عند وصوله للحكم في العام 1987 تونس الصباح: كيف نشأت الظاهرة الاسلامية بتونس؟ وكيف تطور خطاب الحركة الاسلامية؟ وما هي العوائق التي جعلت الحركة الاسلامية لا تحتل مكانا سياسيا ضمن منظومة المجتمع المدني؟
وهل أن الحركة الاسلامية بتونس ضحية تسييسها؟ وهل أن المجتمع التونسي بتنظيماته يرفض أو يقبل توظيف الدين في الحياة السياسية؟ تلك هي أبرز الاسئلة التي حاول الدكتور اعلية العلاني، معالجتها والاجابة عليها في كتابه الجديد الذي حمل عنوان: "الحركات الاسلامية بالوطن العربي-دراسة مقارنة بالحالة التونسية"، الصادر عن دار مصر المحروسة بالقاهرة في الاونة الاخيرة.. الكتاب الذي قضى مؤلفه في إعداده فترة بضع سنوات، جاء مليئا بالمعلومات حول نشأة حركة النهضة التونسية وتدرجها في المشهد التونسي، تنظيميا وسياسيا ومجتمعيا، إلى جانب تطور مقارباتها الفكرية والسياسية، ومواجهتها مع الدولة في تونس على عهد الرئيس السابق، الحبيب بورقيبة.. كما تناول المؤلف المستويات التي سجلت بها الحركة حضورها في الساحة التونسية، منذ فترة السبعينات من القرن المنقضي، بدءا بالمساجد ومرورا بالجامعات والمعاهد ووصولا إلى الحضور السياسي الذي توج بالمشاركة في الانتخابات التشريعية في أفريل من العام 1989.. وأرجع صلابة الحركة خصوصا في مطلع الثمانينات، إلى نفوذها المالي الكبير، واستفادتها من أخطاء النظام البورقيبي الذي تعامل مع المسألة الدينية "بشكل اعتباطي وانتهازي"، حينما أظهرت السلطة عداء متكررا لبعض القيم الدينية بشكل أثار حفيظة شق كبير من الرأي العام تعاطف تلقائيا معها ظنا بأنها الملجأ الوحيد للدفاع عن هوية الشعب التونسي الحضارية.. وتطرق الكتاب بشكل مفصل وموثق أيضا، إلى ما أسماه بالمحن التي مرت بها حركة النهضة، وهو يعني هنا الملاحقات الامنية التي عرفتها خصوصا خلال المرحلة البورقيبية، حيث تعرضت إلى محاكمات وعرفت المنافي والسجون.. لكن المؤلف اعتبر بالنتيجة أن فشل حركة النهضة الاسلامية ومحدودية تأثيرها على الرأي العام، ليس نتيجة للملاحقات الامنية فحسب، بقدر ما هو بسبب التصدع التنظيمي للحركة وبسبب التداخل بين السياسي والديني في تفكيرها وممارساتها.. الفرصة الضائعة.. على أن الدكتور اعلية العلاني، شدّد على "أن حركة النهضة الاسلامية، لم تستغل الفرصة التي أتيحت لها للاندماج في المنظومة السياسية عند وصول الرئيس زين العابدين بن علي للحكم عام 1987 بعد سنوات من المواجهة مع السلطة مطلع الثمانينات"، ملاحظا أن "انفتاح حكومة بن علي آنذاك على الحركة الاسلامية، تجلى من خلال الافراج عن مساجين الحركة وعن قيادتها وزعيمها(...)، وفتح المجال أمامهم للمشاركة في الحياة السياسية والمشاركة في مجالس حكومية"، على حدّ تعبيره.. وأوضح العلاني، أن فشل المصالحة التاريخية التي منحت لهم كانت بسبب خطاب الحركة الذي أصبحت تعتبره السلطة "خطيرا وأصوليا"، عندما لوح بعض مرشحيها في الانتخابات البرلمانية لعام 1989، بإمكانية التراجع عن قبول (مجلة) الاحوال الشخصية والمطالبة بإرجاع العمل بنظام تعدد الزوجات.. واعتبر المؤلف، أنه كان بإمكان حركة النهضة أن تنجح لو التزمت بثوابت النظام الجمهوري، وحافظت على المكاسب التعددية، وحرصت على أن تكون حزبا سياسيا وليس دينيا..