اذا اختار الرئيس الامريكي باراك اوباما الاعلان اليوم عن خطته لسحب القوات الامريكية من العراق خلال ستة عشر شهرا، فلن يكون في الامر مفاجاة بل سيكون اوباما قرر بذلك المضي قدما في تنفيذ جزء من الوعود التي كان التزم بها للناخب الامريكي خلال الحملة الانتخابية التي أوصلته الى البيت الابيض وذلك قبل ان تبدا عملية التقييم التقليدي لعمل الادارة الجديدة في المائة يوم الاولى لها وما يمكن ان ترصده استطلاعات الراي الامريكي بشانها. ولاشك انه فيما تم تسريبه حتى الان بشان توجه الرئيس الامريكي للاعلان عن هذه الخطوة من قاعدة كامب لوغان بكارولينا الشمالية وهي اكبر قاعدة للمارينز ما سيحمل في طياته رسالة مزدوجة تراوح بين العصا والجزرة واول خطوطها ان يتعمد الرئيس الامريكي الاشارة من ذلك الموقع الى حجم قوة الردع العسكرية الامريكية وجاهزيتها للتدخل اذا ما اقتضى الامر ذلك ولكن ايضا دون ان يتخلى في نفس الوقت عن ابداء ارادته في القطع مع خيارات سلفه جورج بوش الابن والتخلص من تبعات الارث الذي اثقل كاهل دافعي الضرائب الامريكيين وارهق الجنود وافلس البنتاغون من مخططاته العسكرية بما بات يتعين على ادارته الجديدة التعامل مع هذا الإرث بما يقتضي تجنب المزيد من الكوارث والخسائر المادية والبشرية فضلا عن اصلاح صورة امريكا ومصداقيتها المهتزة في جزء كبير من العالم. قد لا يختلف اثنان ان الانسحاب الامريكي لم يعد مجرد خيار مطروح منذ فترة بل مطلبا اكيدا ضمن المطالب العالقة على مكتب الرئيس الامريكي الجديد في انتظار توفر المخرج الذي يحفظ ماء الوجه. ولاشك ان الاتفاقية الامنية التي حرص سلفه على توقيعها في الايام الاخيرة من ولايته قد مهدت لاوباما المضي قدما في وضع حد لحرب تدخل سنتها السابعة على التوالي وتجاوزت تكاليفها الستمائة مليار دولار وهي الاتفاقية التي حددت بنودها شكل وابعاد الوجه الجديد للاحتلال المقنع في العراق بعد ان تختفي البدلات العسكرية من المواقع الحساسة في ارض العراق لتنتقل الى أروقة السفارة الامريكية العملاقة الواقعة في المنطقة الخضراء بما يكفي لابقاء السيطرة الامريكية على حقول وعقود النفط التي يتم توقيعها دون أي تدخل من الحكومة العراقية.. لقد بات واضحا ان اوباما يصر على طي صفحات ملف العراق بكل جروحه المثخنة مقابل توجه نحو تعزيز الوجود الامريكي في افغانستان لمواصلة حرب سلفه المعلنة على الارهاب وهي حرب لم تعد تحظى بإجماع في العالم.. فهل يسقط أوباما في الفخ الذي وقع فيه بوش الإبن؟