الاحد المقبل ..يوم مفتوح للكشف البصري لسائقي سيارات الاجرة والنقل الجماعي بالحي الرياضي للشباب بالمنزه    انطلاق الرقابة الصارمة على السيارات الإدارية في القصرين بداية من 1 جوان!    مدير عام الطفولة بوزارة الأسرة: دراسة في طور الإعداد لتقديم حلول لظاهرة تسوّل الأطفال    ما هي أسعار اللحوم المبرّدة التي ستُطرح في السوق؟    الدبيبة يدعو إلى انتخابات مباشرة لإنهاء الانقسام في ليبيا    إسرائيل تقصف مطار صنعاء وتتوعد بضربات أكثر شراسة    رسالة غامضة من رونالدو تُشعل الجدل    أحكام بالسجن ضد مروج مخدرات ووالدته..وهذه التفاصيل..    عيد الاضحى يوم السبت 7 جوان في هذه الدول    ''القلوب'': فوائده الصحية وأضراره المحتملة ... دليل شامل    لماذا يُسمّى عيد الأضحى ب''العيد الكبير'' في تونس؟    النادي الصفاقسي يحتفل بعيد ميلاده السابع والتسعين    الحماية المدنية: 95 تدخلا لإطفاء حرائق خلال ال 24 ساعة الماضية    جريمة مروعة تهز بلجيكا ضحيتها شاب تونسي..وهذه التفاصيل..    عاجل/ يهم خرجي هذا الاختصاص: مشروع قانون لانتداب من طالت بطالتهم..    بعد ذبح الأضحية... ما الذي يُستحب للمُضحّي فعله؟    6 سنوات سجن لفتاة أشرفت على الجناح الإعلامي لتنظيم "داعش" في تونس    هل أن ''الكرموس'' يخفض الكوليسترول الضار؟ إليك الإجابة العلمية والفوائد الصحية الكاملة    ثنائي النادي الافريقي لكرة اليد اسامة الرميكي وطه السماوي يعززصفوف اهلي طرابلس الليبي على سبيل الاعارة    5 مصابين في إطلاق نار داخل مركز تسوق بولاية أميركية    نابل: حريق يأتي على نحو 2.5 هكتار من حقول القمح في بوعرقوب    عاجل/ بلاغ هام من وزراة التربية لتلاميذ البكالوريا..    السفارة الأمريكية بتونس تحتفي بذكرى ميلاد ابن خلدون    إدارة ترامب توقف الطلبات الجديدة لتأشيرات الطلبة والزائرين وتشدد فحص وسائل التواصل الاجتماعي    منظمة إرشاد المستهلك: أسعار أضاحي العيد خيالية وتجاوزت المتفق عليه    دعاء أول أيام ذي الحجة...أيام مباركة وفرصة للتقرب من الله    أكثر من 1500 عامل في السياحة يطردون قبل إصلاحات قانون الشغل    نعيم السليتي يمدد عقده مع نادي الشمال القطري الى غاية 2027    مسرحية "وراك" لأوس إبراهيم… لعبة الوجود بين الوهم والحقيقة    عاجل/ تصل الى 3000 دينار: نقابة الفلاحين تكشف أسعار الأضاحي المتداولة حاليا في السوق..    الصين: قتلى ومصابين في انفجار بمصنع كيماويات    رئيس النقابة التونسية للفلاحين: الأسعار تتراوح بين 700 دينار و3 آلاف دينار    طقس اليوم: رياح قوية نسبيا بهذه المناطق والبحر مضطرب    برشلونة يمدد عقد الأمين جمال حتى 2031    تكريم الباحثة الكورية كريمة كيم بجائزة ابن خلدون 2025 لترجمتها "المقدمة" إلى اللغة الكورية    تونس تؤكد تمسّكها بتعزيز التعاون الإفريقي وتدعو إلى مقاربة جديدة للتكامل بين دول القارّة    وزير التجهيز يتفقد أشغال تقوية الطريق السيارة A1 ويعلن قرارات جديدة لتحسين انسيابية المرور    توزر - مدنين: نجاح عمليتي قسطرة قلب عبر منصة نجدة الرقمية    قبل مواجهة تونس والبنين.. تصريح غريب للركراكي مدرب المغرب    بسبب فضيحة.. استقالة قاض في محاكمة وفاة مارادونا    حماس.. ما حدث برفح يؤكد فشل آلية المساعدات المشبوهة    طقس الليلة    صادرات زيت الزيتون التونسي المعلّب سجلت ارتفاعا بنسبة 2 ر57 بالمائة حتى موفى افريل 2025    من 29 إلى 31 ماي : مهرجان جازيت لموسيقى الجاز العالميّة ينتظم في دورته الأولى.    