ولاحظ أن اللوم الموجه للحركة الاسلامية بتونس من بعض الباحثين وعديد الفاعلين السياسيين، أنها كانت في وفاق مع الحركات الاسلامية بالخارج، ولم تكن كذلك مع الداخل، إذ كانت "علاقتها بالسلطة وبعديد مكونات المجتمع المدني في البداية سيئة ومتوترة"، على حدّ وصفه.. الاخفاق وأسبابه.. ولم يخف الكتاب الذي حاول رصد أسباب إخفاق ومحدودية تأثير هذه الحركة في الاوساط الشعبية، بكون "صدامها المتتالي مع السلطة، نابع من أن الحركة الاسلامية بتونس، لا تعترف بشرعية النظام القائم الذي تعتبره علمانيا لائكيا حداثيا على النمط الغربي".. ومعنى هذا، أن "تفاعل حركة النهضة مع الواقع المحلي، كان دون المطلوب، في حين التزمت بعض التيارات الاسلامية، سيما المعتدلة منها بالمغرب والجزائر، بالقضايا المحلية وأعطتها الاولوية ضمن خطابها، بحيث لم تكن في قطيعة حاسمة مع النخب الحاكمة ونخب المجتمع المدني".. وخلص الكاتب إلى أن الحركة شدت إليها الانظار كحركة جماهيرية، بسبب القمع الذي تعرضت له في فترة حكم الرئيس الحبيب بورقيبة، فيما أن جهازها التنظيمي لم يكن متماسكا، مشيرا إلى الخلافات الايديولوجية التي كانت تشقها، خصوصا بين بعض قياداتها البارزة، "فقوة الحركة والكلام للدكتور اعلية العلاني لم تكن مستمدة من برنامجها السياسي والاقتصادي والاجتماعي".. وتوقف المؤلف عند خطأين وصفهما بالكبيرين اللذين وقعت فيهما الحركة وأثرا على مردودها، بل حتى على وجودها التنظيمي في السنوات الاخيرة لعشرية الثمانينات وهما: 1 تبني إستراتيجية العنف والتصعيد انطلاقا من ديسمبر 1986. 2 اعتماد الحركة طوال فترة السبعينات والثمانينات، على ازدواجية الخطاب (ديمقراطي وكلياني) والقيادة (سرية وعلنية)، ما أثار تساؤلات لدى الرأي العام وتحفظات من بعض الاطراف السياسية.. وأشار العلاني إلى أن "الحركة حاولت فرض بديلها المجتمعي من خلال الانغراس داخل النسيج المؤسساتي للمجتمع من معاهد وكليات وجمعيات ونقابات، وحتى داخل الاحزاب بما فيها الحزب الحاكم"، وهو ما كان من أسباب فشلها.. استحقاقات أساسية.. لم يكتف الباحث والدكتور العلاني، بتحليل الجوانب التنظيمية والسياسية والفكرية لهذه الحركة، ودراسة أسباب فشلها البنيوية والايديولوجية والسياسية، وإنما حرص على إبراز الاستحقاقات القادمة المطروحة على الحركة، وفي مقدمتها "تثبيت الطابع المدني لتوجهها"، في ضوء الخلفية الدينية المتمترسة فيها والتي تشكل هاجسا محرجا لدى العديد من التيارات السياسية الاخرى.. ودعا الكاتب إلى ضرورة ما أسماه ب"عقلنة الظاهرة الاسلامية التي باتت اليوم أمرا ملحا وممكنا في نفس الوقت"، حسب قوله، أسوة بالتجارب المغاربية المعروفة.. على أن الكتاب، الذي تضمن الكثير من المعلومات الهامة حول حركة النهضة وتطورها، التنظيمي والفكري والسياسي، متنقلا بين مختلف المراحل التي مرت بها، يثير الكثير من الاسئلة وبالتالي الجدل حول "تاريخية" هذه الحركة وعلاقتها بالشأن التونسي، وأفقها التنظيمي اليوم، وفكرها السياسي في ضوء ما يتردد عن مراجعات صلبها لا تبدو واضحة إلى اليوم للمراقبين والملاحظين، بل يشوب بعضها الكثير من الغموض وتطرح أكثر من استفهام، خصوصا فيما يتعلق بعلاقتها بالدين، هل بوصفه مرجعية من مرجعيات فكرها السياسي، أم باعتباره المنهل الوحيد لاطروحاتها، وهو ما يحيل إلى موضوع علاقة الديني بالسياسي في فكر هذا الحزب، الامر الذي لم يحظ بتحليل مستوف من قبل المؤلف.. على أية حال يمثل كتاب "الحركات الاسلامية بالوطن العربي-دراسة مقارنة بالحالة التونسية"، محاولة لفهم وتحليل ومناقشة أحد الاحزاب التي أثرت (سلبا وإيجابا) في المشهد التونسي منذ بداياتها الاولى منتصف سبعينات القرن المنقضي..