تونس الصباح: نظمت مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات صباح أمس منتدى الذاكرة الوطنية وتحدث خلاله السيد التيجاني الكتاري عن مسيرته في الحركة الكشفية وعن حياته العسكرية في المشرق العربي خلال الفترة الاستعمارية.. وقال إنه سيتحدث في لقاء آخر عن فترة ما بعد الاستقلال وعن نشأة الحرس الوطني.. وعن هذا المناضل يقول المؤرخ عبد الجليل التميمي إن مسيرة السيد التيجاني الكتاري كانت حافلة بالعطاء منذ انخراطه في الحركة الكشفية في الأربعينات ثم اتجاهه سنة 1946 إلى المشرق العربي والتحاقه بالمدارس العسكرية السورية وتخرجه منها وقد مكنه هذا التكوين الكشفي والعسكري من القيام بالعديد من الأعمال الهامة قبل الاستقلال وبعده ومن أبرزها بعث وتنظيم الحرس الوطني كما شارك في المفاوضات مع الطرف الفرنسي لتسلم مراكز الجندرمة في أواخر سنة 1956 كما شارك في بعثة مشتركة من الحرس والوطني والجيش والشرطة والديوانة لمعاينة الحدود الجنوبية التونسية مع ليبيا ثم مع الجزائر. ويضيف التميمي "لقد مكنه موقعه هذا من المشاركة في معركة رمادة بأقصى الجنوب التونسي وفي تنظيم عبور الأسلحة الموجهة إلى الثورة الجزائرية من بن قردان إلى الحدود الجزائرية ولكن انتهى مساره بعد أن وجهت إليه تهما باطلة أحيل بموجبها على المحاكمة وتم سجنه وهو بعد صمت دام نصف قرن قرر أن التحدث بما تختزنه ذاكرته من معلومات أساسية". ونظرا لأهمية الشهادة التي أدلى بها السيد التيجاني الكتاري والتي واكبها عدد هام من المناضلين والكشفيين والمؤرخين تتولى الصباح موافاتكم بملخص لها تطالعون الجزء الأول منه في هذه الحلقة ونوافيكم بالحلقة الثانية والأخيرة في عدد يوم الثلاثاء القادم. قال السيد التيجاني الكتاري في شهادته: "لست مؤرخا ولا باحثا وإنما شاهدا على فترة تاريخية معينة.. وأرى أن الحديث عن الحرس الوطني ونشأته يجب أن يسبقه الحديث عن أحداث جدت منذ الأربعينات. وكانت الفترة الفاصلة بين 1941 و1944 فترة فاصلة بين عصرين.. فمنذ الحرب العالمية الثانية تغيرت العقليات في تونس وتبدلت سلوكات الشباب التونسي ويعود ذلك إلى مشاهدتهم لعبور آلاف الجنود من مختلف الجنسيات وكان كلهم يلهث وراء الحرية ولكن أين هي الحرية في تونس في ذلك العصر؟ فعندما طرحوا على أنفسهم هذا السؤال تألموا كثيرا. فقد تألم الشباب التونسي من الاستعمار ومن ظلمه واستبداده ورأى أن الخلاص لا يكون إلا من خلال الحد من الحصار الذي ضربه المستعمر على تونس.. ولعل هذا الحصار قد تجلى في جواز السفر التونسي المعمول به في ذلك الوقت فقد كان يحتوي على عبارة "هذا الجواز صالح للسفر إلى فرنسا فقط". وذكر أنه خلال شهر أكتوبر 1945 وتحديدا بمناسبة انعقاد المؤتمر العالمي للشباب بلندن ألقى القائد العام السابق للكشاف المسلم التونسي وهو عز الدين عزوز خطابا ندد فيه بسياسة المستعمر الفرنسي وبالحصار المضروب على التونسيين وطالب بمنح تونس استقلالها.. وكان خطابه إشارة إلى جميع الكشافين للسير في الاتجاه النضالي.. وكانت القرارات التي تم التوصل إليها في الكشافة في اتجاهات ثلاثة.. ففي ما يتعلق بالاتجاه الأول فيذكر أنه بالإضافة إلى الأقسام المعمول بها في الكشافة وقتها تم إحداث قسم للتجوال الأعلى وهو يضم قادة وجوالة من الجمعية يتكونون