غادرنا رمضان بكل هيلامانه وودعنا سهراته وقعداته بعدنا أن أفرغ جيوبنا وكب كبوبنا بمصروفه الكثير وماله العسير فخرجنا منه كالسكارى المثمونين.. مثقلين بألف دين ودين.. فقد أفلسنا.. وهرسنا.. وقصم ظهورنا بين الملصوقة والمقرونة.. وبين حلو العيد.. ومن الثياب الجديد.. ولم يغادرنا الا وقد تركنا نمشي على الحديد.. غادرنا رمضان.. بعدما راحت أموالنا.. وسقطت آمالنا..وساءت الى الحضيض حالنا.. فلا مليم ترك لنا ولا دينار.. وذهبت معه فلوس الادخار.. بين الأكل والثياب.. ومصروف المدرسة والكتاب.. وتركنا في حوسة ليس كمثلها حوسة وجيوبنا أفرغ من فؤاد أم موسى.. فلم نعد نعرف كيف ندخل على أكتوبر وكيف سنستقبل نوفمبر حتى نصل الى ديسمبر.. فقد غرقنا.. وبقبقنا.. واحترقنا.. قبل دخول النار.. بين جمر الخضار والعطار.. والملاك والجزار.. وفتحنا كرسي للكريدي والحساب.. عند المكتباجي وبائع الثياب.. ولهف الاولاد ما لهفوا بإسم الألعاب.. بين دحدح وكتكوت.. حتى كان الزوالي قبل موعد..يموت.. غادرنا رمضان وعادت ريمة الى عادتها القديمة.. فودعنا لحم الخروف والنعاج وعدنا والعود أحمد الى فخذ الدجاج. فليس لنا غيره باقي.. حتى كدنا من كثرة أكله نقاقي.. ورجعت زوجتي رقيه المغبونة الى «العيشة مقرونة» وودعنا «ولد الطليانة» والبيتزا بوليتانا. فهذا هو «المكتوب» أن يعيش الزوالي دائما مغلوب يخرج من حروب ليدخل في حروب.. فإما أن يجنّ أو يصبح كالكلب المكلوب.. وهو مع ذلك لا يتوب.. وفي كل عام الى نفس النمنامة يؤوب يهز ساق فتغرق الاخرى.. فلا الشهرية كفته ولا القروض أنقذته.. بل غرقته الى العنكوش.. حتى صار كالديك المذبوح المرعوش..أو كالشاة مقسّم بين الذئب والجزار.. هذا ينهش من لحمه والاخر يمشمش في عظمه.. حتى يصير يمشي جهامة على الارض لا تعرف طوله من العرض.. كأنما المغبون مسّه ضرب من الجنون.. وقد حاصروه من كل جانب والكل في الاجهاز عليه راغب.. الزوجة والأولاد.. ومصروف المدرسة والاعياد.. وفاتورات الستاغ والصوناد.. التي تأتي غالبا بلا ميعاد.. فتراه يحك شعره كمن هجم عليه القراد.. يكلّم نفسه في الطريق.. وقد شاح من حلقه الريق.. فلا صديق وقت الضيق.. ولا أحد منه يتسلف بل بأغلظ الايمان يحلف بأنه مثله على الحسحاس وأن «جيبه مخروم من الافلاس» أو هو مثل الكسكاس.. فقد نفض رمضان والعيد واالمكتب الكلّ.. فمنهم من خرج في الحلة ودخل.. ومنهم بأرض الرازي حلّ.. ومنهم من أصبح يفكر أن يهج ويحرق ويفل.. ويخلي الكل في الكل.. غادرنا رمضان وقد تعبت النفوس.. من قلة المدخول والفلوس.. ومن غلاء المعدنوس.. وإشتعال أسعار التمر والفقوس.. وكثرة المرشينوار.. وغياب الدينار.. فكأنه يعيش في حصار. غادرنا رمضان وهو ككل عام ضيف... واعدا بالرجوع في عزّ الصيف حتى يكمّل على مرمتنا ..ويشبع في غربتنا.. حتى تطلع من ظهورنا كربتنا.. وروحنا تطلع.. ونبدا بالتشفع.. غادرنا رمضان وقد صرنا نضلع.. فلا لحم ولا عظم ولا أضلع.. فالرواتب في سابع نوم تقبع.. والاسعار كما القمودي تسرع.. والمواطن يغص ويبلع.. فلا تسبقات تنفع.. ولا كبسان السنتورة تنفع..فالسنتورة كادت من الكبسان أن تتقطع والدنيا جيب يدفع.. ومصروف يبلع.. ولا أحد يفهم أو يرى أو يسمع.. وطبول الايام الصعبة تقرع.. فعلوش العيد بدأ من الآن يبعبع.. وصوته بدا من الآن يلعلع.. فحضروا أرواحكم يا مواطنين فأنتم في رمضان مذبوحين في العيد مذبوحين.. بين العيدين مذبوحين على طول العام مذبوحين.. والى حين.. للتعليق على هذا الموضوع: