المريض هو اللي باش يطلب استرجاع المصاريف من الكنام.. تفاصيل جديدة    وزير التجهيز والإسكان يؤكد على تفعيل الدور الرقابي للتفقدية العامة بالوزارة    الحماية المدنية: 597 تدخلا منها 105 لإطفاء حرائق خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية    أكثر من 100 شهيد في مجازر ارتكبها الاحتلال في قطاع غزة    الرابطة الأولى: تشكيلة الترجي الجرجيسي في مواجهة الإتحاد المنستيري    سبالينكا تنسحب من بطولة الصين المفتوحة للتنس بسبب الإصابة    مقارنة بالسنة الفارطة: زيادة ب 37 مدرسة خاصة في تونس    قطاع التربية يحتج اليوم: ساعتان من الغضب داخل المؤسسات وأمام المندوبيات    ابحار 12 سفينة ضمن أسطول الصمود المغاربي لكسر الحصار عن غزة    الإحتلال يقصف مستشفى الرنتيسي للأطفال بغزة    عاجل/ الاحتلال الصهيوني يرتكب مجازر جديدة في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    دموع المستشار الألماني تستفز العرب على مواقع التواصل    أسباب غير متوقعة وراء نقص حالات الزواج عند التونسيين    عاجل: الصوناد تدعو التونسيين للتبليغ عن الإخلالات والإشكاليات    الكورة اليوم ما تفلتهاش... هذا برنامج المقابلات للرابطة الأولى    الدورة 28 من تحديات الشط: حدث رياضي وثقافي استثنائي في قلب الجنوب التونسي    رابطة أبطال اوروبا : يوفنتوس ينتزع التعادل 4-4 من دورتموند في الوقت بدل الضائع    رابطة ابطال اوروبا - مبابي يحرز ركلتي جزاء ليقود عشرة من لاعبي ريال للفوز على مرسيليا    طقس اليوم: سماء قليلة السحب    بنزرت: إصابات خفيفة في انقلاب حافلة عمّال بغزالة    11 جريحا في حادث مرور بين سيارتين.. #خبر_عاجل    القيروان: النيابة العمومية تأذن بتشريح جثة العرّاف ''سحتوت'' بعد وفاته الغامضة    عاجل: طلبة بكالوريا 2025 ادخلوا على تطبيق ''مساري'' لتأكيد التسجيل الجامعي..وهذا رابط التطبيقة    عاجل: تعرف على نسب الفائدة الفعلية والمشطّة لكل نوع من المساعدات    أمل جديد لمرضى القلب.. تشخيص مبكر ينقذ الحياة في دقائق    عاجل: الكشف عن إصابة نجم الأهلي المصري ''بفيروس خطير''... هل انتقلت العدوى إلى باقي اللاعبين؟ نتائج التحاليل تكشف المفاجأة    جريدة الزمن التونسي    جريدة الزمن التونسي    فيينا.. مقتل شخصين وإصابة آخرين بإطلاق للنار في مبنى سكني    إيران تنفذ حكم إعدام بجاسوس للموساد    مهرجان بغداد السينمائي يكرّم السينماء التونسية    رغم تراجع الصادرات... دقلة النور تواصل ريادتها في السوق العالمية    أخبار النادي الإفريقي .. البنزرتي مطالب بالتغيير    مونديال الكرة الطائرة بالفلبين...هزيمة أمام إيران وصراع الخميس مع مصر    مولود ثقافي جديد .. «صالون الطاهر شريعة للثقافة والفنون» ملتقى المثقفين والمبدعين    وزير الصحة يزور مستشفى "سامسونغ" الذكي في سيول    بين قفصة والمتلوي.. اصابة 11 شخصا في حادث مرور    توزر: مهنيون يتطلعون إلى تحسين المنتج السياحي وتسويقه والعناية بنظافة المدن وتنظيمها استعدادا للموسم السياحي الشتوي    كيف سيكون الطقس هذه الليلة؟    