تحمل عديد المؤشرات على الاعتقاد بأن تركيا مقبلة على حرب في شمال العراق بدعوى ملاحقة المتمردين من أكرادها وتدمير ما تبقى لهم من معاقل خارج الأراضي التركية منذ تراجع حزب العمال الكردستاني بعد القبض على زعيمه عبد اللّه أوجلان في كينيا خلال عملية نفذتها مصالح الأمن التركية والمخابرات الأمريكية والإسرائيلية عام1999 . فقد قصف الجيش التركي مواقع للمتمردين بالأراضي العراقية إثر مقتل ثلاثة جنود أتراك في سياق توتر على الحدود يترجمه حشد 140 ألف جندي تركي وحرب كلامية بين بعض المسؤولين العراقيين بما في ذلك الزعيم الكردي البرزاني وسياسيين أتراك إضافة إلى التوجهات «الرسمية» والشعبية في إقليم كردستان العراقي نحو الانفصال وهو ما يمثل في حد ذاته تحديا لتركيا قد يعيد فتح الملف الكردي من زاوية مغايرة. وبالنظر إلى الواقع السياسي التركي تجد حكومة أوردوغان الفرصة سانحة أولا للتمهيد لبسط هيمنة «حزب العدالة والتنمية» على الحياة السياسية بما يمثل نوعا من الانتقام من جانب كبير من الطبقة السياسية المتشبثة بمبادئ الكمالية خصوصا من خلال محاولة فرض عبد الله غول كمرشح للرئاسة لتكون زوجته أول محجبة في القصر الرئاسي. وما الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها المزمع إجراؤها في 22 جويلية إلا دليلا على رغبة الحزب في الحصول على الأغلبية بالبرلمان لتعديل طريقة انتخاب رئيس الجمهورية وجعلها بالاقتراع المباشر لذلك يريد حزب أوردوغان السيطرة على مؤسسات الدولة وثانيا تهميش الجيش في المجال السياسي مقابل إشغاله بحرب مع الأكراد ثم مع العراق إن لزم الأمر ولعل الجيش سيكون لأول مرة في تاريخ تركيا وسيلة للحكومة بعد أن كان دوره طيلة العقود الماضية تترجمه تدخلات في الحياة السياسية بوصفه مؤسسة لها اليد الطولى في السياسة التركية والمؤسسة الضامنة للعلمانية. ومن المفارقات أن يصبح حزب مؤسس على مبادئ دينية «ضامنا» للعلمانية هاجسه البلد الذي تتجاذبه الخيارات كالعضوية في الاتحاد الأوروبي والعودة إلى مفهوم الطورانية أي تركيا الكبرى الممتدة إلى جمهوريات آسيا الوسطى الناطقة بالتركية وكذلك الانتماء المشرقي وبالنظر إلى جملة من المتغيرات والثوابت - أيضا - في العالم يبدو أن تركيا ستختار المحيط الشرق أوسطي لاعتبارات استراتيجية قد تجعل تركيا قوة إقليمية يتجاوز نفوذها إيران وتقاسم الهيمنة مع إسرائيل. وإذا كانت مسألة سيطرة حزب أوردوغان على مؤسسات الدولة التركية داخلية بحتة في ظاهرها فإنها تمهد لفكرة قديمة ما فتئت تراود الإدارات الأمريكية في العشريتين الماضيتين وهي البحث عن نمط لما يسمى بالديموقراطية الإسلامية وقد يكون «المثال» جاهزا بعد «صقل» التجربة التركية منذ وصول أول حزب ديني إلى الحكم في تركيا عام 1996. وفي هذه الحالة ألا تُعد الديموقراطية وسيلة والشمولية غاية؟ إذن، لا بد من البحث في طيات الخطط الأمريكية لنشر الديموقراطية لمعرفة نوايا ورهانات واشنطن الحقيقية.