تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«هذا ما تقوله اتفاقيات جينيف والقانون الإنساني الدولي بشأن ما يحدث في غزة»
الأستاذ الجامعي الدكتور توفيق بوعشبة الخبير في الشؤون الدولية والقانون الدولي والمحامي لدى التعقيب في حديث خاص:
نشر في الصباح يوم 14 - 01 - 2009

«إجراء تجارب للسلاح على المدنيين يشكل جريمة ضد الانسانية»
«لهذه الأسباب فإن قرار مجلس الأمن 1860 ولد ميّتا...»
«مطلوب إقامة محكمة جنائية دولية تخصص لمحاكمة المجرمين الإسرائيليين»
واصلت اسرائيل وعلى مدى الايام الماضية ارتكاب جرائمها المفضوحة في قطاع غزة مصرة بذلك على تجاهل كل الاصوات والنداءات السياسية والقانونية والحقوقية المستنكرة لنسق الفظاعات التي تستهدف ابناء الشعب الفلسطيني في غزة والتي ترقى في نظر عديد المنظمات الانسانية والحقوقية
الدولية الى مستوى جرائم الحرب وادانة الجرائم ضد القانون الدولي الانساني وقد جاءت ادانة مجلس حقوق الانسان الاممي للانتهاكات الاسرائيلية لتثير المزيد من نقاط الاستفهام حول اتفاقية جنيف الرابعة وتبرز الى السطح المزيد من التساؤلات لا حول موقف القانون الانساني الدولي مما يحدث في غزة فحسب، ولكن حول جدواه في وقف جرائم الحرب ومحاكمة مرتكبيها.. فهل من مجال اليوم الى تنفيذ دعوة مجلس حقوق الانسان للتحقيق في الجرائم الاسرائيلية في غزة؟ وكيف يمكن تفسير عدم التزام اسرائيل بتطبيق قرار وقف اطلاق النار الصادر عن مجلس الامن الدولي؟ وما هي الثغرات التي تجعل هذا القرار غير ملزم بالنسبة لدولة الاحتلال؟ واين تتنزل اتفاقيات جنيف المتعلقة بحماية حقوق الانسان ازاء التطورات الخطيرة المتسارعة في غزة؟ وهل من مجال للمضي قدما في المطالبة بمحاكمة المسؤولين الاسرائيليين؟ وهل تشكل اتهامات الاونروا والصليب الاحمر شهادة كافية لاثبات التهم على المسؤولين الاسرائيليين؟ واذا كانت جرائم الحرب لا تسقط بالتقادم فهل من مجال اليوم لملاحقة مسؤولين سابقين ممن ارتكبوا انتهاكات حاصلة في فلسطين؟
هذه التساؤلات وغيرها طرحناها على الاستاذ الدكتور توفيق بوعشبة الاستاذ الجامعي والخبير في الشؤون الدولية والقانون الدولي والمحامي لدى التعقيب في محاولة لاستقراء الجانب القانوني لاحدى القضايا الاكثر تعقيدا المرتبطة بالقضية الفلسطينية التي لم تخل منذ نشأة الكيان الاسرائيلي من انتهاكات صارخة لابسط قواعد حقوق الانسان من جانب مختلف الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة...