مشاركة تونسية لافتة في الدورة 13 من المهرجان الثقافي الدولي للمالوف بقسنطينة    وفاة العرّاف "سحتوت" بمبيد حشري: النيابة العمومية تتدخّل.. #خبر_عاجل    فيلمان تونسيان ضمن مسابقات مهرجان الجونة السينمائي    وفاة روبرت ريدفورد: رحيل أيقونة السينما الأميركية عن 89 عامًا    عاجل/ تجدّد الغارات الإسرائيلية على اليمن    لأوّل مرة: هند صبري تتحدّث عن والدتها    راغب علامة عن زوجته: لم تحسن اختياري    يوم وطني الخميس 18 سبتمبر الجاري لتقييم موسم الحبوب 2025/2024    من 15 إلى 19 أكتوبر: تنظيم النسخة السادسة من الصالون الدولي للسلامة الإلكترونية    حجز 4،7 أطنان من الفرينة المدعمة لدى إحدى المخابز المصنفة بهذه الجهة..    بنزرت: توجيه واعادة ضخ 35.2 طنا من الخضر والغلال والبقول بسوق الجملة بجرزونة    إلغاء إجراء تمديد عقود CIVP    انطلاق المخطط الوطني للتكوين حول الجلطة الدماغية    "غراء عظمي".. ابتكار جديد لعلاج الكسور في 3 دقائق..    كلمات تحمي ولادك في طريق المدرسة.. دعاء بسيط وأثره كبير    أولا وأخيرا ..أول عرس في حياتي    أبراج باش يضرب معاها الحظ بعد نص سبتمبر 2025... إنت منهم؟    خطبة الجمعة .. مكانة العلم في الإسلام    مع الشروق : الحقد السياسيّ الأعمى ووطنية الدّراويش    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشابي يموت مرتين
رأي
نشر في الصباح يوم 02 - 03 - 2009

كما هو معلوم نحتفل هذه الأيام بمائوية الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي التي أقيمت بالجريد التونسي وتحديدا بمدينة توزر مسقط رأس الشابي والتي تحول لها المشاركون في هذه المائوية من شعراء وصحفيين عن طريق الجو.
وقد علمت من بعض الأصدقاء الذين حضروا في هذه التظاهرة الثقافية ان بعض الشعراء طالبوا بمستحقات مالية مقابل حضورهم إلى توزر. وفي اعتقادي أن هذا المطلب هو إعلان جديد عن موت الشابي. بمعنى أن هذا الشاعر الذي فارقنا جسدا من بداية القرن الماضي قد قبرنا رؤاه ومواقفه في مائويته عندما يطالب هؤلاء الشعراء بمستحقات مقابل قراءة نصوصهم وهم يدركون أن الشابي هو الشاعر الذي رفض المتاجرة بالأدب وثار ضد شعراء التكسب أو ما يطلق عليهم ''بأعطه ألف دينار''... فهل من المعقول أن يطالب هؤلاء بحق تنقل في سيارة أجرة أو بمقابل لا ينفع ولا يضر الجيوب في مائوية شاعر كان رمزا ومثلا أعلى للترفع وناضل من اجل أن يظل الشعر حرا وألا يظل الشاعر عبدا للدينار وعلى باب اي كان للتكسب من شعره... من المفروض أن تكون هذه المحطة التاريخية والثقافية وقفة تأمل وافتخار واقتداء بشاعر حمل هم أمة فكريا وأدبيا ونضاليا وأذاع صيتها في المشرق والمغرب على صغر سنه...
وفي اعتقادي يعتبر فيلم ثلاثون للفاضل الجزيري هو أول انخراط في الموت المعنوي لأبي القاسم الشابي عندما قدمه لنا صاحب الحضرة والنوبة في وجه متصاب وهش لا نكاد نعرفه نحن المطلعون على شعره.. فما بالك بالنسبة للجيل الجديد الذي سيعتمد فيلم الجزيري لمعرفة الداعي لإرادة الحياة ومؤلف الخيال الشعري عند العرب وهي الطامة الكبرى لأن شعره الثوري والذي يدل على ذاك الرجل الفحل والقوي لم يرد بالصيغة التي يجب ان تكون في الفيلم.