ويتدربون ويقومون بأعمال نضالية سرية وفي مقدمتها إصدار وتوزيع مجلة سرية تطبع في ألف نسخة وتوزع في يوم واحد في كامل أرجاء البلاد وهي "جريدة الكفاح" وقد أصدرت 11 عددا وكانت في البداية تطبع في صفاقس في محل رجل يدعى توفيق السلامي وكان يسهر على طباعتها أعضاء في الحركة الكشفية بصفاقس مثل عبد المجيد شاكر ومحمد الزغل والحبيب الجديدي وقد توفي هذا الأخير وهو في عنفوان الشباب ولم يتجاوز سنه 18 عاما وكان قائدا ملما بالحركة الكشفية ونشاطاتها وأعمالها. أما الاتجاه الثاني فيتمثل في إرسال شباب كشفي إلى الشرق لتلقي تكوين عسكري عال.. وبالنسبة إلى الاتجاه الثالث فهو يتمثل في توسيع رقعة نشاط الكشاف المسلم التونسي ليشمل كافة أرجاء البلاد وسمي هذا العمل بقسم الانتشار وكانت الكشافة في بداية الأمر مقتصرة على شبان المدن لكن تم التفكير في توسيع النشاط الكشفي وتعميمه وكان المسؤول على هذا القسم توفيق السلامي وقد كان هذا الأخير يجوب المدن والقرى من شمال البلاد إلى جنوبها لتركيز وحدات كشفية جديدة. وكان يشرف على تنفيذ هذه الأفكار الجديدة التي سرت في الكشافة المنجي بالي الذي توفي عام 1948 ولم يبلغ الثلاثين بعد من عمره.. ويذكر أنه بعد خروج عز الدين عزوز أصبح بالي القائد العام للكشاف المسلم وكان يلازمه على الدوام توفيق السلامي وكانا صديقين حميمين. البعثات العسكرية عن البعثات الكشفية التي سافرت إلى الشرق قال انه كان من بين عناصر البعثة الأولى وقد سافر معه أحمد الفوراتي وعبد الحفيظ عياد وبين أنهم غادروا صفاقس في جوان 1946 على متن الحافلة العادية الرابطة بين صفاقس وبن قردان.. ومن الأشياء التي رتبها عبد الحفيظ عياد لهذه السفرة هو النزول قبل بلوغ محطة سوق بن قردان وذلك لأن المراقبة كانت على أشدها هناك.. وبعد النزول من الحافلة توجهوا إلى أحد الأصدقاء وقضوا معه بعض الوقت ثم تمكنوا بعد ذلك من عبور الحدود التونسية الليبية وقد مروا من المراقبة التونسية بسلام ولكن المراقبة الليبية تفطنت إلى أمرهم فتمت محاكمتهم وكان في حوزتهم مبلغا ماليا قدره 14 ألف فرنك ونظرا لأن التيجاني الكتاري كان هو المسؤول على البعثة فقد كان المال مسجلا باسمه وتمت محاكمة أحمد الفوراتي وعبد الحفيظ عياد بتهمة تجاوز الحدود خلسة وتمت محاكمته هو بتهمة تجاوز الحدود خلسة مع حمل العملة.. وقال الكتاري "عندما سئلت عن سبب دخولي ليبيا قلت إننا في تونس نعاني من الحصار ولا نستطيع أن ندرس وقد أتينا إلى ليبيا لنتعلم العربية وبعد الاستماع إلينا تم تمكيننا من شهادة إقامة في ليبيا لكنهم حجزوا المال وتمت دعوتنا إلى الذهاب إلى زليطن وتحديدا إلى زاوية سيدي عبد السلام فاتصلنا بشيخ الزاوية الذي أكرم ضيافتنا ومكننا من إلقاء دروس على رواد الزاوية ولكن لم يكن مقامنا هناك طويلا فبعد مدة وجيزة قررنا السفر إلى بنغازي وفي الطريق تفطن أحد المسافرين إلى أننا لسنا ليبيين فتجاذب معنا أطراف الحديث وفهمنا من كلامه أنه هو الذي سهل عبور بورقيبة إلى القاهرة ويدعى هذا الرجل الهادي المغيربي ومن محاسن الصدف أنه ساعدنا نحن أيضا على عبور الحدود الليبية المصرية ودخلنا الاسكندرية في شهر أوت 1946 وهناك كان لنا أقارب من عائلتي كمون والطرابلسي فاتصلنا بهم ثم سافرنا بعدها إلى القاهرة. سعيدة بوهلال