ربما شاءت الصدف أن يتزامن انعقاد الندوة الدولية حول "دور البنوك المركزية في بناء المجموعات الإقليمية وإدارة الأزمات المالية" في تونس مع مؤتمر المتابعة الدولي لتمويل التنمية الذي تحتضنه الدوحة غير أن الحدثين وما طرح خلالهما من مواقف وآراء ومطالب وتحذيرات يبرزان حقيقة واحدة وهي أن الأزمة المالية العالمية لا يمكن أن تمر دون وضع النقاط على الحروف وقول ما يتعين قوله خصوصا من قبل بلدان الجنوب والبلدان الصاعدة ولا بد أيضا من أن تنزع الدول المصنعة الغشاوة عن أعينها لتنظر بكل موضوعية إلى الأوضاع الاقتصادية والتنموية في مختلف مناطق العالم. والمؤكد أن ما جاء في كلمة رئيس الدولة الموجهة إلى الندوة الدولية بتونس من "أن الأزمة المالية الحالية تثير جملة من التساؤلات حول حتمية إعادة النظر في الأسس التي يقوم عليها النظام المالي العالمي وضرورة تشريك البلدان النامية في عملية إعادة الترتيب" مشددا على ضرورة مراجعة دور صندوق النقد الدولي في معالجة المسائل النقدية والمالية العالمية.. يعني أنه لا يمكن للأمور أن تبقى على حالها وهو ما تناوله الرئيس الفر نسي في مؤتمر الدوحة بتبنيه حتمية إدخال إصلاحات على النظام المالي العالمي بل ربط أيضا بين هذا الإصلاح والمساعدات بهدف التنمية ومواجهة الاحتباس الحراري، فيما أرجع أمير دولة قطر سبب الأزمة الحالية الى "القصور في التنمية والتردد في مقاربتها". وبالنظر إلى كل ما قيل حول الأزمة بخصوص أعراضها وأسبابها فإنه حان الوقت لتجاوز هذه المرحلة والشروع في عمل جدي وتحديدا من قبل البلدان المصنعة التي تقدم نفسها كقاطرة للاقتصاد العالمي وتدعي لنفسها دورا في المساعدة على التنمية ببلدان الجنوب إذا أصبحت معنية بإصلاح النظام المالي العالمي وتشريك البلدان النامية في صياغة نظام جديد سمته تشريك الجميع والأخذ بعين الاعتبار أوضاع بلدان مازالت تحاول الخروج من أوضاع متخلفة مقارنة بما يتحقق في البلدان المتقدمة. ولا يجب إغفال أن ما ينجز لفائدة شعوب تلك البلدان المتقدمة هو في جانب منه نتيجة سياسات تغلب عليها الأنانية والرغبة في التهميش بتعلات مختلفة وإرادة الهيمنة على مصائر الشعوب وعلى ثرواتها، وبالتالي فإن قدر جميع البلدان هو التعاون والتشارك في المصالح بدل خيار المصادمة ونهب الثروات والخيرات. ولقد أظهرت العقود القليلة الماضية أنه حتى بانهيار الاتحاد السوفياتي وفشل الأنظمة الشيوعية وتوخي معظم بلدان العالم نظام اقتصاد السوق الحر فإن الغلو في هذا الاختيار أفقد الليبيرالية جانبها الإنساني الذي لا مفر منه وإلا تحولت بدورها إلى آلة تسحق الفرد بدل أن تسعده مثلما كان شأن الشيوعية التي طحنت الشعوب وقتلت فيهم حب المبادرة وطمست شخصية الأفراد. ولهذا لا بد من تعديلات سواء فيما يتعلق بالأسواق المالية عبر تعزيز دور الدولة في المراقبة والحيلولة دون وقوع تجاوزات وعبر إصلاح النظام الاقتصادي العالمي بتخليصه من عدة سلبيات يمكن تلخيصها في الأنانية وفتح صفحة جديدة في التعاون والتضامن الدوليين.