السعودية تعلن الأربعاء غرة ذي الحجة والجمعة 6 جوان أول أيام عيد الأضحى    بلجيكيا : مقتل شاب تونسي طعنا بسكين    مدنين: إقلاع رحلة حجيج الجهة الثانية والأخيرة من مطار جربة-جرجيس الدولي    عاجل/ أضاحي العيد: منظمة إرشاد المستهلك تحذّر..    عاجل/ نسبة امتلاء السدود تتجاوز 41%    ب5 دنانير فقط: احجز مكانك لمتابعة نسور قرطاج ضدّ بوركينا فاسو في رادس!    قفصة: توفّر 59 ألفا و500 رأس من الأضاحي    جمعية "المسعف الصغير" تنظم يوم الأحد المقبل الدورة الثانية من مهرجان أوسكار المسعف الصغير للأفلام القصيرة    اليوم تحري هلال ذو الحجة..    دراسة: الجلوس لفترات طويلة قد يسبّب الزهايمر    الكاف: استعدادا للامتحانات...حالة طوارئ لدى العائلات    توزر...الدورة الثانية ل«كتاتيب الجريد» إشعاع المستقبل    سيدي بوزيد...الملتقى الجهوي للكورال    باردو... في مسابقة التلاميذ سفراء المتاحف والمعالم الأثرية.. تتويج التلميذتين إسلام السياري من باجة ونهر الوحيشي من المهدية    









أوباما يوحي بالتغيير... لكن في الشرق الأوسط الأمل ليس كبير؟
الرئيس الأسود في البيت الأبيض:
نشر في الصباح يوم 06 - 02 - 2009

أخيرا رحل جورج بوش الابن عن البيت الابيض وترك كرسي الحكم على رأس أكبر دولة في العالم وذهب معه عهد مظلم لم يشهد العالم مثيلا له على مدى المائتين وثلاثة وثلاثين سنة التي تداول فيها عشرات الرؤساء على حكم أمريكا المستقلّة والموحدة.
فقد كان حكم الرئيس بوش الابن كارثة بأتمّ معنى الكلمة على العالم وبالخصوص على العالم الاسلامي والعربي وحتى على الشعب الامريكي الذي تركه بوش في مواجهة أزمة مالية معقدة وخطيرة سرعان ما تفشّت واصابت إقتصاد العالم بأسره مّما تسبّب في تفاقم البطالة ومزيد تأزم الاوضاع الحياتية في الدول الفقيرة وتراجع أداء الاقتصاديات العالمية وتدنّي مستوى المعيشة في الولايات المتحدة ذاتها وفي الدول المتقدمة بصفة عامّة...
بوش الابن ترك وراءه إرثا ثقيلا من المشاكل والازمات، والاخطر هو تلك التراكمات من الاحقاد والكراهية التي تسبّبت فيها عمليات القهر والظلم وسياسة المكيالين والهيمنة على القرار الدولي والتلاعب بالقانون الدولي وتراكم الاخطاء من احتلال العراق إلى تزكية العمل العسكري الاجرامي الذي مارسته اسرائيل في لبنان وسوريا وفي الاراضي الفلسطينية المحتلّة التي كان آخرها جريمة غزّة في آخر أيام عهد بوش...فكانت أياما سوداء، حزينة، وأليمة كرّست الكراهية لذلك العهد ولكل الذين شاركوا في حكمه وعلى رأسهم بوش الابن، وديك تشيني، ودونالد رامسفيلد وأعوانه في وزارة الدفاع من المحافظين المتطرفين بالاضافة إلى كونداليزا رايس وزيرة الخارجية التي مثلّت التجربة الاولى للمرأة على رأس وزارة الخارجية وكانت تجربة فاشلة تحفظ ولا يقاس عليها بل هي تجربة لا تشرّف النساء في أمريكا ولا في أي مكان من العالم...
وجاء الرئيس الجديد "باراك حسين أوباما" الذي ينتظر منه العالم بأسره أن يتجاوز أخطاء سلفه وينسي العالم ما تسبّب فيه من مآس وآلام وما خلّفه من أزمات وأخطار تهدّد حاضر البشرية ومستقبلها..
