ربما اعتقد الكثيرون ان انتهاكات الجنود الامريكيين في العراق ارتبطت بمسلسل فضائح ابوغريب وان ذلك لم يكن إلا فصلا منزويا من فصول الحرب الامريكية على العراق ولكن الحقيقة غير ذلك فمسلسل الانتهاكات مستمر في العراق بشهادة واعترافات الجنود الامريكيين انفسهم الذين تحدثت السنتهم بما اقترفت وتقترف ايديهم من انتهاكات في بلاد الرافدين والامر هنا لا يتعلق بقراءات عاطفية او تحاليل او استنتاجات للاحداث الدموية في العراق فقد نشرت صحيفة الاندبندنت البريطانية ولاول مرة شهادات لاكثر من خمسين جنديا امريكيا عملوا في العراق وشاهدوا او شاركوا في انتهاكات مروعة لحقوق الانسان ولجرائم قتل استهدفت نساء ورجالا واطفالا دون ادنى مبرر بل ان الجنود الامريكيين كانوا يعمدون في كثير من الاحيان الى وضع انواع معينة من الاسلحة الى جانب جثث العراقيين بما يشير الى انهم من المسلحين اما ما يقوم به هؤلاء الجنود من عمليات دهم ليلي لبيوت العراقيين فتلك حكاية اخرى مع الانتهاكات المسجلة التي تجعل البيت وكانه تعرض لتوه الى اعصار مدمر... اعترافات الجنود الامريكيين التي من المتوقع ان تثير مجددا الراي العام الامريكي وتضيف المزيد من الاحراجات الى الادارة الامريكية الغارقة في اوحال انعكاسات الحرب على العراق تصدرت الصفحة الاولى لصحيفة الاندبندت البريطانية وقد وردت تحت عنوان لا يخلو من الايحاءات والاشارات حول نظرة الجنود الامريكيين الى هذه الحرب وما تخللها حتى الان من مجازر كمجزرة حديثة قبل سنتين والتي يقول القناص غاريت ريبنهاغن من الوحدة 263 عنها "ان الامر لا يتعلق بانتهاكات فردية فالحرب كلها انتهاكات". وقد لا يكون في شهادة العريف دوروتي كيلي من حرس كولورادو سوى عينة مقرفة لتلك الانتهاكات حيث تنقل حكاية الطريقة غير المسؤولة للقوافل العسكرية على الطريق حين تسببت في مقتل طفل في العاشرة كان يقود ثلاثة احمرة ولم تكلف القافلة نفسها عناء التوقف لان شعارها المعتمد الا تتوقف ابدا ولاتخفض من السرعة في مثل تلك الحالات اما اسوا الانتهاكات التي نقلها الجنود فتتعلق بمداهمة البيوت عندما يكون الجنود في ملاحقة عناصر المقاومة حيث يكشفون ان اغلبها كانت دوما تنتهي على مزيد من الجثث وتؤول الى مزيد من التعاطف والتاييد لرجال المقاومة وقد كان العريف جون برونز اكثر دقة في اعترافاته بشان تلك المداهمات ويقول في وصف لتلك العمليات انك تريد مباغتتهم ومداهمتهم خلال النوم واول من تبدا به رجل البيت فتدفع به نحو الحائط تحت انظار زوجته ثم تنتقل الى احدى الغرف وتعبث بمحتوياتها ثم تساله ان كان لديه سلاح وسيجيبك بالنفي وفي الغالب فهو صادق ولكنك ستعمد الى فتح كل الخزائن والقاء الملابس على الارض واذا لم يعثر الجندي على أي شيئ فقد يغادر وهو يتمتم بعبارة اسف وتلك اجمل نهاية يمكن تسجيلها . وتنقل العريف دوغرتي من جانبها كيف اقدم قائدها على توجيه رصاصة الى عراقي في ظهره وكان ذلك سنة 2003 حيث تكشف ان عقلية قائدها كانت السائدة وان لديهم جميعا اعتقاد بان كل عراقي ارهابي محتمل والكل يردد "علينا قتله هنا حتى لا نضطر لقتله في كولورادو"... ومع ان