«لسنا أعضاء في المحكمة الجنائية الدولية ولا نعترف بها ولا نقبل بقراراتها» الى اين يتجه المشهد السوداني بعد اصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بشان الرئيس عمر البشير؟وماذا وراء هذا التوقيت لاصدار المذكرة؟ وما هي الخيارات المطروحة امام السودان ؟ و ما هي تداعيات طرد 13 منظمة اغاثة من دارفور ؟وهل يمكن فعلا للمحكمة الجنائية المرور فعلا الى محاولة اعتقال الرئيس السوداني وكيف استعدت السلطات السودانية لمواجهة هذا الحدث قانونيا وسياسيا واعلاميا؟ وماهي السيناريوهات المستقبلية المحتملة وتداعياتها في السودان؟و هل من مجال للتعويل على دور للاتحاد الافريقي او الجامعة العربية لتاجيل المذكرة او الغائها هذه التساؤلات وغيرها كانت محور هذا اللقاء مع السيد حيدر ابوزيد السفير السوداني الذي وجدناه غارقا بين متابعة اخبار الفضائيات وبين متابعة الصحف المحلية وتطورات الاخبار المتعلقة بالاحداث في السودان ومختلف ردود الافعال المسجلة وقد شدد السفير السوداني الذي تقبل اسئلتنا الاستفزازية في كثيرمن الاحيان بهدوء وديبلوماسية على الاشادة بمواقف تونس الرسمية والشعبية ازاء ما يستهدف السودان وما لمسه من تعاطف مثير في مختلف الاوساط الحزبية كما في الشارع التونسي ازاء الاحداث التي يعيش على وقعها السودان وفيما يلي نص الحديث.
* كيف تقرؤون قرار المحكمة الجنائية الدولية باصدار مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني ولماذا الان برايكم؟ - القرار يأتي ضمن حلقة من المسلسل التآمري ضد السودان منذ اكثر من عقد وهذا التحرك يستهدف امن واستقرار السودان وهو ليس من فراغ فموقع السودان في افريقيا وفي العالم العربي وثرواته ودوره محل اطماع ولكني اذكر بان طبيعة الانسان السوداني ووعيه بما يدور من حوله تؤكد عدم استسلامه عبرالتاريخ لكل المخططات الاستعمارية وانتهازسياسات تدعم التحرر الافريقي وتقف الى جانب القضايا العربية بما تعارض مع مصالح سياسية واقتصادية غربية .لقد حاول السودان ان يكون مستقلا في استثمار موارده والاستفادة منها فاصبح بذلك هدفا .لقد ظلت مشكلة الجنوب ومنذ الاستقلال تصور على انها صراع بين شمال عربي مسلم وجنوب مسيحي زنجي وقد كلفتنا تلك المشكلة الكثير من دماء وارواح ابنائنا في الشمال والجنوب واعاقت مشاريع التنمية وهدمت الكثير من البنية التحتية خاصة في الجنوب والمناطق التي تضررت من الحرب وجائت اتفاقية نيفاشا لتوقف اطول حرب في افريقيا وكانت اتفاقية يحتذى بها وبضمانة الاممالمتحدةوالولاياتالمتحدة وكل الاصدقاء والشركاء في ايغاد وصمتت اصوات البنادق وبدات مسيرة الوحدة وكانت جاذبة حفاظا على الامن القومي السوداني والامن القومي العربي خاصة وان السودان يمسح مليون ميل مربع وله حدود مع تسع دول واستقراره من استقرار المنطقة. ولكن ما حدث انه وبعد اقل من سنة جائت مشكلة دارفوربنفس الدعاوى السابقة التي تروج الى ان المسلمين يبيدون المسيحيين فصورالغرب بذلك مشكلة تقليدية عمرها مائة عام تدور بين الرعاع والمزارعين وحولها الى مشكلة عرقية وهولوا في تقديم ارقام خيالية عن القتلى كل ذلك حدث فيما كانت مسيرة التنمية في البلاد تستمر وكانت متقدمة بشهادة البنك الدولي حيث واصل السودان استخراج النفط بعد ان رفض شروط الشركة الامريكية شفرون واعتمد بدلا من الامريكيين على اصدقاء من العالم العربي واسيا ونحن لا نكشف سرا اذا اشرنا الى ان دارفور تزخر بالثروات المعدنية والنحاس واليورانيوم بل ان الابحاث تشير الى ان المنطقة تحتضن اكبر احتياطي من المياه الجوفية في العالم بشهادة العالم فاروق الباز. * اذن ماذا وراء هذا التوقيت لاصدار مثل هذا القرار؟ - عندما بدأ السودان في الاستفادة من خيراته في ظل ازمة غذائية عالمية وعندما رفض الشروط والاملاءات ورفض التطبيع مع الاعداء ولم يرهن سيادته وقراراته مع الغرب وعندما شعر الغرب بان بلدنا مقبل على انتخابات في اتجاه الديموقراطية كان على السودان ان يدفع ثمن هذا الخيار فطلع علينا اوكامبو واختيار هذا التوقيت ليس صدفة والمقصود من وراء ذلك وقف مساعي السلام الحالية التي يشارك فيها الاتحاد الافريقي والجامعة العربية والمؤتمر الاسلامي خاصة بعد نجاح الوسطاء في اجتماعات الدوحة في ضم اكبر فصيل وهو فصيل "العدل والمساواة "الى المفاوضات والتوصل الى اتفاق حسن النوايا كبداية للحل المطلوب في دارفور.و قد جاء الاعلان فيما كان السودان يفتتح مشروع اكبر سد في افريقيا من شانه ان يضاعف الطاقة المنتجة وامكانيات الري والحقيقة ان الرسالة التي حملتها المذكرة الى الفصائل المسلحة كانت سلبية جدا فكان اول رد فعل من جانب عبد الواحد زعيم اكبر فصيل وهو فصيل العدل والمساواة ايقاف عملية السلام ومع ذلك فان السلطات السودانية ستبقى حريصة على الا تؤثر هذه الاجواء على كل الاستثمارات الحاصلة في السودان * باستثناء كل التحركات الشعبية وما راه العالم من تضامن بين مختلف القوى الفاعلة في السودان كيف استعد السودان لمواجهة هذه السابقة بمعنى ماهي السيناريوهات المطروحة لديكم اقليميا ودوليا على مختلف الصعد للخروج من هذه الازمة؟ - اولا نحن نرفض قرار المذكرة وذلك لسبب بسيط جدا فالسودان ليس عضوا في هذه المحكمة ولم يوقع عليها وبالتالي لا يعترف بها وبما يصدر عنها ونحن نستغرب فعلا ان الولاياتالمتحدة بكل ما في سجلها من انتهاكات للقانون الدولي والتي لم تقبل بالمحكمة بدورها تتجرا على اعتبار الرئيس السوداني شخصا مطلوبا للعدالة .و لكن في المقابل نحن نتعامل مع الحدث بكل حكمة وبكل مسؤولية ونحن حريصون على امن وسلامة كل البعثات الديبلوماسية والمنظمات الدولية وكذلك امن المواطن السوداني * الا ترون ان قرارالسودان طرد نحو ثلاثة عشر من المنظمات الانسانية من شانه ان يزيد تعقيد الامور وان يحسب ضد السودان في هذه المرحلة؟ - هناك اكثر من 150 منظمة اجنبية في السودان وقد طردنا منها 13 لعدم التزامهم بالقوانين الموجودة في السودان وفي اعتقادي فان أي دولة لا تحترم سيادتها لا يمكنها التهاون بامنها هكذا علمنا الغرب الذي لايسمح لاي كان بالتلاعب بامنه القومي. والان قد بدا هؤلاء يتباكون على الوضع الانساني في دارفورو نحن نقول مجددا بان السودان ملتزم بايجاد حل سلمي في دارفورو وانه لا يزال يمد يده للفصائل الحاملة السلاح لطرح جميع القضايا دون شروط مسبقة وكما وصلنا الى حل في مشكلة الجنوب التي استمرت منذ الخمسينات يمكننا تحقيق هذا الهدف في دارفور وجاهزون لذلك ولا نطلب من المحيط الاقليمي والدولي سوى توفير الاجواء التي تساعد على استقرار السودان واستقرار المنطقة. * مالمطلوب في هذه المرحلة اذن؟ - اول خطوة هي الوحدة الوطنية التي تجلت في ابرز مظاهرها ومنذ اللحظات الاولى بين كل القوى السياسية وحتى المعارضة في البرلمان وهذا هو صمام الامان الاول في هذا الظرف الدقيق وما نلاحظه ان كل الجهود الوطنية قوبلت بتعنت من دول دائمة العضوية في مجلس الامن الدولي وهي اساسا امريكا وفرنسا وبريطانيا ولكن في المقابل فان غالبية الاسرة الدولية تقف الى جانب السودان وهذا يشكل بدوره عنصر ضغط على مجلس الامن وعلى الراي العام الحر والجامعة العربية الى جانب الاتحاد الافريقي يتحركان بشكل جدي وانسحاب الدول الافريقية من المحكمة امر مطروح بشكل جدي.. * ما الذي يجعلكم واثقون من هذا الامرالا تخشون ان نخطئ مجددا في قرائة التاريخ ونحن بارعون في ذلك وان يتكرر سيناريو العراق في السودان؟ - هناك اعتقاد راسخ لدى كل هذه الاطراف بان القرار يستهدف السودان وحده واننا امام محكمة مسيسة لتاديب الشعوب والتمهيد لعودة الاستعمار بشكل جديد لانه لم يعد ممكنا عودة الاستعمار بالدبابات وقد كشفت ذلك حرب العراق ولنا عبرة فيما يحدث في دول امريكا الاتينية وما يحدث الان في السودان هو بداية وما تم تلفيقه للبشيريمكن تفصيله على كل زعيم عربي او افريقي... * اصرارالرئيس السوداني على التحدي باعلانه المشاركة في القمة العربية المرتقبة في الدوحة اليس قرارا متسرعا ثم ما الذي يمكن ان يضمن عدم التعرض له جوا او عدم وجود صفقة سرية تفضي الى اعتقاله؟ -السيناريو قائم فعلا وهو ما سبق لاوكامبو الاشارة اليه مع اثنين من المسؤولين السودانيين وهما احمد هارون وزير الشؤون الانسانية وقائد ميليشيا الجنجويد علي كونيب وهما في طريقهما الى الحج وقد صرح المدعي العام الارجنتيني انه كان لديهم نية اختطاف طائرتهم هكذا تتحدث محكمة تدعي رفع راية العدالة ولا تخفي نيتها القيام باكبر عمل ارهابي من نوعه في اختطاف طائرة حجيج وترويع ركابها طبعا بكل ما يمكن ان يعنيه ذلك من سيناريوهات كارثية كل هذا نقوله ونحن على وعي بان كل الاحتمالات قائمة وموجودة ونحن نضع في الحسبان كل السيناريوهات والقرائة السريعة لمواقف الادارة الامريكيةالجديدة من الوضع في العراق والشرق الاوسط كلها تشير الى ان النوايا تبقى نفسها وان اختلفت الاساليب ونحن على قناعة بان السودان وهو اكبر بلد افريقي لن يكون نزهة لمن يريد استهدافه. * ماذا تنتظرون من القمة العربية القادمة؟ - الاجتماع الطارئ لجامعة الدول العربية يؤكد ان الحدث كبير واننا في مواجهة سابقة فالامر يتعلق بقائد من القادة العرب تصدر بشانه مذكرة توقيف وما سجلناه منذ البداية ان الجامعة تتفاعل مع كل الاحداث في السودان واصدرت عديد البيانات المؤيدة للخرطوم واخرها اجتماع وزراء الخارجية العرب قبل يومين ورفض كل اجراء من شانه ان يعطل مساعي السلام في السودان . ما ننتظره في الدوحة صدور قرارات قوية عربية لها وزنها ونحن نعول كثيرا على الدول العربية وعلاقاتها مع الغرب ولاشك ان هذا الوزن السياسي العربي سيكون له دوره هذا طبعا بالتضامن والتنسيق مع المنظمات الاخرى مثل مجموعة 77 والاتحاد الافريقي والمؤتمر الاسلامي وعدم الانحياز * اين الصين وروسيا من كل ذلك ولماذا لا نسمع لهذين البلدين وهما من الاعضاء الدائمين في مجلس الامن الدولي دعما صريحا وحقيقيا مع الدول التي نعتقد انها صديقة لها وهل تعولون فعلا على دور ايجابي من بيكين او موسكو؟ - لنا علاقات جيدة ومصالح واسعة مع الصين وروسيا والصين طرف فاعل في استخراج النفط السوداني وقد كنا بوابة الصين الى افريقيا وكان وراء ذلك الكثير من المشاكل التي واجهتنا هناك اشكاليات قد تواجه الجامعة العربية والاتحاد الافريقي في استغلال المادة 16ٍ وتاجيل المذكرة ولكن اللجوء الى الفيتو قد لا يكون في صالحنا ايضا وكل تحرك يجب ان يكون دقيقا ومنسقا تحسبا للفيتو الامريكي ولكننا نعتقد ان الوزن الاقتصادي للصين كبير خاصة في خضم الازمة الاقتصادية العالمية نسعى لتحريك كل الجبهات الداخلية والخارجية وندرك ان العقوبات والضغوطات تضر المواطن قبل غيره ولكننا ندرك مع ذلك انه وبفضل الازمات التي تواجهنا اصبحنا قادرين على تصنيع سلاحنا وبفضل الضغوطات ايضا اصبحنا نستخرج نفطنا بانفسنا ونحن لا نتعامل بالدولار * كيف تردون على بعض التقارير بشان لجوء لاجئين من دارفور الى اسرائيل التي باتت حضنا لبعض من وجوه المعارضة المعروفة؟ - هناك بالتاكيد موجات هجرة للشباب بحثا عما يسمى بحياة افضل وهناك عدد من الشباب ذهبوا الى مصر وبعضهم ربما كان يامل في الهجرة الى اوروبا بسبب ضيق العيش وربما تحولوا الى اسرائيل وهو ما استغلته الة الدعاية الاسرائيلية بهدف تجنيدهم واستغلالهم فوقعوا بذلك في الفخ الاسرائيلي ولكننا من موقعنا نستغرب هذا الحنان الاسرائيلي المفاجئ على مواطن عربي قادم من السودان ولنا في يهود الفلاشا القادمين من اثيوبيا وغيرها مثال على هؤلاء المواطنين في اسرائيل ومن هنا فان الدعوة التي توجه بها عبدالواحد من اسرائيل كانت محل تنديد من اهل دارفور قبل غيرهم كما وجدت رفضا عربيا واسلاميا وقد صار عبدالواحد رهينة لاسرائيل تستخدمه لمصالحها لقد كان بامكانه ان يذهب الى أي مكان اخر في العالم او أي دولة عربية توجد فيها معارضة سودانية ولكنه اختار اسرائيل واختار ان يحرق نفسه سياسيا * الا ترون بان المشاهد القادمة من دارفورعلى مختلف الفضائيات الغربية وصور الاطفال والمخيمات البائسة قد ساعدت في تعقيد الاوضاع وتحميل السلطات الرسمية جزءا من المسؤولية؟ - السودان بلد موارده المستثمرة فعليا محدودة دارفور اكبر من فرنسا في حجم مساحتها هناك فعلا فقر في السودان وهناك مناطق تفتقر للكثير من الضروريات وهذا واقع الحال في كثير من الدول الافريقية ودول العالم الثالث بل وحتى في بعض الدول الاوروبية هناك اسباب كثيرة وراء هذا المشهد فحركات التمرد حرقت الكثير من المدارس وهدمت الكثير من المشاريع والبنية التحتية هناك ظروف صعبة ولكنها واحدة من سمات العالم الثالث ولسنا استثناء والاعلام الغربي ياتي بمثل تلك الصور احيانا من دول افريقية مشابهة على انها من السودان والحقيقة غير ذلك هناك اليوم بالفعل صراع قائم للسيطرة على المنطقة بين قوى استعمارية قديمة تسعى للحفاظ عن نفوذها وبين واخرى تبحث لها عن موطئ قدم وهناك تنافس على هذه الحديقة الخلفية لتلك الدول والضحية طبعا هي الشعوب.