* قبل أيام فقط أدان مجلس حقوق لانسان التابع للامم المتحدة انتهاكات اسرائيل لحقوق الانسان في غزة وطالب بدعوة من الدول العربية والافريقية والاسيوية بتكليف بعثة دولية للتحقيق فيما وقع في قطاع غزة.. فهل من مجال لتلك البعثة للقيام بدورها لا سيما بعد ان سارعت اسرائيل باعلان رفضها لهذه الخطوة؟
يصعب ذلك خاصة ان اسرائيل سارعت كعادتها في مثل هذه الحالات الى اعلان رفضها لما اعتمده مجلس حقوق الانسان باغلبية اعضائه.. وعلى الرغم من الموقف السلبي لعدد من الدول الغربية المنحازة لاسرائيل.. لا ننسى انه بعد واقعة جنين في فترة الانتفاضة الثانية حيث قام الجيش الاسرائيلي بقتل عدد كبير من المدنيين، قرر الامين العام للامم المتحدة انذاك السيد كوفي انان ارسال لجنة لتقصي الحقائق فما كان من اسرائيل الا ان رفضتها متعللة في البداية بان احد اعضائها وهو السيد سوماروغا الرئيس الاسبق للجنة الدولية للصليب الاحمر منحاز للفلسطينيين حسب ادعاء الحكومة الاسرائيلية. ثم اعلنت الحكومة الاسرائيلية انها سوف لا تسمح لتلك اللجنة حتى ولو ادخل تعديل على تركيبتها بالمجيء الى جنين.. فما كان للامين العام للامم المتحدة الا ان قرر وبصورة غريبة حل لجنة تقصي الحقائق التي احدثها بشان المذبحة التي حصلت في جنين. ومع اعتقادي بان اسرائيل سوف لا تسمح للبعثة التي قررها مجلس حقوق الانسان بالانتقال الى قطاع غزة لاجراء التحقيق المطلوب فيها ما لم تحصل معجزة في هذا الشان، فان ما اعتمده مجلس حقوق الانسان يوم الاثين الماضي ضد اسرائيل انما يكتسي اهمية بالغة وهو في حد ذاته ادانة لاسرائيل من هيئة اممية متخصصة في مجال حقوق الانسان ومدى التزام الدول باحترامها.. ولو كان هناك مجلس للقانون الدولي الانساني في نطاق الامم المتحدة لكانت الادانة اقوى واشد نظرا لفظاعة الجرائم المرتكبة من قبل اسرائيل وهي جرائم ارتكبت على اساس منهجي ومعمم تطبيقا لسياسة اجرامية وارهابية للحكومة الاسرائيلية المتنكرة منذ قيامها لميثاق الامم المتحدة وللميثاق العالمي لحقوق الانسان ولمعاهدات القانون الدولي الانساني والمتمردة بصورة خاصة على القانون الدولي.
* كيف يمكن لاسرائيل ان تكون عضوا بمنظمة الامم المتحدة وان تتعامل بتلك الصورة ازاء ميثاق الامم المتحدة وازاء القانون الدولي؟
تساؤل يطرحه الكثيرون في مختلف انحاء العالم وهم يشاهدون ما تفعله اسرائيل وعندما يسجلون ممارساتها المنافية لميثاق الامم المتحدة والمخالفة بصورة صارخة وفظيعة ولا انسانية للقانون الدولي وللقيم التي يجمع عليها البشر في هذا العالم. لقد تعهدت اسرائيل اثر تاسيسها عام 1948 ولما سارعت الى طلب عضوية الامم المتحدة بان تكون دولة محبة للسلام وتفي بالالتزامات التي يتضمنها ميثاق الامم المتحدة.. أي ان تكون محترمة للقانون الدولي وعلى ذلك الاساس من الناحية القانونية على الاقل تقرر قبول اسرائيل كدولة عضو بالامم المتحدة. ولكن ما حصل منذ ذلك الحين والى اليوم ان اسرائيل تعمدت سلوكا منافيا لميثاق الامم المتحدة سواء من حيث عدم اعتبارها فيما يخص حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وفي الاستقلال والسيادة وهو حق مكرس بميثاق الامم المتحدة او من حيث تصديها لقيام الدولة الفلسطينية او من حيث عدم تطبيقها لمقتضيات الشرعية الدولية كما هو شان قرار مجلس الامن 242 حول الانسحاب من الاراضي المحتلة في جوان 67 او من حيث انتهاكاتها الصارخة لحقوق الانسان في الاراضي المحتلة او من حيث ارتكاب مختلف الجرائم الدولية. ومع كل ذلك فقد ظهرت الامم المتحدة عاجزة عن اتخاذ موقف من الممكن ان يطال عضوية اسرائيل ذاتها بهذه المنظمة الدولية العالمية.
