الترسانة العسكرية الصهيونية تجهز على كل متحرك في غزة وآلتهم السياسية تؤلب العرب على بعضهم البعض. شيمون بيريز الذي لم تمنحه جائزة نوبل للسلام على ما يبدو سوى مزيد من الرغبة في تلطيخ يديه بدماء الفلسطينيين يقول في تحد واضح أن القادة العرب يحثونه أثناء ما وصفه بأحاديثهم الخاصة معه على القضاء على المقاومة الفلسطينية وبوش الذي يلم أغراضه لمغادرة البيت الأبيض الأمريكي يثني على ما يسميه بالتعاون المصري... كل منهما ومختلف أعضاء عصابة السوء التي التقت على الفلسطينيين هذه الأيام لا يعتقدون أن أطنانهم من الذخيرة الحربية التي تفجر على رؤوس سكان فلسطين والتي نتج عنها كما يشهد عليه العالم بأسره آلاف المدنيين من الفلسطينيين بين قتلى وجرحى كافية لتحقيق ما يهدفون إليه وهو تركيع العرب حتى لا تقوم لهم بعد ذلك قائمة. يجب إذن تكريس الإنقاسامات بين العرب خاصة وقد تبين لهم أن الفرصة سانحة وتأليب هؤلاء على هؤلاء حتى تتأجج الكراهية بينهم ويتلهون بذلك في حين ينصرف العدو إلى تنفيذ مخططاته في متسع من الوقت معولا على ذخيرته ودعم العالم له بالسلاح أو بالمواقف السياسية أو بالصمت على جرائمه. لقد وصل الأمر إلى هذا الحد. استعمال كل الوسائل. السلاح الفتاك بما في ذلك الممنوع دوليا والمسموح به. الحصار من كل مكان. التجويع. الترهيب وكذلك التأليب دون أن تتبين لنا ملامح مواجهة حقيقية وجدية وفي مستوى مخططات العدو وفي مستوى مؤامراته على الوجود العربي. دون أن نرى ما من شأنه أن يشكل بداية لمواجهة فعلية لهذا العدوان. هذا كثير والله. قيل لنا أن اسرائيل لا تنهزم يتواصل العدوان الإسرائيلي على غزةبفلسطين للأسبوع الثالث بدون هوادة. تدمر آلته العسكرية الضخمة كل كائن متحرك في تلك الأرض محاولة ليس فقط إذعان الفلسطينيين لإرادتها وإنما إنهاء كل تطلع لدى العرب لكسب معركة تحرير آراضيهم التي تقع تحت سيطرة اسرائيل وقطع السبل أمامهم نحو نهضة وانعتاق من مختلف المعوقات والمكبلات التي تحول دونهم ودون تهيئة مستقبل أفضل لأجيالهم القادمة الإسرائيلية. يحاولون من خلال هذه الحرب الظالمة التي لا سلاح فيها للمقاومة الفلسطينية إزاء تلك الترسانة الهائلة للعدو سوى إرادة الشعب ودعاء أبناء الأمة العربية والإسلامية لهم من القلب هم يحاولون كسر ما تبقى من الحلم العربي في النهوض في يوم ما. توارثنا عن أبائنا وأجدادنا تلك القناعة التي تحولت مع مرور الوقت إلى مثابة المعتقد أننا لا حول لنا ولا قوة إزاء اسرائيل. كلما تساءلنا ونحن الغافلون عما حدث منذ سنة 1948 إلا وقيل لنا أن الجيوش العربية مجتمعة لم تكن لتقوى على اسرائيل. قيل لنا أن الجيوش العربية مجتمعة كانت لا تستمر في مواجهة هذا الكيان الإسرائيلي على حداثة تأسيسه لم تكن لتستمر معه في المواجهة أكثر من بضعة أيام. وصارت عبارات كالنكبة والنكسة والنكبة الثانية والثالثة وغيرها من المصطلحات التي تحمل كما هائلا من الإحباط كفيلة بأن تلجم كل واحد من بيننا يجرؤ على مجرد التساؤل. لقد مهدت الأرض لإسرائيل كما تريد وتشتهي. تريد من العرب ولاء وطاعة لها ذلك. تريد أن تحتفظ بالأراضي العربية المحتلة. لها ذلك. تريد تطبيعا كافيا. لها ذلك وربما أكثر ولكن اسرائيل لا تعرف الوقوف عند حد. وهاهي تثبت ذلك مرة أخرى أمام العالم. لا تنوي أن تعقد سلاما مع العرب مهما كان سقف التنازلات التي تحصل عليها منهم عاليا. ولا تنوي أن تمنح للفلسطينيين أية فرصة لبناء دولتهم