الكثير من هؤلاء الجنود العائدين الى الولاياتالمتحدة قد انضموا الى اصوات المعارضين للحرب على العراق فان ذلك لم يمنعهم من كشف ما اقترفوه هناك بدافع الخوف في احيان كثيرة بما يكشف عن قوات تندفع الى العنف والجرائم بدم بارد وقد كشف عدد من هؤلاء كيف يعمدون الى اتهام ابرياء بالتمرد وهو الامر الذي غالبا ما يحدث بعد تورط القوات الامريكية في استهداف مدنيين عراقيين ويقول التائبون منهم ان الجنود الامريكيين كانوا يقدمون في كل مرة على محاصرة الناجين منهم واتهامهم بالعمل في صلب المقاومة واكثر من ذلك فقد كان الجنود يعمدون الى وضع رشاشات الكلاشنكوف من طراز "اي كيو 47" الى جانب جثث ضحاياهم للايهام بانهم قتلوا في مواجهات مسلحة معهم وكان لا بد في كل مرة من وضع هذا النوع من الرشاش باعتباره الاكثر انتشارا بين العراقيين، ويكشف جو هاتشرمن الوحدة الرابعة ان الجيش الامريكي كان يعمد كذلك الى وضع اسلحة من عيار تسع مليمترات للايعاز بان المدنيين قتلوا خلال عمليات الحفر لزرع عبوات ناسفة على الطرقات قبل ان يضيف عن مهمته طوال سنة بين تكريت وسامراء ان كل جندي جيد كان يحمل معه عددا من تلك الاسلحة وان الاحياء الذين يتم القبض عليهم كانوا يرسلون الى التحقيق.. سلسلة الاعترافات الفظيعة لا تتوقف عند هذا الحد فالامر لا يخلو من التهكم والاستخفاف بالمشاعر وبانسانية البشر لا سيما عندما يخطئ الجنود في تحديد البيت الذي يقصدونه فلا يرون في ذلك ما يمكن ان يثير ادنى انزعاج يروي العقيد باتريك كامبل مشهد طفل في الرابعة عشرة يحمل رشاشا اعتقد الجنود انه سيصوبه الى قافلتهم فاطلقوا جميعا رصاصهم نحوه حتى تحول الى اشلاء وقد كان ذلك في نوفمبر 2004 ويضيف ان مجرد نظرة من جانب أي عراقي قد تبدو غريبة بالنسبة للجندي الامريكي من شانها ان تجعله يدعي ان حياته في خطر اما جاف انغلهارت من الوحدة الثالثة فقد تعلم في العراق ان الموقف العام ان موت أي عراقي يعد فقط موت عراقي اخر ولاشيئ غيره ولايتردد زميله في نقل صورة اخرى يصعب على العقل البشري تقبلها حيث يقف جندي امريكي للاتقاط صورة للذكرى امام جثة احد المساجين الذين سقطوا برصاصة في الراس فيعمد الى فتح الكيس الذي يحوي الجثة ويحاول استخراج جزء من مخ الضحية بواسطة ملعقة ثم يقف مبتسما امام الكاميرا فيما يعترف جوش ميدلتون بان الكثير من الجنود الامريكيين كانوا يعتقدون بان كل من كانت جلدته داكنة ولايتحدث الانجليزية فهو اقل انسانية ويمكن ان نصنع به ما نشاء تلك اذن عينة من شهادات واعترافات الجنود الامريكيين العائدين الى امريكا عن تجربتهم في العراق وما ساهموا في تقديمه الى هذا البلد لدعم الحرية والديمقراطية المزيفة تحت راية العلم الامريكي وهي ليست سوى عينة اخرى تضاف الى فضائح ابو غريب التي اهتز لها العالم قبل ان يطويها النسيان في انتظار اعادة فتح ملفات الحسابات الكثيرة عن احدى اسوا حروب العصر واكثرها دموية وظلما واعتداء على الشرعية الدولية والقوانين الانسانية طبعا سيكون من الغباء ان يتوقع أي كان ان تساعد مثل هذه الاعترافات على تغيير الواقع العراقي او تسارع بوضع حد لهذه الانتهاكات...