واذا كانت اسرائيل ومنذ قيامها قد امعنت في انتهاك مبادئ ميثاق الامم المتحدة فانها الى اليوم لم يقع اخضاعها الى ما تنص عليه المادة السادسة من الميثاق والتي ورد فيها انه اذا امعن عضومن الامم المتحدة في انتهاك مبادئ الميثاق جاز للجمعية العامة ان تفصلها من الهيئة بناء على توصية من مجلس الامن بشرط ان تتخذ باغلبية تسعة اصوات ايجابية للدول الخمس الدائمة العضوية. والمشكلة انه كلما كان الامر او القول الفصل بيد مجلس الامن مع امكانية استخدام حق النقض أي الفيتو كلما كان الفصل غير ممكن التطبيق ازاء اسرائيل. ولكن اذا توصلت الجمعية العامة للامم المتحدة الى اعتماد توصية بطرد اسرائيل من الامم المتحدة فان مجرد اصدار مثل تلك التوصية سيكون له وقع كبير وتاثير على اسرائيل وعلى من يحميها وقد يجعل هؤلاء يولون اهتماما اكبر بضرورة احترام القانون الدولي والاخذ بالقيم الانسانية بصورة صادقة وحقيقية وليس بصورة يغلب عليها النفاق وتحمل في اعماقها رواسب الاستعمار والعنصرية.
* كيف يمكن تفسير عدم التزام اسرائيل بتطبيق قرار وقف اطلاق النار في غزة وما هي الثغرات التي تجعل هذا القرار غير ملزم بالنسبة لاسرائيل وما الذي يمكن ان يعنيه اللجوء في مرحلة قادمة الى الجمعية العامة للامم المتحدة؟
لقد كان متوقعا منذ اصدار مجلس الامن قراره رقم 1860 يوم الخميس 8 جانفي الا تلتزم به اسرائيل ويمكن القول ان ذلك القرار ولد ميتا. وما كان لذلك القرار ان يعتمد اصلا من قبل مجلس الامن لو كان يتضمن مضايقة حقيقية لاسرائيل او كان من شانه ان يضع التزامات فعلية على عاتق اسرائيل التي تدرك ذلك جيدا والقرار تم اتخاذه في الواقع بموافقتها من خلال التشاور الذي كان قائما بينها وبين الادارة الامريكية لحظة بلحظة لما كان مجلس الامن منعقدا والى اللحظة الاخيرة حيث اصدر الرئيس بوش تعليماته الى وزيرة الخارجية الامريكية بعدم استخدام الفيتو ازاء مشروع القرار بالصيغة التي تم التوصل اليها والاكتفاء بالامتناع عن التصويت وهنا لا بد من الملاحظة ان صياغة القرار ذاتها تفسح المجال لاسرائيل كي تستعمل ما طاب لها من التاويلات ومن الحيل لافراغه من مضمونه وعدم تنفيذه. وبالاضافة الى كل ذلك فان الحكومة الاسرائيلية اعطت اجابة سياسية متطرفة للقرار حيث اعلنت انها تطبق ما يخدم مصلحة اسرائيل ولا ما قرره مجلس الامن، على فرض ان مجلس الامن قرر شيئا فعليا. واكدت الحكومة الاسرائيلية بكل وضوح انها ترفض ذلك القرارلانها تعرف ان مثل هذا الموقف لا يمكن ان يترتب عليه أي موقف حازم ولا اية عقوبات من مجلس الامن ذاته لذا سيبقى القرار 1860 حبرا على ورق، ولا يمكن التعويل على مجلس الامن في اتخاذ قرار ثان يتضمن فرض عقوبات على اسرائيل جراء رفضها لقراره 1860.