المستقلة. لم تكن تتوقف حتى قبل عدوانها الحالي على غزة على القتل والإغتيال والأسر والتشريد والتجويع مع استعمال مختلف أسلحة الردع والتخويف. اليوم تعول هذه الدولة المعتدية على ما اعتبرته عوامل موضوعية لتنفذ مشروعها في تصفية القضية الفلسطينية تصفية نهائية وفق ما ترضاه هي. وما ترضاه إسرائيل ليس أقل من التخلص من الفلسطينيين بالكامل قبل أن تتفرغ لمشاريعها التوسعية التي يعلمها الجميع. ارتكزت هذه الدولة التوسعية على ما اعتبرته ضوءا أخضر من شق من العرب للقضاء على حركات المقاومة بغزةبفلسطين وخاصة الحركات الإسلامية. وإن كنا ندرك أن اسرائيل لا تحتاج لضوء أخضر من بعض القيادات العربية لتنفيذ مشاريعها العدوانية لأنها في الأصل لا تعير أي اهتمام للعرب ولا تتوقع منهم أية ردة فعل قد تقلقها أو تهددها مادامت تدرك أن حالة الإنقسام تحول دونهم ودون تبني موقف صارم تجاه هذا الكيان الصهيوني , إن كنا نعلم جيدا أن اسرائيل لم تكن تنتظر هذا الضوء الأخضر العربي لتنفذ عدوانها على الشعب الفلسطينيبغزة فإننا نفهم بالتأكيد مدى اصرار هذه الدولة العبرية على أن تقول للعالم أنها تنفذ عدوانها على غزة بالإعتماد على ما نفهم أنه ضوءا أخضر عربيا. مزايدات بيريز وبوش على الأمة العربية تدرك اسرائيل وقد نبه مختلف الخبراء العسكريين والمحللين السياسيين إلى ذلك أن ضربتها لغزة مهما كانت موجعة للشعب الفلسطيني ومهما نتج عنها من شلالات دم ليست كافية كي يشعر هذا الكيان الدموي أنه ربما قد صنع شيئا مهما على الأرض. عليها إذن أن تؤلب العرب بعضهم على بعض حتى تعمق الإنقسامات بينهم وحتى تحول دون أن يصلوا إلى موقف يهددها أو يقلقها ويجعلها تخرج من عدوانها الأخير دون كل الأهداف التي رسمت إليها. لا يرغب الرئيس الإسرائيلي دون شك في إنارة الرأي العام العربي عندما يقول أن القادة العرب تطلب منه بشكل سري القضاء على المقاومة الفلسطينية كتبرير لعدوانه على غزة فهي حيلة لا تنطلي على أحد. ونفس الشيء عندما يعلن بوش أن مصر يمكن التعويل عليها في قضية ما يسمونه بتهريب السلاح إلى غزة وكأن مصر تلك الحضارة العظيمة قد تحولت إلى حارس معابر خدمة لأمن الكيان الصهيوني. إنها حرب نفسية يراد من خلالها تأليب جزء من العرب على الجزء الآخر. صحيح قد تستفيد إسرائيل من بعض العوامل من بينها تخوفات عربية من بعض حركات المقاومة خاصة الإسلامية لكن الأمر لا يصل إلى حد التخلي عن قضايا الأمة بهذا الشكل المفضوح. لا ينبغي للعرب في هذه المرحلة الحاسمة بالذات السقوط في فخ اسرائيل التي لا تعيش إلا على جراح العرب والمسلمين وعلى انقسامات العرب. إن اسرائيل اليوم تستنزف كل الطاقات في فلسطين. تدك البيوت وتقتل النساء والأطفال وتستهدف الطواقم الطبية والمسعفين وتصوب ناحية الإعلاميين وتحرق الأرض وتشوه الأجساد تثير الرعب في كل مكان. تقطع الزاد عن الناس وتقضي على كل مقومات الحياة وتعود بغزة كما يتبجح الإعلام الصهيوني بالقول عقود إلى الوراء. ولا يكفي ذلك بل تغرز السكين في مكمن الجرح حتى تزيد في هذا الألم الذي يعتصرنا إزاء ما نشاهده بأعيينا لمقتل أبناء أمتنا دون أن نجد سبيلا لصده والذود عنهم. تقول لنا وهي تنظر في أعين من بقي منا يتمسك بأطراف حلم ومن لم ييأس من صحوة الضمير عندنا لتقول إن هذه الحرب تتم بمباركة عربية بل هي مطلب عربي قبل أن يكون مطلبا صهيونيا. تقول ذلك لأنها تدرك جيدا أنها بمثل هذا القول تكون أكثر فتكا من سلاحها الفتاك.