انطفأت شمعة الموسيقار منصور الرحباني، اخر حبة من عقد الجيل الرحباني الاول، بعد ان اضاء على الموسيقى العربية بمعية اخيه الراحل عاصي الرحباني ثم وحده بعشرات المسرحيات الغنائية ومئات الاغاني والقصائد الشعرية والموشحات والازجال الفلكلورية. كان من المفروض ان يمضي يوم الخميس 22 جانفي الجاري بقاعة اليونسكو ببيروت دواوينه الخمسة التي نشرها اخيرا ومن بينها «اسافر وحدي ملكا» و«أنا الغريب الاخر» اللذين اعاد نشرهما وكذلك مختارات من القصائد التي الفها ولحنها الاخوان الرحباني وتغنت بها السيدة فيروز طيلة مسيرتهم الفنية. ان المدرسة الرحبانية التي أرساها الاخوان كما ارادا ان يكونا لهي فريدة من نوعها سواء من حيث فكرة العمل الثنائي المتكامل الذي يشمل الشعر والموسيقى والتصور الفني العام او من حيث المضمون الفني الذي غير المشهد الموسيقي العربي نحو مسالك جديدة من الرومانسية المتشبثة بالارض وعمق التاريخ بعيدا عن الميوعة واللامبالاة ارتقت بهذا التعبير الى المجال العالمي. وبعد ان انطفأ عاصي الرحباني عام 1986 واصل منصور نفس المسلك متعمقا فيه نابشا في اعماق الفلسفة والتاريخ يكتب الشعر الفصيح والازجال له ولابنائه ويؤلف الموسيقى لمسرحه الغنائي الذي لم يتخل عنه وآمن به وسيلة مثلى للتفكير في واقع الانسان العربي وفي تاريخه وفي قيمه السامية في زمن تخلى عن الانسان والقيم. لعل منصور حمله الحزن على غزة وحز في نفسه الالم على اهاليها واندمل قلبه من فرط القهر على الأطفال الذين يفنون كل يوم تحت سيل القذائف المحرقة، لعله كان يغني في قرارة نفسه عائدون، الغضب الساطع آت، والبقية على عاتق الجيل المقبل. الموت حق ولن تبقى الا ذكراه وآثاره، فليتقبله الله برحمته الواسعة وليسكنه جنان خلده ولتتقبل الملائكة روحه الطاهرة بالمحبة. والسلام