واما اللجوء الى الجمعية العامة في صورة حصوله فانه يكون مفيدا من حيث انه سيفضي الى اتخاذ توصية recommandation بادانة اسرائيل وهذا امر مؤكد كما يمكن للتوصية ان تطالب اسرائيل بوقف العدوان والانسحاب من قطاع غزة اضافة الى امكانية ان توصي الجمعية العامة عملا بالمادة 14 من الميثاق باتخاذ التدابير لتسوية الموقف أية لتسوية الوضع الماثل ولا يمكن للجمعية العامة للامم المتحدة ان تذهب الى اكثر من ذلك اذ ان الاجراءات ذات الفعالية لا يمكن ان تتخذ الا من قبل مجلس الامن خصوصا لما يصدر المجلس قراراته مستندا الى الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة وهو الفصل الذي يتيح اتخاذ تدابير صارمة من بينها اللجوء الى استخدام القوة ضد الطرف الذي يعد مهددا للسلم والامن الدولي او مخلا به وفي هذه الحالة وعملا بما تقتضيه المادة 24 من ميثاق الامم المتحدة يمكن لمجلس الامن ان يقرر استخدام القوة العسكرية الجوية والبحرية والبرية ضد الطرف الذي لا يذعن الى قراراته.. فهل يمكن تصور ان مثل ذلك الاجراء يتخذ من قبل مجلس الامن ضد اسرائيل؟ طبعا لا
ولكن بالنظر الى الحصانة التي ما زالت تتمتع بها اسرائيل في العلاقة مع مجلس الامن حيث يمكن دائما ان يتدخل الفيتو الامريكي او فيتو احدى الدول الغربية الاخرى لافشال أي مشروع قرار يكون في غير صالح اسرائيل فان اللجوء الى الجمعية العامة يكون هو الطريق الافضل حيث يمكن في هذا الاطار أي اطار الجمعية العامة اعتماد توصيات ضد اسرائيل معبرة عن موقف المجتمع الدولي. ونعرف ان في الجمعية العامة تصبح دول كالولايات المتحدة واسرائيل وحلفائهما في موقع الاقلية.. واليوم نجد ان احداث غزة خلقت ظرفا ومناخا عالميين ييسر ويضمن مختلف اوجه الادانة لاسرائيل جراء ممارساتها الاجرامية والانتقال بالملف الفلسطيني انطلاقا من ملف العدوان على الشعب الفلسطيني والجرائم المرتكبة ضد المدنيين في قطاع غزة من شأنه ان يحقق النقلة المنشودة في تناول مجمل القضية الفلسطينية وذلك بارجاعها الى اصلها حيث انها قضية ازالة استعمار وانهاء الاحتلال وليس قضية متروكة للتفاوض بين سلطة فلسطينية وهمية او على الاقل ضعيفة وطرفا يمارس الجبروت والقهر والعدوان على شعب اعزل. كما من شان الانتقال بالقضية الى الجمعية العامة انطلاقا مما يحدث في قطاع غزة من شانه ان يكون منطلقا للنظر بصورة جدية وحازمة في الجرائم المرتكبة من قبل اسرائيل.
* اين تقع اتفاقية جنيف لا سيما الاتفاقية الرابعة المتعلقة بحماية حقوق الانسان في حالات الحرب وما هي مجالات الانتهاكات الاسرائيلية الثابتة لهذه الاتفاقية؟
للتدقيق فان اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 هي اتفاقية مخصصة لحماية الاشخاص المدنيين في وقت الحرب كما جاء بعنوانها. وهذه الاتفاقية هي الواجبة التطبيق بالدرجة الاولى في الحالة الفلسطينية وذلك لسببين اولهما ان تلك الاتفاقية تخص حماية المدنيين في وقت الحرب وثانيهما ان تلك الاتفاقية تتضمن جزءا مخصصا للاحتلال وهو القسم الثالث منها المخصص للاراضي المحتلة.