وقد بدأ أوباما عهده ببعض الاصلاحات الايجابية مثل إلغاء معتقل "غوانتانمو" والتأكيد على برنامجه القاضي بسحب القوات الامريكية من العراق على مراحل لا تتجاوز تاريخا معينا، ثم أطلق مؤشرات حسن نية مثيرة للاستحسان نحو العالم الاسلامي داعيا بالخصوص إلى علاقات جديدة بين أمريكا والمسلمين تقوم على الاحترام المتبادل ومراعاة المصالح المشتركة وهو موقف جريء لهذا الرئيس الذي يدخل البيت الابيض كأول رئيس أسود في تاريخ الولايات المتحدة الامريكية وكشخصية تمتاز عن سابقاتها من الرؤساء بروح عصرية تفهمها أجيال هذا العصر وتتناغم معها وتؤيدها لانّها تستجيب لتطلعاتها، من ذلك تأمين حقها في العمل وفي حياة مستقرّة وآمنة تتوفر فيها موارد الرزق الثابتة ويبتعد فيها شبح الحروب والمخاطر التي تهدّد حياة البشرية وتتقلّص فيها الفوارق بين الطبقات ويقع فيها بالخصوص تدارك المساوئ التي ينطوي عليها الاقتصاد الليبرالي وتكون فيها التكنولوجيا الحديثة هي السائدة في التعاملات على مختلف أشكالها بين الناس وفي وسائل النقل والترفيه والصحّة والتربية وغيرها من مجالات العمل والحياة.
الرئيس أوباما يحمل الخطاب الذي يتماشى مع رغبات الناس في بلاده وفي العالم وهو بالتالي يقطع مع اللغة الخشبية التي تعامل بها سلفه والقائمة على التكبّر والاستعلاء والتباهي بالقوّة وبالقدرة على استعمال العصا وتأديب الاخرين وتناول كافة القضايا بما في ذلك القضايا الاقتصادية بتلك الطريقة الاستعلائية المتطرفة مّما أدّى إلى الفشل الذريع في حلّ القضايا التي تشكو منها العلاقات الدولية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية... وكاد العالم أن يصبح في هذا العهد المظلم غابة لا مكان فيها ولا حياة إلاّ للوحوش الضارية..!
لكن بالنسبة للعرب والقضية الفلسطينية والوضع في الشرق الاوسط والعلاقة مع اسرائيل فإنّ أوباما،، لئن يستبعد أن يكون نسخة مطابقة للاصل من سلفه إلاّ انه لن يكون بالتأكيد نسخة تختلف كثيرا عن أسلافه من ايزنهاور إلى كلينتون خاصّة إذا ما وضعنا في الحسبان نوعية القادة الاسرائيليين المتواجدين حاليا على الساحة والذين يتنافسون الان على مناصب الكنيست ورئاسة الحكومة في صراع محموم كان وقوده الاشلاء البشرية الفلسطينية في غزّة والدمار الذي حصل لهذه الارض الفلسطينية المحروقة من العباد إلى الشجر والحجر... وهناك شعور سائد اليوم بأن الاسرائيليين يستعدّون في إنتخاباتهم التشريعية التي أصبحت على الابواب إلى الردّ على الانتخابات الرئاسية الامريكية التي جاءت برئيس أسود صغير السنّ نسبيا يحمل أفكارا جديدة وتطلعات جديدة ونظرة مغايرة وسيقوم حتما بتغيير في السياسة التي اتبعها سلفه والقائمة على التأييد المطلق لاسرائيل... والردّ الاسرائيلي سيكون مقابلة هذا التغيير في أعلى السلطة الامريكية بتغيير في أعلى السلطة الاسرائيلية يقابل السياسة المنتظرة للرئيس أوباما بسياسة متشدّدة ومتطرفة يقودها حزب الليكود برئاسة بنيامين ناتنياهو الذي يستعد لالغاء كلّ ما فعله سلفه سيء الذكر إيهود أولمرت بما في ذلك ما توصل إليه من تفاهمات يتيمة مع السلطة الفلسطينية...
فماذا سيفعل أوباما أمام حكومة اسرائيلية أكثر تطرفا من الحكومة الحالية وهو الذي لم يكن موقفه واضحا إزاء ما حدث من محرقة في غزّة على أيدي مجرمي الحرب الاسرائيليين في الحكومة والجيش...؟؟
ماذا سيفعل أوباما إذا قرّرت حكومة اسرائيلية متطرفة إلغاء كلّ التفاهمات التي حصلت مع الفلسطينيين والتخلّي عن المسار التفاوضي ومواصلة الحرب على غزّة والتوسع الاستيطاني واستمرار الحفريات تحت المسجد الاقصى وتهجير الفلسطينيين من داخل اسرائيل وفتح جبهات مواجهة جديدة مّما قد يؤدي إلى حرب شاملة يتسبّب فيها هجوم متوقع جدّا على المواقع النووية في إيران؟
هذه كلّها سيناريوهات تعدّ لها اسرائيل حاليا وتطبخها على نار هادئة حتّى لا يذهب أوباما بعيدا في تعاطيه مع القضية الفلسطينية والوضع في الشرق الاوسط وحتى لا ينسى أن اسرائيل لا ترضى إلا بسياسة أمريكية على طريقة بوش.
