تمارس اسرائيل قمعها ضد الشعب الفلسطيني. تحتل الأراضي وتنكل بالشعب ولا تعترف له بأي حق وتضرب عرض الحائط بكل القرارات الدولية ولا تولي أي اهتمام لمختلف المعايير الأخلاقية. تقتل الأطفال وتطلق النار على سيارات الإسعاف وتهدم البيوت فوق رؤوس أصحابها وتجرف الأراضي وتمنع التموين على مئات الآلاف من السكان وتغرقهم في الظلام كما تفعل مع سكان غزة بفلسطين وتحيط الضفة الغربية بالحواجز وتقيم حائطا للفصل العنصري و... و... و...ثم تتجمل وتخرج أمام العالم في حلة الديمقراطية وكأن أيديها ليست ملوثة بدم الضحايا من الأطفال والنساء وآخرهم ضحايا غزة. هؤلاء الذين تأبى الضمائر الحية أن تطوي صفحتهم وأن تنسى عمليات التنكيل التي سلطت عليهم مدة فاقت ثلاثة أسابيع طويلة كانوا فيها هدفا مباشرا لسيل من القنابل تصيبهم من الجو والبحر والبر خلال العدوان الإسرائيلي المشهود على قطاع غزة. والغريب أن العالم ينخرط في لعبة اسرائيل وبجرة قلم ينسى هذا العالم أنه قبل أيام قليلة من موعد الإنتخابات التشريعية الصهيونية التي صادفت يوم الثلاثاء كانت الدولة العبرية تواجه بأضخم ترسانة عسكرية في العالم شعبا شبه أعزل، شعبا محاصرا ومقطوعا عن العالم ومحروما من مختلف أسباب الحياة العادية من غذاء وماء صالح للشراب وكهرباء ودواء. عصابة السوء تتسابق في ممارسة البطش والعدوانية خرجت عصابة السوء بمختلف عناصرها كل يمثل حزبه لخوض الإنتخابات التشريعية التي أجريت قبل أوانها، كل يتنافس على نيل ود الشعب الإسرائيلي الذي وكما بدا واضحا من خلال تأييده الكبير للعدوان الأخير على غزة يعطي صوته لكل من يتأكد من أنه الأكثر قدرة على البطش والأكثر عدوانية ضد الفلسطينيين. أغلب المتتبعين لهذه الإنتخابات كان يضع يده على قلبه متخوفا من احتمال انتصار اليمين وخاصة اليمين المتشدد والمتطرف. الناس تخشى صعود «بنيامين ناتنياهو» إلى سدة الحكم من جديد ليكوّن حكومة خلفا للحكومة التي كان يترأسها إيهود أولمرت الذي تورط في عدد من قضايا الفساد إضافة إلى حروبه الفاشلة ضد كل من لبنان وغزة. التخوفات من ناتنياهو ناتجة عن أن الرجل لا يخفي مشاريعه بشأن المستقبل الذي أعده للفلسطينيين. فهو مثلا غير موافق على الخروج من قطاع غزة حتى ولو كان هذا الخروج من القطاع كان وراءه «شارون» الذي كان عصره دمويا جدا والذي لم يترك وسيلة قمع إلا ومارسها ضد الشعب الفلسطيني. بنيامين ناتنياهو يزمع أن يذهب بعيدا في القمع ولا يريد لأحد أن يحدثه عن وجود العرب في القدس ولا يريد أي وجود لفلسطينيين بالأرض المقدسة. ولكن ما هو وجه الإختلاف مع بقية القياديين الإسرائليين؟ ماذا فعل إيهود باراك بالشعب الفلسطيني وهو ينتمي لحزب العمل وكم من جريمة تحمل إمضاءه ارتكبت في حق الشعب الفلسطيني؟ وفيما تختلف «تسيبي ليفني» عن الحزب اليميني الذي يعرف «بكاديما» عن ناتنياهو وحزبه «الليكود» اليميني الصهيوني المتشدد. بماذا تختلف هذه المرأة عن بقية القادة الدمويين وهي التي قامت بصولات وجولات في العدوان الأخير على غزة وهي التي تلوح في كل مرة بالضغط على الزناد كلما تعلق الأمر باسكات الحق الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية. لم يتردد واحد من بين هؤلاء الذين تسابقوا في هذه الإنتخابات في الإعلان عن استعداده الكامل لاستعمال القوة والبطش ضد الفلسطينيين ليحققوا أكثر فرص للفوز. عندما يصبح العدوان على غزة ماضيا بعيدا نقلت الكاميرات بتلفزيونات