وجدير بالذكر هنا ان اسرائيل كانت قد وقعت في 8 ديسمبر 1949 على اتفاقية جتيف الرابعة وكذلك على اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949 كما صادقت على تلك الاتفاقيات الاربع في 6 جويلية 1951. الا ان خرق الاتفاقية الثالثة المتعلقة باسرى الحرب وخرق الاتفاقية الرابعة منذ قيام دولة اسرائيل مستمران ولم تلتزم اسرائيل بمثل تلك المعاهدات على الرغم من انها طرف فيها.علما ان المادة الاولى لاتفاقيات جنيف الاربع تنص على وجوب احترام مقتضياتها واحكامها من قبل الدول الاطراف فيها في جميع الاحوال.. ثم لا ننسى ان على اسرائيل التزامات خاصة بحكم انها دولة احتلال، فبالاضافة الى كون القانون الدولي الانساني سواء منه المكتوب او العرفي يحرم قتل المدنيين او تعذيبهم او تجويعهم او حتى اساءة معاملتهم ما يحرم استهداف الاعيان أي الاماكن والاشياء المدنية التي لا تستخدم في القتال من قبل الطرف المقابل في النزاع المسلح فان المادة 53 من اتفاقية جنيف الرابعة وفيما يتعلق بحالة الاراضي المحتلة تحظر على دولة الاحتلال ان تدمر اية ممتلكات خاصة ثابتة او منقولة تتعلق بافراد او جماعات او بالدولة او بالسلطات العامة او المنظمات الاجتماعية او التعاونية الا اذا كانت العمليات الحربية تقتضي حتما هذا التدمير. وها اننا نشاهد اليوم كيف ان اسرائيل تعتبر ان قصف المنازل والعمارات والمساجد والمستشفيات ومقرات ومنظمات الاغاثة الانسانية وان كانت تابعة للامم المتحدة وغيرها من الاعيان المدنية وهذا امر طبيعي بالنسبة لها وهي لا تكترث باي حكم من احكام اتفاقية جنيف الرابعة لا سيما تلك المتعلقة بالاراضي المحتلة. ومن الصعب في نطاق هذا الحديث ابراز مختلف الاحكام التي تنص عليها اتفاقية جنيف الرابعة لحماية المدنيين ذلك ان الاحكام المخصصة لحماية المدنيين متعددة. ولكن الامر الذي لا جدال فيه اليوم والحال ان العالم باسره يرى ما يجري في قطاع غزة ان اسرائل اقترفت مختلف اوجه الخروقات الجسيمة لقواعد القانون الدولي الانساني بدءا باحكام اتفاقية جنيف الرابعة. والاخطر من ذلك ان اسرائيل استخدمت ولا تزال تستخدم في قطاع غزة اسلحة محرمة وقد ذهب بها الامر حسب ما يرد من تقارير ان اسرائيل تستخدم ضد المدنيين وبخاصة الاطفال اسلحة وصفت بالغريبة حيث انها غير معروفة لحد الان وذلك على سبيل التجربة في حين ان اجراء تجارب على الطرف المقابل ومن باب اولى على المدنيين يشكل جريمة حرب وجريمة ضد الانسانية.
وبصورة عامة فان ما قامت به اسرائيل لحد الان يشكل في الوقت ذاته سلسلة من جرائم الحرب وسلسلة من الجرائم ضد الانسانية اضافة الى جريمة الابادة حيث تتوفر اليوم مختلف اركان تلك الجريمة كما تعريفها وتحديدها في القانون الدولي الانساني وفي القانون الجنائي الدولي..
