كنّا في أواخر ليالي شهر رمضان كعادتنا في مقهى الشخنان، فقال مزيان سنخصّص جلستنا هذه للحديث عن بهجة العيد الذي صار ليس ببعيد وكيف يحتفل به الناس في عاصمة المناجم في هذه المدينة يا حباس التي عاشت فيها عديد الجاليات من اليهود والأعاجم وحتى الروس والطرابلسية والجزائريات، فقال بركات دعنا يامزيان من التاريخ وانظر إلى الأرض ولا تنظر الى المريخ فيسقط من فوق رأسك الكبوس فأجاب مزيان حقّا يا بركات لقد تغيّرت الحالات وغزانا التقليد والكمالي الآن هو ضروري ولابدّ لك من التكرعيد لتوفير اللازم والمفيد وما تفعل الشهرية المغبونة في هذه الأزمات المجنونة. فقال عم حسونة قيل أن تقديم المرتبات والجرايات قادم لمجابهة مصاريف العيد وشراء الجديد فتدخّل عبد المجيد وقال انّ هذه الأوضاع لا يفيد فيها تقديم ولا تأخير وماذا نقول للديون والبانكة كمنشار الحديد في نزول وارتفاع ولن يفلت منه أي ملّيم و»أفانس» صغير أو كبير فالرأي يا جماعة ان تتسلحوا بالبطاقات الحائطية فقال بن عمارة لي «كارطتان» واحدة للسلفة والأخرى للتزويد تُزوّدُ جيبي بالعلفة ولم يبق في الشهرية يا جيلاني يا حبيبي لا مائة ولا عشرة فتنهّد بوجمعة وقال عجبا لهذه الأموال فكأنّنا نأخذها من المحال فتدخل بوخلال وذكر أنّ الشهوة هي أساس البلوى وأنّكم تتفندقون وتصرفون إنفاقا غير موزون وتتبعون أم الفلافل والأولاد وتكدسون اللحوم والأكباد والملابس والسلاسل وكذا الحلقوم والحلويات والشامية وتختمونها بالمشروبات والمواعين و»السرابس» فباللّه كيف يبقى لكم مليم؟ وكيف لا تتداينون؟ «فتنرفز» عزالدين وختم لسنا وحدنا هكذا فالشعوب كلّها مثلنا ولن نستطيع أن نمشي الى الوراء ونعُود القهقرى فالبنوك تتسلّف ولا يمكن للجميع أن يتفلسف فنحن منذ جاء أجدادنا هذه المدينة تخلصهم «الكبانية» فيدفعون أقساطا ثمّ يدخلون «الكريدي» بجدية وأحيانا يغرقون في كأس «ماجيدي» ويعيشون أيّاما ثمّ يعودون إلى الكاسة وكل «يدبّر رأسه» فقال جيلاني لقد أرجعتنا إلى أيّام زمان وما عسانا نفعل الآن فقال مزيان لا تشغل بالك فأنت وعيالك لكم مدبر حكيم قَلَنَا اللّه والحيط مادامت «المكينة» عامرة بالأوراق النقدية فالحظ بنا مُحيط فقال الغول هكذا حال الجميع الخدام والبطال وبائع الفول فقد استبد بنا الغلاء ومصروفنا كلّه في المقفول ولنقتصد في العشاء والغداء ولا تأثيث ولا بناء هذا هو المعقول ولبّ الحديث وسيمرُّ العيد ويأتي الإفطار بالجديد ونحن في دوامة وحلقة مفرغة وقد غرقت الأرجل والأجسام فلا عامل أو إطار مبجل خارج من هذه الورطة فالطامة عامة ولو عدنا إلى العُولة وإقفال «الصنتورة» عسى ان يتمّ الانتشال ويتحسّن المآل فقال بشير صديق الطباشير «سبقوا الخير» فلنفرح بالعيد ولكل دولة رجالها ولن نخاف ما دمنا لها فأنتم رجال صناديد صارعتم الجبال وأخرجتم كنوزها وهزمتم المحال بالحديد فلا خوف من فلوس العيد واشتراء الجديد فالشعب كلّه مديان يا مزيان و»الخنقة مع الجماعة خلاعة» حتى العالم الجديد غارق «للعنكوش» في الأزمة العالمية ولا يستطيع أحد شراء «العلوش» بدون البطاقة الحائطية. محمد المنصف الحميدي عضو اتحاد الكتاب التونسيين المتلوي