العالم أخبار الحملة الإنتخابية التشريعية بالدولة العبرية وكأن الأمر لا يتعلق بدولة احتلال فاشية تمارس الإرهاب المنظم ضد شعب أعزل وتتباهى بالقوة العسكرية وتمارس عربدتها في المنطقة كاملة وبانت اسرائيل أمام الرأي العام العالمي دولة تمارس الديمقراطية وتحترم الشرعية والقانون والمؤسسات بداخل البلاد وبالتالي فإن العدوان الأخير على غزة أصبح وكأنه ماض بعيد . كما نقلت الكاميراهات نتائج هذه الإنتخابات التي انتهت كما هو معروف بمنح العدد الأكبر من المقاعد لليمين بمختلف أشكاله وإلى الأحزاب الدينية المتطرفة في حين حقق حزب العمال ومن ورائه إيهود باراك وزير الدفاع بالحكومة المتخلية ما وصف بأنها أسوأ نتيجة في تاريخ الحزب وهكذا فإن إيهود باراك لا يجني الثمار التي كان يطمع في جنيها من خلال عدوانه على غزة لأن البطش الذي مارسه وتلك الأطنان من المتفجرات التي ألقاها على رؤوس الفلسطينيين كانت على ما يبدو غير كافية في نظر الناخب الإسرائيلي ولم تكن كفيلة بجعل هذا الشعب يشعر بالأمان وهو يطالب بمزيد من الدم وهكذا فإن باراك رغم ما أظهره من جبروت في عدوانه على غزة في أقصى الحالات سيمنح حقيبة وزارية قد لا تكون تتوافق مع انتظاراته. تسوق اسرائيل نفسها جيدا وتستفيد من كونها الدولة الوحيدة تقريبا في الشرق الأوسط التي تمارس الديمقراطية وفق القواعد المعمول بها في الغرب. وهي بمشاهد حول شفافية الإنتخابات واستسلام المرشحين لما تفرزه صناديق الإقتراع تجني الكثير وتحول أنظار العالم عن جرائمها ضد الفلسطينيين. وفي الوقت الذي ينبغي فيه أن يساق هؤلاء المرشحون إلى المحاكمة أمام محكمة الجنايات الدولية بعد ما اقترفت أيديهم من جرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب بغزة نجد العالم يصفق لهذه الإنتخابات ويتابعها باهتمام. إن العيب لا يوجد في الديمقراطية في المطلق ولسنا في حاجة لتقديم مرافعة حول الديمقراطية ومزاياها وحاجة الشعوب إلى التداول على الحكم بشكل ديمقراطي في إطار احترام القانون والمؤسسات ولكن الخلل يكمن في ذلك المناخ السياسي بالمنطقة الذي تتحرك فيه اسرائيل والتي يجعلها ومقارنة بجيرانها تبدو في مظهر الدولة العصرية المتحضرة التي تتم فيها عملية التداول على الحكم بشكل سلمي وديمقراطي في حين تبقى بقية الأنظمة متخبطة تبحث عن شرعية ما أمام شعوبها وأمام الرأي العام الدولي. وهو وضع تستفيد منه الدولة العبرية جيدا وتستغله كما ينبغي لتبقى الدولة الوحيدة في العالم تقريبا المارقة والخارجة عن القانون الدولي دون أن تخضع لعقوبات أو تتبعات أو محاسبة. لقد عربدت اسرائيل بغزة وقتلت وشردت وجعلت الآلاف من سكان القطاع تحت الخيام بعد أن هدمت بيوتهم ودمرت أحياء بالكامل وقضت على مختلف مكونات الحياة ومعظم البنية الأساسية بغزة وكانت قبل ذلك لا تنقطع عن ممارسة مختلف أشكال القمع ضد الشعب الفلسطيني بكامل الأراضي المحتلة مهما تنوعت الحكومات والأحزاب ولا نرى أن هناك ما يدل على أنها تنوي التخلي عن هذه العادة قريبا ثم تخرج على العالم في ثوب الديمقراطية وهوذلك الغطاء الذي تتقن جيدا استعماله لتغطية سلوكها الفاشي خارج البلاد وارهابها الذي تمارسه ضد شعب بالكامل يبدو أن الغطاء لم يكن بالمساحة الكافية هذه المرة لتغطية كامل العيوب فدرجة الفظاعة التي كان عليها عدوانها الأخير بغزة جعل الوحش يكشف عن أنيابه كاملة بما لا يمكنه أن يخفي مستقبلا حقيقة طبيعته العدوانية بيسر.