* اصوات حقوقية كثيرة باتت ترتفع مطالبة بمحاكمة المسؤولين في اسرائيل عن الجرائم المرتكبة في حق الشعب الفلسطيني على غرار المحكمة الجنائية ليوغسلافيا السابقة او رواندا فهل من مجال لتحقيق ذلك وكيف؟
لقد كان هناك الكثير من التراخي في رفع قضايا جنائية ضد المسؤولين الاسرائيليين اذا ما استثنينا القضية التي تم رفعها سابقا ضد شارون وبعض الاشخاص الاخرين معه امام القضاء الجنائي البلجيكي. ولكن مع الاسف لم يواصل القضاء الجنائي البلجيكي النظر في تلك القضية رغم وصولها الى دائرة الاتهام بمحكمة الاستئناف ببروكسيل.على اثر ما ارتكبته اسرائيل من جرائم خلال انتفاضة الاقصى كان الكثيرون يتوقعون ان تقوم السلطة الفلسطينية برفع قضايا جنائية ضد المسؤولين المدنيين والعسكريين الاسرائيليين ولكن تلك السلطة التي كانت بمثابة الدولة الفلسطينية وان بصورة وهمية لم تفعل أي شيئ في ذلك الاتجاه. واما اليوم فان العمل على مقاضاة المسؤولن الاسرائيليين سواء اكانوا مدنيين كالرئيس شيمون بيريز ورئيس الحكومة اولمرت او وزيرة الخارجية ايفني او عسكريين امرمطلوب بكل الحاح. فهذه المرة يجب ان تتحرك جميع الهيئات والجمعيات والمنظمات وكذلك عائلات الضحايا والدول المتمسكة بالقيم الانسانية وبالقانون الدولي لضمان عدم افلات هؤلاء المجرمين ومن شاركهم في الجريمة من العقاب طبقا لمقتضيات القانون الدولي الانساني والقانون الجنائي الدولي. ذلك انه من الثابت اليوم ان اسرائيل ارتكبت عن طريق حكامها وعن طريق جنرالاتها وسائر ضباط وجنود جيشها جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية وجريمة الابادة. وهي جرائم تستوجب الملاحقة الجنائية والعقاب وان كان العقاب لا يمكن ان يكون في مستوى قظاعة الجرائم المرتكبة ازاء الاطفال والنساء وسائر افراد الشعب الفلسطيني في نطاق حرب تم شنها ضد المدنيين العزل بصورة فاقت ما قام به النازيون في وقتهم.
* طيب ما المطلوب اذن لتحقيق هذا الهدف؟
انه لمن المطلوب اليوم اقامة محكمة جنائية دولية تخصص لمحاكمة المجرمين الاسرائيليين على غرار المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا سابقا والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا وهما محكمتان جنائيتان دوليتان احدثهما مجلس الامن. من الواضح انه لا يمكن التعويل على مجلس الامن لاحداث محكمة جنائية دولية تخصص للمجرمين الاسرائيليين ولكن يجب تجديد المطالبة بتلك المحكمة كما يستوجب طرح هذه المسالة على الجمعية العامة للامم المنحدة ولاننسى ان مؤتمر القمة العربية الطارئ الذي انعقد في القاهرة في اكتوبر 2000 كان قد اتخذ قرارا بشان احداث محكمة جنائية دولية للجرائم الاسرائيلية.. وقد تم رفع طلب لهذا الغرض الى الامم المتحدة ولكنه لم يحظ باي اجابة.اعتقد ان اليوم وبالنظر الى الاستنكار العالمي للجرائم المرتكبة في قطاع غزة انه يجب عرض مسالة المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة المجرمين الاسرائيليين على الجمعية العامة للامم المتحدة. وعلى كل فان هناك امكانات وقنوات اخرى للحصول على محاكمة المسؤولين المدنيين والعسكريين الاسرائيليين سواء الحاليين من شيمون بيريز الى ليفني واولمرت الى الجنرالات والضباط والجنود المورطين في جرائم قطاع غزة او السابقين ممن لا زالوا على قيد الحياة لان جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية وجريمة الابادة لا تسقط بالتقادم.فعلا يمكن الان رفع قضايا جنائية ضد هؤلاء امام المحاكم الجنائية الوطنية في مختلف الدول تاسيسا على الاختصاص العالمي la competence universelle الذي اشارت اليه اتفاقيات جنيف الرابعة لعام 1949 بما في ذلك وبصورة خاصة الاتفاقية الرابعة حول حماية الاشخاص المدنيين اثناء النزاعات المسلحة الدولية. وفي هذا الاتجاه يمكن رفع قضايا جنائية ضد المسؤولين الاسرائيليين امام المحاكم الجنائية في الدول العربية وفي جل الدول الاخرى علما ان بعض الدول الغربية ركزت الاختصاص العالمي بصورة ثابتة كما هو الشان بالنسبة لفرنسا واسبانيا والمملكة المتحدة وكندا..
