تونس الصباح: مساء أمس الاول كانت السهرة الرمضانية على الفضائية «تونس 7» في جزء منها مع منوعة «مدن النجوم» التي يعدها ويقدمها وليد التليلي وهي منوعة عائدة بعد غياب أرادها صاحبها على ما يبدو ان تكون رمضانية شكلا ومضمونا في حصصها التي ستبث على امتداد سهرات هذا الشهر الفضيل فاختار ان يخصص حلقاتها لموضوع الانشاد الديني او الصوفي او الطرقي بوصفه تعبيرة فنية انشادية لها خصوصياتها التي تميزها عن باقي التعبيرات الفنية والغنائية الاخرى... مقدمة دسمة.. ولكن! كعادته وبحس فني وثقافي مرهف وعبر صور تلفزيونية حية مأخوذة ليلا عكست جانبا من شوارع وأزقة مدينة تونس بأنوارها الخافتة ولكن المتلألئة.. وعلى صوت نغمات وكلمات المديح الصوفي الشهير والجميل «الليل زاهي بالقمر ونجومه» اخذ وليد التليلي المشاهدين في رحلة استطلاعية متعددة المحطات حاول من خلالها التعريف ببعض مجموعات الانشاد الصوفي والطرقي المتوزعة عبر ولايتي تونسوزغوان.. في البداية كانت له وقفة في بهو مقام الولي الصالح سيدي محرز بن خلف (سلطان المدينة) مع الموسيقار الاستاذ فتحي زغندة الذي يعتبر احد ابرز المؤهلين موسيقيا ومعرفيا للحديث في موضوع الانشاد الديني بوصفه لا فقط تعبيرة فنية موسيقية انشادية ولكن ايضا ظاهرة دينية اجتماعية لها تاريخيا جذورها الثقافية وطقوسها المخصوصة والمتنوعة.. هذه الوقفة الاولى مع الاستاذ الموسيقار فتحي زغندة مثلت بحق مدخلا معرفيا دسما لموضوع أو ظاهرة الانشاد الديني في تونس عامة وذلك بما اشتملت عليه من معلومات علمية تاريخية حولها وحول مختلف «مدارسها».. وفيما كان يفترض ان يواصل وليد التليلي على هذا النهج «المعرفي» الدسم وجدناه يتحول بالحصة في باقي مقترحاتها ومادتها الى ما يشبه اللقاءات العابرة مع بعض نجوم الانشاد الديني والصوفي في تونس (أحمد جلمام وباش منشد المقام الشاذلي) والتي ولئن قدمت للمتفرج وجوه هؤلاء وذواتهم فانها لم تقدم له من حيث المعلومات حول الظاهرة ذاتها (ظاهرة الانشاد الصوفي) ما من شأنه أن يمثل اضافة... ربما تكون طبيعة المنوعة التي تحمل اسم «مدن النجوم» هي التي تحتم التركيز في الحيز الاكبر على الاشخاص الذين يمثلون رموز هذا الفن او ذاك في مدنهم وبلدانهم وضرورة محاورتهم وتقديمهم والتعريف بهم وبفنهم وهذا مفهوم.. ولكن مع ذلك وددنا لو ان الحصة في مختلف مراحلها حافظت على التواصل من حين لاخر مع الاستاذ فتحي زغندة لتقديم الاضافة المعرفية المفيدة... خاصة ان محاورة الشيخ احمد جلمام مثلا ومثله قائد سلامية زغوان وكذلك باش منشد المقام الشاذلي لم تكن تشتمل في الجانب المعرفي على اية اضافة او معلومة.. صحيح انها مثلت مراوحة انشادية مريحة وممتعة ولكنها لم تتجاوز ذلك الحيز.. لماذا هذه الملاحظات نورد هذه الملاحظات بخصوص الحلقة الاخيرة من منوعة «مدن النجوم» لسببين رئيسيين: الاول: يتعلق بالقيمة الفنية والثقافية المزدوجة لهذا الانتاج البرامجي التلفزيوني التونسي.. فهذه المنوعة التي يعدها ويقدمها وليد التليلي تعتبر واحدة من ارقى الانتاجات التلفزية الوطنية في مجال المنوعات الفنية.. وهي منوعة تونسية قادرة على منافسة غيرها من الانتاجات التلفزية سواء منها العربية او الخليجية في نفس المجال.. لذلك، يكون من المهم ومن الضروري ان تحافظ هذه المنوعة على قيمتها ومستواها الفني والثقافي الذي ميز حلقاتها السابقة سواء منها تلك التي صورت في تونس أو في بعض المدن العربية.. اما السبب الثاني فيتعلق بموضوع الحلقات ذاته.. فالانشاد الديني او الصوفي هو اكثر من مجرد تعبيرة فنية انشادية... انه «ظاهرة» دينية اجتماعية ذات علاقة بثراء المخزون والموروث الديني والطرقي في بلادنا عبر مختلف مراحل التاريخ.. لذلك وجب ان نتعاطى معه بقدر كبير من البحث والاشتغال معرفيا على طبيعة خصائصه ودلالاته وذلك حتى نوفيه حقه وحتى لا يبدو هذا المخزون «ضحلا» او متواضعا في نظر المشاهد العربي خاصة وان المنوعة تبث على الفضائية «تونس 7».. ومع ذلك، فانه لابد من الاشادة بمنوعة «مدن النجوم» والاستبشار بعودتها مجددا بعد غياب لانها تمثل بحق انتاجا برامجيا تلفزيونيا وطنيا قيما وراقيا في مجال المنوعات تعكس موهبة وحرفية واحد من الاعلاميين التونسيين المجتهدين يدعى وليد التليلي..