قد يكون عددهم مائة وستين الفا وربما كان عددهم اقل من ذلك او اكثر باحتساب المرتزقة او غيرهم من القوات المستخدمة في العراق لحراسة رواد المنطقة الخضراء في بغداد او لحماية المنشات النفطية ولكن لكل منهم رقم ولكل منهم حكاية بعضها وجد طريقه الى النشر وبعضها لم تكشف اطواره بعد ومع ذلك فان مع كل حكاية من حكايات الجنود الامريكيين في العراق تجد طريقها الى النشرالا وتزيح الستارعن المزيد من الحقائق والملابسات الخفية والمعلنة المرتبطة بالوجود الامريكي في العراق في عامه السادس... ولكن الواقع ان ليست كل الحكايات كما تريدها واشنطن ان تكون وليست كل الحكايات ايضا استنساخا لخطابات الرئيس الامريكي عن النصر المبكر الذي تحقق لقواته في العراق ولا عن هزيمة القاعدة المؤكدة هناك ولا عن نجاح خطة نشر الديموقراطية او اعادة التجربة الالمانية واليابانية في بلاد الرافدين، بل لعل فيما تنقله الصحف الامريكية من اعترافات للجنود الامريكيين حول مهمتهم في العراق ما يمكن ان يؤشر الى حجم الحمل الذي ينتظر الادارة الامريكيةالجديدة بعد موسم الانتخابات المقبلة والخطر الذي ستواجهه من داخل قواتها في العراق وهو خطر يضاف الى المخاطر الكثيرة المرتبطة بالمستنقع العراقي... و مع ان حصيلة الجنود الذين قتلوا في العراق على مدى السنوات الماضية بالكاد تتجاوز الاربعة الاف وهي حصيلة تكاد لا تقارن امام حصيلة حرب فيتنام التي تجاوزت الخمسين الفا فان الازمة الحاصلة في صفوف القوات الامريكية في العراق من شانها ان تجعل البنتاغون ومعه اعضاء الكونغرس امام احد الاختبارات العسيرة لتي لا مجال لتهميشها او الانصراف عنها وستبقى في كل الاحوال وايا كان شكل الادارة المرتقبة بمثابة ناقوس الخطر الذي يرفض التوقف عن ارسال التحذيرات... الجندي برايان راند كان احد هؤلاء الجنود الذين ارهقتهم الحرب في العراق ودفعتهم الى الانتحار بعد ان انسدت كل المنافذ امامهم ذلك ان حكاية هذا الجندي الذي كان في السادسة والعشرين من العمر عندما رفع نفس المسدس الذي كان يستعمله لقتل العراقيين ليضع حدا لحياته قبل ايام فقط على استقبال مولوده الاول مشابهة لحكايات عديدة عاشها جنود امريكيون خلال تواجدهم في العراق او بعد انتهاء مهامهم وحكاية براين التي نشرها شقيقه على اعمدة صحيفة واشنطن بوست انما تسجل اطوارحرب ظالمة كان ولايزال الاعتقاد راسخا لدى الكثيرين بانها حرب اهواء وجدت في طموحات واطماع صقور البيت الابيض ما جعلها تتحول لدى الراي العام الامريكي الى مشروع انقاذ انساني سرعان ما تحول الى كارثة بلا حدود.. حكاية برايان بكل بساطة حكاية ترددت في اكثر من مناسبة جندي امريكي يعود من الخدمة في العراق في حالة نفسية يرثى لها بعد ان اصبح ينام ويصحو على شبح ضحية من ضحاياه في العراق وهو يلاحقه في كل مكان الليل كما في ساعات النهار سواء كان نائما او صاحيا... برايان بات يعتقد ان الوجه الذي يطارده حقيقة فلم يتحمل الامر وزاد الامر تعقيدا عندما تلقى دعوة بالعودة الى الخدمة في العراق لم يكن بامكانه ان يرفض عاد وهناك وجه سلاحه الى احد رفاقه ليقتله قبل ان يعود الى بلاده ويختار بدوره وضع حد لحياته بعد ان ادرك انه لن يستطيع التخلص من الشبح العراقي الذي سيطر على ذاكرته ودفعه الى نهايته حكايات تثير الشفقة ما في ذلك شك ازاء شريحة واسعة من الجيش الاقوى في العالم الذي تحطمت صورته على شواطئ دجلة والفرات وانهارت مصداقيته خلف اسوارسجون غوانتانامو وابوغريب وما دونته ممارسات جنوده الفظيعة التي تخجل الاقلام من نقلها من انتهاكات لابسط قواعد حقوق الانسان ... ولاشك ان تقرير البنتاغون بشان تفاقم ظاهرة انتحار الجنود العائدين من العراق وافغانستان بعد ان تجاوزت محاولات الانتحار الالف محاولة شهريا في صفوف هؤلاء لم يكن من فراغ بل هو مؤشر على احد الفصول المثيرة في الغزو الامريكي للعراق وهو من الفصول التي تعيد الى السطح جانبا مهما من الجوانب الكثيرة المنسية في عملية الغزو لتعكس حقيقة طالما تجاهلها صناع الحرب ومخططوها ممن لم يدركوا عدم قناعة جانب لا يستهان به من القوات التي ارسلت الى العراق بجدوى الحرب او باهدافها او كذلك بدوافعها لا سيما بعد ان انكشفت حقيقةالمزاعم بشان اسلحة الدمار الشامل وخطرها الوشيك على الامن والسلم في العالم التي ارتكزت عليها ادارة الرئيس بوش لتبرير قرار الحرب ...لقد بات العراق ارضا خصبة لحكايات تنقل كل يوم بل وكل ساعة عن احداث لم تعد تتصدر اهتمامات العالم بعد ان طغت اخبار الاسعار المرتفعة للنفط واخبار ازمة الغذاء في العالم وثورة الخبز في اكثر من مكان في العالم على الاحداث الامنية المتكررة في هذا البلد ولعل حكاية العجوز العراقية التي تناقلت بعض وكالات الانباء امرها وهي التي شوهدت تعلق منشورات بتقديم مائة الف دينار لمن ينتقم لمقتل ابنها الوحيد امام انظارها مخلفا سبعة ايتام اخرهم لم ير النور بعد على يد جندي امريكي ما يمكن ان يلخص بعضا من ماساة العراقيين مع الاحتلال اما حكاية ليلى حسين الام التي شهدت مقتل ابنتها ذات السبعة عشر ربيعا على يد والدها بعد ان اكتشف علاقتها بجندي بريطاني فذلك وجه اخر للماساة التي لم تبح بكل اطوارها حتى الان ليلى التي رفضت استمرار العيش الى جانب الرجل الذي قتل طفلتها قتلت على يد مسلح وهي تحاول الهروب الى بلد مجاور... الحكايات الواردة من العراق باتت غارقة في الدماء وجروح اصحابها عميقة والنزيف قد لا يتوقف قريبا والذين ارسلوا برايان وغيره من جنود الاحتلال الى العراق لم يستفيدوا من التجارب الحاصلة والكوارث المتفاقمة ولم يقرروا اعادة مراجعة حساباتهم ولم يعلقوا مخططاتهم بعد ما يعني ان ضحايا برايان وامثاله ستتواصل وان مطالب العائلات العراقية بالقصاص والرغبة في الانتقام بدورها ستظل قائمة ايا كان ثمنها وان جرائم الشرف بدورها لن تختفي ...