حكاية الزوجة التي ساهم برنامج " المسامح كريم" في تعرية حقيقتها وفك غموضها ذكرتني بخرافة شعبية كانت والدتي قد روتها لي والتي تقول أنه كان يا ما كان... في قديم الزمان... زوج وزوجة طاعنان في السن يجلسان كل يوم في "سقيفة " المنزل يتسامران ويتآنسان.. وفي أحد الأيام بينما كانا كذلك إذ أخذ المطر ينهمر بغزارة مشكّلا - كلما ارتطم بالأرض- دويرات صغيرة تسمى "القبب".. التفت الشيخ إلى زوجته وقال لها :" تعرف يا فلانة.. لو كان نقتلك وندفنك.. لا من شاف ولا من سمع " فكان ردّ العجوز : " يظهرلك... تشهد عليّ قبيبات الشتاء" وفعلا قتل الشيخ زوجته بعد أن رأى أنها تحدته بقولها ودفنها في "السقيفة" ومرت سنوات... ولم يتفطن أحد إلى الأمر إلى أن مل الوحدة وقرر الزواج ثانية .. وشاءت الصدف أن يعاد نفس السيناريو... الزوج وزوجته الجديدة يجلسان في نفس المكان والمطر ينزل ب"القبب".. هذا المشهد عاد بذاكرة الشيخ إلى الوراء فانخرط في ضحك هستيري فسألته على إثره زوجته عن سبب ضحكه الجنوني فقصّ عليها الحكاية... ولم يكد نور صبح اليوم التالي ينبلج حتى بعث إليه القاضي بحرسه فقبضوا عليه.. التفت الرجل إلى زوجته وقال لها: "غدرتني يا بنت الناس" فأجابته: "خاطيني لكن شهدت عليك قبيبات الشتاء". هذه الخرافة تختلف في زمنها وفي ملابساتها عن حكاية الفقيدة ولكنها تجتمع في شيء واحد هو أن عدالة السماء أكبر منصف للضحايا وأشد نقمة على المجرمين فأية نقمة أكبر من أن يتجه الجاني نحو مصيره برجليه؟. ما يسترعي الانتباه في الموضوع وعلاوة على بشاعة الجرم الذي اقترفه المجرم في حق زوجته أم طفليه.. وفي حق تلك الأم المكلومة التي ظلت تعيش تحت ألم الحرقة والانتظار لشهور عدة هو ذلك الظهور الوقح للجاني وبرودة الأعصاب التي بدا عليها أثناء الحصة وذلك "التمسكن" الرهيب الذي جعل الكثير من الناس يتعاطفون معه ويستبعدون أمر ضلوعه في اختفاء زوجته كل هذه المدة والغريب بل والمقرف في كل ما سبق إمعانه في "قلة الحياء" عبر توجيه رسالة إلى زوجته يعرب لها فيها عن استعداده لمسامحتها وإعادتها إلى بيتها وإلى طفليها وأمام المشاهدين وفي نفس الاستوديو ونفس الحصة وهو الذي أزهق روحها وأحرقها واختار لها قبرا حفره بيديه... أية وضاعة أكثر من هذه؟ كيف أمكن لهذا الذئب اللئيم المتجرّد من الإنسانية أن يظل يسرح ويمرح وينام ويصحو ويأكل ويشرب طوال كل هذه الشهور دون أن يتفطن إليه أحد وقد كان بإمكانه أن يمضي فترة أطول من ذلك بكثير وهو ينعم بالحرية لولا مشاركته في تلك الحصة التي كانت بمثابة الحبل الذي طوّق به عنقه فأوقعه في المصيدة... وإذا كانت الأنباء الواردة عن اعتقاله وتوجيه تهمة القتل إليه بعد اعترافه بفصول الجريمة قد أثلجت صدر كل من تابع قضية الزوجة المختفية وكشفت صدق إحساس الأم التي ظلت طوال عرض الحصتين اللّتين دعيت إليهما تردّد عبارة " بنتي ماتت.. بنتي مقتولة" فإنها تطرح أكثر من سؤال... لعل الأهم هو لماذا تمّ فكّ لغز هذه الجريمة بعد وقت قصير من ظهور الزوج في برنامج "المسامح كريم" فيما تمكّن طيلة فترة طويلة من مواصلة مغالطاته؟