ونعود لظاهرة الشعر بمقابل فهي في الحقيقة دخيلة على الساحة الثقافية في تونس ويبدو أن سنوات قليلة ماضية تشهد على بدايتها وكان الشاعر المنصف المزغني هو صاحب الفضل والسبق في سن هذا التقليد وهذه السنة الحميدة للشعراء لتنتشر وتعم كامل أرجاء بلادنا ويصبح الشعر بمقابل كما كان في القديم في بلاط الأمراء والملوك وليعوض مبلغ 150 دينارا المحدد حاليا لقراءة الشعر المبلغ المشهور كما تعلمنا ذلك في الأفلام وهو ألف دينار مقابل مدح السلطان والخليفة...
وقد أصبح هذا التقليد الدخيل تجارة رابحة لبعض الشعراء الذين اختاروا ضبط رزنامة سنوية يجوبون بمقتضاها المهرجانات ودور الثقافة ليتقاضوا على القراءة الواحدة 150 دينارا وليقدموا أربع قراءات على الأقل في الشهر.أما اؤلئك الشعراء الذين يشرفون على ملاحق ثقافية فحدث ولا حرج.
وعادت بي الذاكرة إلى وقت غير بعيد عندما أعلن أحدهم عن نفسه شاعرا في غفلة من أمره وأمرنا وهو في عقده الخامس وأصبح هذا المولود الجديد في الخمسين مرجعا في الشعر إلى درجة أنه أصدر كتبا قدمه لها شعراء معروفون في تونس على سبيل الخدمات المتبادلة وبالمقابل كما جرت العادة وأصبحت بين هذا الشاعر الجديد وبعض زملائه نار مشتعلة لأنه أصبح يزاحمهم في الأمسيات الشعرية ويقتسم معهم '' المرطبات الشعرية''.
ولم ينحصر الأمر في حدود الشعر بالنسبة لبائعي الثقافة المتجولين بل شمل عدة اختصاصات أدبية مثل الرواية والقصة ومن هؤلاء أيضا من ولد ولادة قيصرية وأعلن عن نفسه أديبا وكاتبا نازحا في كل المجالات وهو في أرذل العمر وأصبح يصول ويجول في البلاد ليجمع المال بصفة محاضر أو عضو في لجنة التحكيم وأصبح مرجعا يلتجأ إليه...
وفي الحقيقة هذه الأخلاق غير الأدبية ولا الشعرية لم نعرفها إلا في السنوات الفارطة عندما أصبح للإبداع مفهوم التكسب وعندما تحولت الكتابة من تحقيق الذات ووسيلة للتعبير إلى أسلوب تجاري مقنع عند الأغلبية للأسف... ولعل الأخطر من ذلك أن تصبح العلاقات والوساطات هي المحدد للشعراء عوض المواصفات الحقيقية مثل الخلق والإبداع .عندئذ يجوز لنا أن نتساءل عن الفرق بين هؤلاء وأصحاب العربون... أو بين بائع متجول للسلع وبائع ثقافة متجول. قد يحسن في هذا الصدد أن أذكر من طرائف الشاعر المنصف المزغني سؤاله الإنكاري كيف نقرأ على الموتى بمقابل و نقرأ للأحياء مجانا؟ وقد هاتفته يوما راغبا في أن اجري معه حوارا فقال لي لا بد أن تدفع فقلت له إنني لا انوي دعوته لأمسية شعرية أو لعرس لقول الشعر اوللغناء (علما وان المنصف المزغني لمن لا يعلم يغني ويقرأ الشعر) فأجابني بأن شيطان شعره صفاقسي ولا بد أن يدفع له حتى تنساب قريحته ويقبل الحوار معي... ولئن قالها المزغني على سبيل الدعابة فإن هذه الظاهرة أصبحت للأسف حقيقة مرة وواقعا جديدا عندنا وقد أثر هذا على جودة الشعر لدرجة انك أصبحت عاجزا عن عد الشعراء في تونس وعن التمييز بين الشعر والشعير... فهل سيكون الشعراء مجبرون يوما على حمل بطاقة «شاعر محترف»؟
وحيد عبد الله
للتعليق على هذا الموضوع:


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.