متاهة لأعوان البريد وسيارات الأجرة.. والزائرين لذويهم! تونس الصباح: تضطلع البلدية أو الدائرة البلدية بمهام عديدة في منطقتها تتصل بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والحياة اليومية في مختلف مشاربها لسكان منطقتها، حيث تسهر على جملة الأبعاد التي توفر للسكان الراحة والطمأنينة. كما أن مهامها تتصل أيضا بتطور الجانب المعماري في منطقتها، من حيث المشاريع الاساسية، والحد من التجاوزات وإيقافها إن اقتضى الأمر ذلك، علاوة على الاهتمام بالبنية الطرقية والأساسية ومجالات النظافة وغيرها. وقد لا نختلف في أن مجهودات يومية تبذل في جملة هذه الاغراض، وأن العمل البلدي في تونس يعتبر متطورا جدا مع ما نلاحظه في عديد البلدان التي صادف أن زرناها. ولعل جملة هذه التطورات في العمل البلدي بتونس يعود الى ترسخ مفاهيم المواطنة، ووعي التونسي وتطور أوجه الحياة، وكذلك إحكام العمل البلدي وتطور قوانينه، وغيرها من الجوانب الأخرى التي تعكس التحضر والتمدن. لكن على الرغم من كل هذا فإن هناك جوانب مازالت لم تتطور في العمل البلدي، وهي على بساطتها تمثل مشاكل كان بالإمكان تجاوزها بأيسر السبل وأسهلها. فكيف يمكن أن تبقى أحياء مترامية الأطراف، يقطنها عشرات الآلاف من المواطنين، بها مؤسسات عمومية وخاصة، وتتفرع الى عشرات الشوارع مرقمة ولا تحمل أسماء رغم أن تشييدها يعود الى أكثر من 30 سنة؟ حي الخضراء يمثل متاهة لزواره صادف أن زرت حي الخضراء خلال الأيام الأخيرة لحضور تظاهرة وطنية، وما أن وصلت إلى هذا الحي حتى اختلطت علي السبل لأني وجدت نفسي في متاهة شوارع لا تحمل أسماء بل أرقاما، وطفقت أدور في شوارع الحي وأزقته علي أظفر بالمؤسسة التي أبحث عنها، أو حتى بالشارع الذي توجد فيه، والذي يمثل رقما من بين بقية الأرقام التي أسندت إلى شوارع الحي لكن دون طائل. ولما يئست من البحث، وخارت رجلاي من السير والطواف في الشوارع، استنجدت ببعض المارة من التلاميذ الذين يدرسون بمدرسة الحي، وقدمت لهم رقم الشارع الذي أنوي الوصول إليه، لكن ما راعني إلا وقد بدا عنهم التلعثم والحيرة، وعدم القدرة على أن يدلوني على الشارع الذي أبحث عنه، رغم أنهم من سكان المنطقة. ولما لم أتمكن من وجود حل لمعرفة الشارع المطلوب، اتجهت الى بعض الشبان الجالسين في مقهي علهم يرشدونني عن هذا الشارع، وطرحت عليهم سؤالي، لكن مرة أخرى يغيب عنهم الجواب وتتضارب اجاباتهم في تحديد الشارع، حيث بعضهم أفادني أنه في الجهة الشمالية للحي، بينما عارضه البعض الآخر. وكالعادة بدت على هؤلاء الشبان الحيرة، وأبدوا أسفهم على عدم مساعدتي، لأنهم كانوا عاجزين على تحديد مكان الشارع الذي أقصده. وهكذا باءت محاولتي وسعيي للوصول الى الشارع بالفشل رغم استنجادي ببعض سكانه، ودب اليأس إلي، وفكرت في العودة من حيث أتيت، وهممت بذلك لولا مرور بعض أعوان البلدية المكلفين بنظافة الشوارع الذين دلوني علي الشارع الذي كان على مقربة مني. وعندها ضحكت ملء فمي، وقلت في نفسي سامح الله البلدية التي تغاضت على هذا الامر، ولم تفكر ولو لحظة واحدة في تغيير أرقام الشوارع بأسماء تسند لها. وتلاحقت في ذهني التساؤلات عن سبب هذا التأخر في تسمية شوارع هذا الحي رغم أن بناءه يعود الى أكثر من 20 سنة. وقلت في نفسي هل ضاقت المناجد والمعاجم وقلت الاسماء حتى تحتار البلدية في هذا الأمر، هل ليس لمجلسها البلدي والخلية المكلفة بهذا الأمر شيء من الوقت حتى تقوم بهذه المهمة؟ قطعا لا، فالمسألة لا تتطلب عناء، ولا هي عويصة إلى هذا الحد، إنما هي مجرد لامبلاة. لكننا نود أن نقول أنه رغم بساطة الموضوع، فإن الزائر لهذا الحي يبقى في حيرة من أمره، ويبحث طويلا للوصول إلى المكان الذي يقصده، وفوق كل هذا فان ترقيم الشوارع داخل الحي يمكن أن يكون وقتيا، ولبعض الأشهر فقط، لا أن تتواصل لسنوات طويلة، وقد تنجر عنها صعوبات أخرى بريدية أو غيرها. أحياء أخرى لا تزال أنهجها تحمل أرقاما رغم قدمها وإذا كنا قد سلطنا الأضواء بخصوص الأنهج المرقمة والتي لا تحمل أسماء بعد في حي الخضراء، فإن المسألة لا تتعلق بهذا الحي فحسب، بل تعاني منها عديد الأحياء القديمة والجديدة، مثل أحياء الزهور والزهروني وفطومة بورقيبة، وكذلك أحياء كثيرة في مناطق أخرى داخل تونس الكبرى أو غيرها من المدن. والإشكالية في هذا الجانب لم تعرها البلديات والدوائر البلدية أي اهتمام رغم أنها مظهر لا حضاري ولا ثقافي، وتعكس لا مبالاة بهذا الامر. فالكثير من أصحاب سيارات الاجرة "تاكسي"، يتبرمون من هذه المسألة، وكذلك سعاة البريد، والمواطنين غير القاطنين بهذه الاحياء. إنّنا نعتقد أنه قد حان الوقت للإهتمام بهذا الجانب، واضفاء اسماء على أنهج وشوارع هذه الاحياء التي بقيت ارقاما بدون أسماء. فهل تتولى بلدية العاصمة، والبلديات الكبرى والجماعات المحلية في وزارة الداخلية توجيه منشور إلى الأطراف المعنية تحثها على القيام بتسمية الأنهج والشوارع في الاحياء التابعة لها، ففي ذلك بعد ثقافي واجتماعي وحضاري هام؟