أما على الساحة الفلسطينية فإن الامر لا يبدو كذلك مهيئا لخدمة سياسة أمريكية جديدة ومختلفة عن سابقاتها... فبعد حرب الابادة التي تعرّضت لها غزّة إزدادت هوّة الخلافات اتساعا بين "فتح" و"حماس" وكل المؤشرات توحي بأنّ الخلاف سيحتدم أكثر وقد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه خاصّة في ظلّ الانقسام العربي الواضح بخصوص هذه المسألة وحتى الانقسام الدولي الذي يبدو جليا من خلال تضارب المواقف بين الاتحاد الاوروبي الرافض للتعامل مع "حماس" وطوني بلير ممثل اللجنة الرباعية الداعي للتفاوض معها...
هذا التأزم الفلسطيني الداخلي يبدو انه سيكون بالنسبة للوضع في الشرق الاوسط الموضوع الحاسم والعاجل الاول على مكتب أوباما الذي يتحتّم تجاوزه بشكّل من الاشكال لانّه يمثّل الان العائق الرئيسي أمام إعادة إعمار غزّة وهو في ذات الوقت عائق كبير أمام المسار السلمي وسيبقى حجّة دامغة عند الذين يرفضون هذا المسار وبالذات عند اسرائيل التي تبحث عن مثل هذه الحجج للتفّصي من الحلّ السلمي أو على أقل لتأجيله أكثر وقت ممكن حتّى تتمكّن هي من خلق واقع جديد على الارض يخدم مصالحها التوسعية ويمنع قيام دولة فلسطينية ويقلّص إلى أبعد حدّ سقف المطالب والشروط الفلسطينية وخاصّة ما يتعلّق منها بالقدس وحقّ العودة ورسم الحدود...
الرئيس الامريكي الجديد الذي لا ينتظر منه أصلا الشيء الكثير سوف يجد نفسه من أول وهلة غارقا في بحر من المشاكل التي لا أوّل لها ولا آخر بالنسبة للقضية الفلسطينية، وإذا ما ساير هذه الخطة التي فبركتها اسرائيل وتحرص على تكريسها وهي الخطّة القائمة على مراكمة الفوضى فوق الفوضى والازمة بعد الازمة والعمل العسكري وراء العمل العسكري والتجميد المفتعل للعملية السلمية في كل مرحلة تفاوضية مما يدعو الى حوارات جديدة على الهامش ووقت اضافي للتدخلات واجتماعات وقمم هامشية وتفاهمات جديدة لاعلاقة لها بصلب عملية السلام... إذا تواصلت هذه الخطّة في الظرف الراهن بالشكل المهيء لها أن تكون عليه فإن الرئيس أوباما سيجد نفسه مثل كلّ الرؤساء الامريكيين السابقين منساقا في المسار الذي سطّرته وتريده اسرائيل... الفلسطينيون والعرب بصفة عامّة هم الذين بيدهم أن يساعدوا الرئيس الامريكي الجديد على تطبيق سياسته ورؤاه والافلات من الكماشة الاسرائيلية... لكن بماذا سيبدأ العرب: بحلّ الازمة الفلسطينية الداخلية؟ أم بحلّ خلافاتهم حول الازمة الفلسطينية؟ أم بحلّ خلافاتهم المزمنة الاخرى؟ أم بتحديد موقف موحّد إزاء اسرائيل؟ ثم هل سبق للعرب أن ساعدت مواقفهم أي رئيس أمريكي سابق على التحرر من الضغوط الاسرائيلية ولو نسبيا بما يفضي إلى تخفيف الخناق على الفلسطينيين وتقليص معاناتهم وقطع خطوات ملموسة في إتجاه الحلّ النهائي والمشرّف وحرمان اسرائيل من الاصطياد كثيرا في الماء العكر واللعب كثيرا في الوقت الضائع؟...
ولا شكّ أنّ فشل أي سياسة إيجابية مهما كانت ضئيلة للرئيس أوباما ووضعه تحت العباءة الاسرائيلية مثل كلّ الرؤساء الامريكيين "بفضل" قوّة تأثير اللوبي الصهيوني وقوّة اللعبة السياسية التي تحاك في تل أبيب سيشكل ضربة قاسمة للقضية الفلسطينية لانّه يعتبر فشل لارادة تغيير سياسة بوش المذمومة والخطيرة على مصير القضية والمنطقة برمتها وإذا فشلت الرغبة السياسية في تغيير سياسة بوش فإنّ هذه السياسة هي التي ستبقى وهي التي سيقع تكريسها على مدى أحقاب قادمة مع أوباما ومع من سيأتي بعده... ولن تنتهي الكارثة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.