بعد الزيارة التي أداها مؤخرا إيهود أولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى تركيا وتصريحات الرئيس السوري بشّار الأسد عن احتمال دخول بلاده في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل على أساس قرارات مجلس الأمن الدولي بدأت التكهّنات بخصوص آفاق التفاوض على هذا المسار الذي ظلّ نسبيّا متأخّرا بالمقارنة مع المسار الفلسطيني الإسرائيلي. فمنذ مؤتمر مدريد للسلام لم تظهر طوال الفترة - التي وصلت فيها المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية السرية والعلنية أوجها - أيّة بوادر تنبئ بتحقيق تسوية تمكّن سوريا من استرجاع مرتفعات الجولان المحتلّة عام 1967 والتي ضمّتها إسرائيل عام 1981. ولكن خلال السنوات القليلة الماضية بدأت تُفتح قنوات حوار غير رسمية مع سوريا بواسطة رجل أعمال أمريكي سوري ثم ألقت تركيا بثقلها لتحاول لعب دور الوسيط بين دمشق وتل أبيب وهو ما جعل رئيس الوزراء التركي أردوغان يأمل في إحراز تقدّم في مسار تفاوضي ظل مفتقرا في السابق إلى طرف يطمئن إليه الجانبان وتحديدا السّوري وكان يفترض أن يقوم الاتحاد الأوروبي بهذا الدّور إلاّ أنّ انحياز سياسته إلى جانب الولاياتالمتحدة فيما يتعلق بأزمة الشرق الأوسط ووقوفه إلى جانب إسرائيل حال دون ذلك. ويبدو اليوم أنّ تصريح بشّار الأسد جاء ليؤكّد الجانب البراغماتي الذي أصبح يطبع السياسة السورية سواء فيما يخصّ الملف اللبناني أو فيما يتعلّق باستعادة الجولان خصوصا أنّ سوريا منذ 1967 فضلت حالة اللاحرب واللاسلم على أن تدخل في مفاوضات تنعدم فيها موازين القوى وتخضع لتأثيرات أمريكية ثمّ تفقد جدواها مثلما كان الشأن بالنسبة للمسار الفلسطيني الإسرائيلي. ومن الطبيعي أن تسعى سوريا لاستعادة أرضها بعد إغلاقها ملف التدخّل في لبنان وإعادة الاعتبار لدورها الإقليمي من قبل فرنسا ومن ورائها الاتحاد الأوروبي بل أنّ المراقبين يعولون عليها لكي تكون أحد المؤثرين والمقنعين لإيران بخصوص برنامجها النووي وانعكاساته الإقليمية والدولية. وفي مقابل هذا الانفتاح السوري وانتخاب رئيس أمريكي جديد يعوّل على بعض التحوّل في سياسته بخصوص سوريا تبقى المعظلة الكبرى في إسرائيل حيث أنّ الحكومة المقبلة سواء كانت ليكودية بزعامة ناتنياهو أو ائتلافية بزعامة ليفني ستبقى حجر عثرة أمام محاولات تنشيط المسار السوري الإسرائيلي اما بسبب التطرّف أو عدم توفّر الشجاعة لاتخاذ قرارات هامة مثل قبول ترتيبات للانسحاب من الجولان. ... فهل جاء التحرّك السّوري متأخّرا أم أنّه في هذه المرة سيسبق الأحداث؟