المكانة السياسية والاعتبارية للرئيس بن علي ومنجزاته تجعله في منأى عن المنافسة الانتخابية تونس الصباح: كيف ينظر حزب الوحدة الشعبية إلى مشاركته في الانتخابات المقبلة؟ وما هو تقييمه للتحالفات الممكنة بين الاحزاب؟ وما هو الحدّ الفاصل بين التوجه الليبرالي والاشتراكي للحزب؟ وهل يدخل حزب الوحدة الشعبية في تنافس مع التجمع الدستوري، أم سيعوّل على منافسته للاحزاب المعارضة فحسب؟ وكيف يردّ على الذين يتهمون الحزب بالموالاة للحكومة
وعدم استقلالية قراره؟ وما الذي يقترحه حزب الوحدة الشعبية لتجاوز تداعيات الازمة العالمية الراهنة؟ هذه التساؤلات وغيرها، طرحتها "الصباح" على عضو المكتب السياسي لحزب الوحدة الشعبية، وعضو مجلس النواب، السيد هشام الحاجي، وذلك في سياق الحوارات التي دشنتها "الصباح" لرصد مواقف أحزابنا ومقارباتها قبيل الانتخابات القادمة.. وهذا نص الحوار: أجرى الحوار: صالح عطية تمسك بالخيار الاشتراكي * للمرة الثالثة على التوالي يشارك حزبكم في الانتخابات الرئاسية، ما الجديد في هذا الترشح من حيث الخطاب السياسي/الانتخابي والبرنامج الحزبي؟ المشاركة الثالثة على التوالي لحزبنا في الانتخابات الرئاسية، وهو الوحيد الذي توفرت له هذه الامكانية بين بقية الاحزاب الاخرى، تمثل في حد ذاتها إشارة إلى تطور وضعية الحزب ومكانته، وهي تحملنا في الان ذاته مسؤولية مضاعفة، بما يعكس أهمية حضوره على الساحة السياسية، ويدلل على أن آليات اشتغاله حافظت على تماسكه ووفرت بالتالي امكانية مراكمة مكاسب - ربما بدت بسيطة - لكنها هامة فيما يتعلق بالمشاركة في الاستحقاقات الانتخابية.. ونحن نؤكد من خلال كل ذلك، على أهمية تكريس منطق التنافس السياسي في إطار هذه الاستحقاقات، ونحرص على إبراز الفعل الايجابي للتراكم النضالي الذي يدفعنا للتقدم بخطاب سياسي متجدد في أغلب جوانبه بالنسبة لانتخابات أكتوبر القادم، وذلك من خلال التأكيد على المشاركة السياسية ودعم الاصلاح السياسي، وتطوير آليات الرقابة، وتوسيع مجال ممارسة الحريات السياسية.. وهذا الخطاب الذي لن يتخلى عن مرجعيته اليسارية وخلفيته الوطنية، هو الذي سيفرز برنامجا انتخابيا يتمحور حول مفهوم العدالة الاجتماعية بما تعنيه من تكافؤ في الفرص وتوازن في تقاسم الاعباء والتمتع بالثروات وتقارب بين الجهات مع تأكيد على حيوية القطاعات المنتجة كالفلاحة والصناعة.. * هل معنى هذا أنكم تفكرون في تسويق "خياركم الاشتراكي" خلال الحملة الانتخابية في ضوء الازمة المالية العالمية الراهنة وتداعياتها على الفكر الرأسمالي، أم ستكتفون ببعض الملاحظات على النهج الليبرالي للحكومة فقط؟ تمسكنا بالخيار الاشتراكي لا تمليه الاعتبارات الظرفية، سواء منها تلك المتعلقة بالازمة الاقتصادية العالمية الحالية أو بالاعتبارات الانتخابية وما تدفع إليه أحيانا من "تسويق" بعض الشعارات، لاننا الحزب السياسي الوحيد في تونس الذي تمسك بقناعات ثابتة فيما يتعلق بحيوية التوجه الاشتراكي وأهميته، وهو ما تبرزه جميع لوائح حزب الوحدة الشعبية منذ مؤتمره التأسيسي إلى المؤتمر الوطني الاخير الذي انعقد سنة 2006، علاوة على أن البرنامج السياسي الذي خضنا به غمار الانتخابات الرئاسية والتشريعية الماضية، كان عنوانه الرئيسي "الديمقراطية طريق للاشتراكية"، وهو ما يعني بوضوح أن إقامة المجتمع