اضيف هنا ان كندا تشكل وجهة مفيدة للغاية عندرفع قضايا جنائية ضد المسؤوليين الاسرائيليين لان القانون الجنائي الكندي ادمج الجرائم المنصوص عليها بالنظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية بالتشريع الجنائي الوطني والفيدرالي مع تركيز الاختصاص العالمي على مستوى القضاء الجنائي الكندي وعموما فان الاختصاص العالمي الذي يعني ان القضاء لجنائي الوطني للدولة يكون مختصا بالنظر في الجرائم الدولية كجرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية وجريمة الابادة مهما كان المكان الذي ارتكبت فيه الجريمة ومهما كانت جنسية مرتكبها او المتورط فيها ذلك الاختصاص العالمي يعطي امكانية رفع قضايا جنائية ضد المجرمين الاسرائيليين امام المحاكم الجنائية لعدد لا يستهان به من الدول. وعموما ما قد لا يكون ممكنا اليوم تجاه هؤلاء المجرمين قد يكون ممكنا غدا فمن كان يتصور في فترة ما بين الحربين العالميتين ان اليهود سيتمكنون من الحصول على محاكمة مسؤوليين مدنيين وعسكريين في النظام النازي؟كذلك من الممكن ان يتحقق يوما ما محاكمة المجرمين التابعين للنظام الصهيوني.
* اتهامات الصليب الاحمر واتهامات الاونروا لاسرائيل بارتكاب جرائم حرب هل هي كافية لاثبات التهمة على المسؤولين الاسرائيليين؟
الاتهامات في حد ذاتها غير كافية ولكنها في غاية الاهمية لقد نطقت اللجنة الدولية للصليب الاحمر بما كانت تتردد في التصريح به الى العلن وذلك حتى لا تنشا ازمة بينها وبين اسرائيل الامر الذي من شانه ان يعرقل او يعيق نشاطاتها في الاراضي المحتلة.كذلك الشان بالنسبة للاونروا التي يشكل الاعتداء عليها اعتداء على الامم المتحدة ذاتها اضافة الى جريمة الحرب والجريمة ضد الانسانية التي ارتكبتها القوات الاسرائيلية ضد المدنيين بمن فيهم الاطفال والنساء في ذلك الفضاء علما ان الامم المتحدة لم تتخذ اجراءات ضد اسرائيل لما قصفت هذه الاخيرة المدنيين بمقر المنتظم الاممي بقانا في لبنان. نامل ان يكون موقف كل من اللجنة الدولية للصليب الاحمر ومن الاونروا هذه المرة اكثر حزما تجاه اسرائيل وان تنضمّا الى الجهود التي تبذل من اجل ادانة ومقاضاة المسؤولين الاسرائيليين على الاقل بتقديم شهاداتهما الموثقة حول ما حصل.
* اذا كانت جرائم الحرب لا تسقط بالتقادم فهل يعني ذلك انه بالامكان ملاحقة مسؤوليين اسرائيليين وجنرالات سابقين ممن ارتكبوا انتهاكات حاصلة في فلسطين؟
نعم ممكن لان القانون الدولي الانساني والقانون الجنائي الدولي يؤكدان عدم سقوط جرائم الحرب وكذلك الجرائم ضد الانسانية وجريمة الابادة بالتقادم أي انه يمكن مقاضاة مرتكبي تلك الجرائم والمسؤولين عنها مهما طال الزمن. وقد اكدت ذلك المادة 29 من المعاهدة المتمثلة في النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية حيث نصت على انه لا تسقط الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة بالتقادم ايا كانت احكامه وما ينص عليه النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية هو تكريس لما استقر عليه القانون الدولي فيما يتعلق بتلك الجرائم الدولية ذات الخطورة البالغة والتي لا يجب ان يفلت مرتكبوها من العقاب مهما طال الزمن طالما بقوا بطبيعة الحال على قيد الحياة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.