الاشتراكي هي هدفنا الاستراتيجي، وما دام الامر يتعلق بهدف استراتيجي فإننا لا نكتفي بتقديم بعض الملاحظات النقدية على النهج الليبرالي للحكومة بل سنقدم تصورا متكاملا ومنفتحا، يأخذ بعين الاعتبار ما يجب أن نجيب عنه من أسئلة دقيقة حول منجزات وإخفاقات التجارب الاشتراكية، وأساسا تجربة التعاضد التي تمثل بشكل من الاشكال رافدا من الروافد السياسية والايديولوجية لحزب الوحدة الشعبية، بالاضافة إلى كيفية تنزيل التوجه الاشتراكي في سياق ما تفرضه الاقتصاديات الحديثة من انفتاح وتفاعل وتداخل، هذا دون أن ننسى مكانة القطاع الخاص ودوره وآليات تكريس الاشتراكية وغيرها من الاشكاليات التي ننكب حاليا على تدارسها لنصوغ في ضوء الرؤية التي سنبلورها، برنامجنا السياسي والانتخابي للاستحقاق الانتخابي القادم.. مضمون المشاركة الانتخابية * تؤكدون دائما على أن المشاركة في الرئاسية القصد منها تعويد الناخب التونسي على التعددية والممارسة الديمقراطية في ضوء عدم قدرتكم على منافسة مرشح الحزب الحاكم (الرئيس بن علي)، لكن ألا تفكرون في خوض حملة انتخابية تنافسية مع مرشحي الاحزاب الاخرى؟ في البداية لا بد من الاشارة بشكل سريع، إلى أننا نعتبر في حزب الوحدة الشعبية أن عاملا من عوامل تطور أداء هياكلنا، هو ممارسة سياسة تستجيب لحقيقة إمكانياتنا، وتعمل على تطوير هذه الامكانيات من خلال وضع أهداف مرحلية نسعى لتحقيقها، وهو ما يعني أننا ندرك أن المكانة السياسية والاعتبارية للرئيس زين العابدين بن علي، والتي تستند إلى منجز عشريتين، تجعله في منأى عن المنافسة الانتخابية في مستوى عدد الاصوات والنسب المتحصل عليها، وهو ما يجعلنا معنيين فيما يتعلق بهذا المستوى من التنافس الانتخابي، أي إننا معنيون بمنافسة بقية مرشحي أحزاب المعارضة الوطنية.. ولكن في مستوى البرنامج الانتخابي والخطاب السياسي، فإن حزبنا سينافس في الانتخابات الرئاسية والتشريعية كل الاحزاب التي ستشارك في هذين الاستحقاقين، وفي مقدمتها الحزب الحاكم ومرشحوه، لان هذا التنافس يمثل حجر الزاوية في النظام الديمقراطي، ومدخلا أساسيا من مداخل تكريس الممارسة الديمقراطية التي يشير تزايد نسبة التصويت لاحزاب المعارضة بين موعد انتخابي وآخر، بأن الناخب التونسي قد أخذ يتشبع بها، وهو ما يوجب علينا التفكير في أهداف مرحلية أخرى.. * لكن هناك انتقادات توجه إليكم من قبل بعض المراقبين، على أساس أن مواقفكم لا تتمتع بالاستقلالية الكافية طالما أنكم مصنفون ضمن "فريق الموالاة"، ما الذي تقولونه في هذا الشأن؟ اسمحوا لي أن أشير في البداية، إلى أن الانتقاد الذي تحدثتم عنه بأننا فريق موالاة لا يصدر عن مراقبين كما أشرتم في سؤالكم، وإنما عن فاعلين سياسيين نتباين معهم في الرؤية والمقاربة.. ونحن نعتبر أن الحديث عن أحزاب موالاة أو أحزاب إدارية عند التطرق إلى التجربة السياسية التعددية التونسية، هو حديث غير مثمر سياسيا ويعيق مطلقيه أكثر مما يزعجنا وذلك لعدة اعتبارات.. * ما هي هذه الاعتبارات؟ لعل من أهم هذه الاعتبارات أننا حزب ولد من رحم المعاناة، وعرف مؤسسوه السجون، وله دوره السياسي المعارض بوضوح، ولنا اجتهادات وتصورات حول آليات الاصلاح السياسي ومضامينه معروفة لدى الرأي العام ونسعى لانجازها في إطار سياسات التوافق الوطني والحوار مع السلطة ومع التجمع الدستوري الديمقراطي.. ونحن نعتبر أن لمقاربتنا لاليات التطور السياسي وجاهتها لانها مع تمسكها بالاستقلالية، فإنها حريصة على تجنب الوقوع في بعض الاوهام التي وقع فيها غيرنا، عندما راهنوا على الدور المحدود للتوجهات الدولية لتكريس الديمقراطية، أو حين غازلوا دون هوادة الهيئات الدولية لتكريس الديمقراطية، أو حين غازلوا دون هوادة بقايا التيار السلفي والاسلاموي رغم بعده الفكري والايديولوجي عن التطورات الديمقراطية.. مقاربتنا تأخذ بعين الاعتبار موازين القوى السياسية وما تبرزه من تفاوت واضح لفائدة الحزب الحاكم، ونحن نسعى لتعديل هذه الموازين تدريجيا بعيدا عن أوهام الزعامة أو الرغبة في حرق المراحل، وأفضل جواب لمن يشكك في استقلاليتنا، هو أن اجتهاداتنا تجد لها أصداء إيجابية وتفاعلا في قطاعات هامة من المنتمين للاحزاب التي تنتقدنا وفي صفوف قيادييها.. حول التحالفات الانتخابية * من الواضح أن جميع محاولات التحالف في المشهد السياسي التونسي، انتهت إلى الفشل والانتكاس وآخرها "اللقاء الديمقراطي"، هل معنى هذا إنكم ستدخلون التشريعية من دون التفكير في أي شكل من أشكال التحالف مع بعض الاحزاب؟ فعلا، انتهت كل محاولات التحالف في المشهد السياسي التونسي إلى الفشل والانتكاس، ويبدو أن هناك عوائق يمكن اعتبارها هيكلية، هي التي ستحول لسنوات دون نجاح تجارب التحالف أو الالتقاء حول أهداف محددة.. كما كان الامر بالنسبة للقاء الديمقراطي الذي لا يتحمل حزب الوحدة الشعبية مسؤولية فشله، وعلى أية حال، فإن ما يمكن قوله في علاقة بالانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة، هو أن حزبنا سيخوضها بمفرده لانه ليس بحاجة لتحالفات وهمية، أو للانفتاح على حساسيات سياسية أو تيارات إيديولوجية قد نلتقي معها لاحقا، لاننا قادرون على أن نرفع كل الاعباء والتحديات المتصلة بالاستحقاق الانتخابي بمفردنا، وقد انطلقنا في الاعداد للانتخابات منذ نحو أربع سنوات ليقيننا بأن القانون الانتخابي لا يعتمد على التحالفات الانتخابية، ولذلك أقمنا إستراتيجيتنا على هذا الاساس.. * على صعيد آخر، يرى البعض أن المشهد السياسي يمر بحالة فرز ستتضح ملامحها خلال الانتخابات وبعدها، كيف تقيّمون وجهة النظر هذه، سيما في ضوء وجود مقاربات ترى أن إنتاج فرز جديد، غير ممكن لعدم توفر مرتكزات لحياة سياسية حقيقية؟ أعتقد أن هناك مرتكزات لحياة سياسية حقيقية ما دامت هناك أحزاب سياسية وقوانين تنظم الحياة السياسية.. صحيح أن ما هو متأكد حاليا هو التفكير في تطوير هذه المرتكزات لتكون دعامة أساسية ودائمة للتطور الديمقراطي المنشود.. ما أود الاشارة إليه هو أن حالة التشتت التي تعيشها المعارضة وإعدادها لتجاربها ومحاولاتها من دون أفق واضح، يجعل من الصعب أن نعيش إثر الانتخابات القادمة عملية فرز جديدة، وهو ما يعني أن موازين القوى لن تشهد تغييرا يذكر، ولو أن الظروف التي ستجري فيها الانتخابات، وأيضا كيفية تفاعل المعارضة بمختلف أطيافها مع هذه الانتخابات، ستلعب دورا في إيضاح ملامح المشهد السياسي.. تقييم التجربة البرلمانية * ما هو تقييمك للتجربة البرلمانية، في ضوء الملاحظات التي يبديها البعض بخصوص فتور وهشاشة المداخلات في مجلس النواب، والاداء الباهت لعديد النواب؟ أعتقد أن الرأي الذي نقلتموه عن تقييم البعض فيما يتعلق بطبيعة المداخلات وأداء النواب، يحتاج إلى شيء من إعادة النظر، لان الاداء النيابي قد عكس إلى حد كبير ما يعتمل في الشارع من مشاغل، وما يتطلع إليه المواطن من إصلاح، بل إن الحكومة وجدت نفسها مدعوة في عديد المناسبات للتفاعل مع ملاحظات النواب واقتراحاتهم، وأعتقد أن ما ينتظر مجلس النواب في مستوى تنقيح القانون الاساسي، وبالتحديد في الباب المتعلق بإنشاء الكتل البرلمانية، سيساهم في مزيد تفعيل دور مجلس النواب سيما في مجال خلق شيء من التوازن في مستوى بلورة الاقتراحات والتأثير على التصويت.. وفي هذا السياق لا بد من إعادة النظر في مآل مشاريع القوانين التي يتقدم بها النواب، حتى تجد طريقها إلى اللجان البرلمانية ثم إلى الجلسات العامة.. ويحتاج الامر بالاضافة إلى ذلك إلى ضرورة مزيد تحسين العلاقة بين مجلس النواب ووسائل الاعلام.. واعتقادي أن أداء مجلس النواب ما انفك يتطور، لان النائب هو بالدرجة الاولى يمثل الشعب قبل أن يمثل الحزب الذي رشحه، ويبدو لي أن ما شهده عمل المجلس في السنتين الاخيرتين من تطوير يفتح الباب أمام تفعيل أهم لدور السلطة التشريعية، خصوصا في ضوء وجود إمكانية التفكير في إعطاء السلطة التشريعية، سلطات أوسع تبقى مطروحة للنقاش، سعيا إلى تأكيد التوازن بين السلطات.. * البعض يلوم الحكومة على كيفية تعاطيها مع الازمة العالمية الراهنة، من موقعكم كيف تتصورون التعاطي مع هذا المستجد؟ لقد أتاح لي موقعي الاعلامي والبرلماني والسياسي، أن أقف على كيفية تفاعل الحكومة مع الازمة العالمية الراهنة، وهو تفاعل غلبت عليه الواقعية، وكان واضحا أن الحكومة قد أعدت العدّة لهذه التطورات، لكن من المؤكد أنها لم تعوّل على تسويق ذلك إعلاميا في علاقة بالرأي العام التونسي، ويبدو أنها تفطنت لهذه النقيصة مؤخرا وحاولت تلافيها.. أما فيما يتعلق بسبل التعاطي مع هذا المستجد، فنحن نعتقد في حزب الوحدة الشعبية، أنه من الضروري اعتماد التقشف من ناحية، والعمل على أن يكون هناك تقاسم للاعباء بين كل الفئات الاجتماعية، مع ضرورة أن لا يبقى الضغط الجبائي مسلطا على الاجراء والموظفين دون سواهم، لان العدالة الجبائية ومقاومة التهرب الجبائي، تلعب دورا هاما في الحد من الانعكاسات السلبية للازمة الاقتصادية العالمية.. من جهتنا نعتقد، أنه من المفيد اتخاذ إجراءات أخرى يفرضها الظرف الاقتصادي الراهن، على غرار بعث صندوق وطني للعمال المسرحين لاسباب اقتصادية، تتوفر له موارد مستقلة، تزيد في تكريس التضامن الاجتماعي ولا تثقل كاهل الصناديق الاجتماعية.. * ما هي أبرز عناوين المرحلة المقبلة في تقديرك؟ يختلف التوقع باختلاف زوايا النظر، وفي تقديري فإن عناوين المرحلة القادمة ستندرج ضمن عنوان واسع، هو تعميق الاصلاح بمختلف أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، سيما في ضوء التحولات العالمية وتأثيراتها المتوقعة، وهو ما يستدعي دعم المشاركة بمختلف أبعادها.. ويبدو من الضروري في تقديرنا، إنجاز تقييم لحصاد التجربة البرلمانية التعددية لحد الان وسبل تطويرها، وذلك عبر حوار شامل في أعقاب أكتوبر القادم، على اعتبار أن للمنظومة الانتخابية الحالية، إيجابياتها التي لا تخفى، لكن لا ننسى أنها ساهمت في الحد من قدرة الاحزاب المعارضة على المراكمة، وأوجدت في صفوفها صراعات شخصية جعلت بناءها المؤسسي ضعيفا..