كتلة برلمانية تدعم قافلة الصمود وتدعو الى الاتفاق حول مشروع زجر الاعتراف و التعامل مع الكيان الصهيوني    الغاء المباراة الودية بين المنتخب التونسي ومنتخب جمهورية افريقيا الوسطى    البرتغال تفوز على إسبانيا بركلات الترجيح لتتوج بدوري الأمم الأوروبية    إجراءات هامة لرفع درجات اليقظة وحماية صابة الحبوب بهذه الولاية..    مع الشروق : في انتظار النبض !    بين مملكة «تسلا» و«أبراج» ترامب...البيت الأبيض يتصدّع    بتكليف من رئيس الجمهورية ،وزير الشؤون الخارجية يترأس الوفد التونسي في أشغال مؤتمر الأمم المتحدة الثالث بمدينة نيس..    بالمرصاد... التنّ الحي أراده الله رحمة للبحّار... فانقلب إلى نقمة    ألكاراز يحتفظ بلقب فرنسا المفتوحة بعد انتفاضته أمام سينر    علاقات مثيرة وحسابات مُعقّدة...ماذا بين جامعة الكرة والمغربي فوزي لقجع؟    «شروق» على مونديال الأندية .. جدل لا يَنتهي حول المنافع والأضرار من تنظيم كأس العالم بمشاركة 32 فريقا    الليلة..خلايا رعدية وأمطار بهذه الجهات..    في غياب هيكل تعديلي .. التلفزات الخاصة إثارة وانحرافات بالجملة    أولا وأخيرا .. أسعار لها مخالب وأنياب    وراء قصة القهوة ... نضال أفريقيا ضد الاستعمار    لحسن تنظيم موسم الحج: تونس تتحصل على الجائزة البرونزية الأولى 'لبّيتم' في خدمة الرحمان    قابس : تدارس السبل الكفيلة بحماية صابة الحبوب من الحرائق    ديوان التونسيين بالخارج ينظم مصيفا لفائدة 70 مشاركا من ابناء التونسيين بالخارج في مدينة الميدة من ولاية نابل    كرة السلة – BAL 2025: على أي قنوات وفي أي توقيت تُتابَعون مباراة الاتحاد المنستيري ضد بيترو لواندا ؟    أخبار مطمئنة من مكة: الحجيج التونسيون في صحة جيدة [صور + فيديو]    كونكت تنظم ورشة عمل ضمن الدورة السابعة للبارومتر الوطني لصحة المؤسسات الصغرى والمتوسطة    بعد عقود من الغياب: أول "بيركن" تظهر للنور في مزاد عالمي    زيت الزيتون التونسي يتألق دوليًا: 57 تتويجًا في مسابقة إسطنبول لجودة الزيت    ترامب يأمر بنشر 2000 عنصر من الحرس الوطني بعد مواجهات عنيفة مع المحتجين في كاليفورنيا    7 نصائح لحماية سيارتك في صيف تونس الحار...تعرف عليها    وزارة الفلاحة وبنك التضامن يصدران منشورا يقضي بتمويل موسم حصاد الاعلاف الخشنة    بسام الحمراوي: '' أريار الڨدام''... فكرة خرجت من حب الماضي وتحوّلت لسلسلة كاملة بفضل الجمهور    أشهر نجم على تيك توك موقوف في مطار أمريكي... والسبب صادم    عطلة جديدة تنتظر التونسيين في نهاية شهر جوان    35% فقط يصلون إلى البكالوريا... أين الخلل؟    شنوة لازمك تاكل في كلّ مرحلة من حملك باش تضمن راحة وسلامة ليك وللصغير؟    السباحة ماكنتوش تحطم الرقم القياسي العالمي لسباق 400 متر حرة    في ثالث ايام العيد.."الصوناد" توجه نداء هام للتونسيين..#خبر_عاجل    رفع أكثر من 45 ألف مخالفة اقتصادية في خمسة أشهر من 2025    عاجل/ حريق ضخم يلتهم 27 هكتارا من الحبوب والحصيدة في البطان..    وزير التربية يؤدي زيارة تفقدية إلى مركز إصلاح الباكالوريا بالمهدية    رئيس البعثة الصحية لموسم الحج يدعو الحجاج إلى أخذ الاحتياطات اللازمة في ظل ارتفاع درجات الحرارة    عاجل/ حالات ضياع في صفوف الحجيج التونسيين : وزارة الشؤون الدينية توضّح وتكشف..    غدا الاثنين.. استئناف اختبارات الدورة الرئيسية للباكالوريا 2025    تطور التعويضات المالية المسددة من شركات التأمين بنسبة 3ر14 بالمائة مع أواخر الثلاثية الأولى من 2025    اللقطات الأولى لمحاولة اغتيال المرشح الرئاسى الكولومبى ميغيل أوريبى (فيديو)    عاجل/ المقاومة تنصب كمائن جديدة وتوقع قتلى وجرحى في صفوف الاحتلال..    عاجل/ النيابة العمومية تأذن بمباشرة الأبحاث حول شبهات فساد بهذه الشركة..    3 علامات في رقبتك لا يجب تجاهلها: قد تكون إشارة لمرض صامت يهدد الملايين!    ما عندكش وقت للرياضة؟ تقسيم المشي على النهار ينجم يكون سرّ صحة قلبك    أزمة مالية تهدد استعداد المنتخب الزامبي قبل مباراتي تونس الوديتين    قصة رجم الشيطان في منى: عبادة تعبّر عن الطاعة والتضحية    جائزة محمود درويش تضيء على إرث الصغير أولاد أحمد وشعر المقاومة    السلطة تنفي "أي علاقة" مع أبو شباب وجماعته المسلحة في غزة    تسليم كسوة الكعبة لسدنة بيت الله الحرام    بلدية المرسى: تواصل البرنامج الاستثنائي للنظافة الخاص بفترة العيد    في حفل تكريم الموسيقي لسعد المؤخر ...موسيقيون لأول مرّة يجتمعون وبالذكريات يتأثرون    منح جائزة محمود درويش الأولى بعد الوفاة للشاعر الصغير أولاد أحمد عن مجمل أعماله (لجنة تحكيم)    فريق طبي بولاية القصرين ينقذ حياة مريضين تعرضا لجلطة قلبية حادة بفضل منصة "نجدةTN"    فظيع/ حادث مرور مروع يوم العيد..وهذه حصيلة الضحايا..#خبر_عاجل    بعد العيد، فرصة ثقافية للعائلة: الوجهة المتاحف!    طقس اليوم الثاني من العيد : هكذا ستكون الحرارة    وزيرة الشؤون الثقافية ونظيرها الإيطالي يدشنان معرض "مانيا ماتر: من روما إلى زاما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أضواء على الحركة اليوسفية
في زمن الثورات:
نشر في الصباح يوم 05 - 04 - 2009

كثيرا ما يقال بأن المنتصرين هم الذين يكتبون التاريخ، وهذا يصدق تقريبا على مختلف الفترات التاريخية، بما في ذلك الفترة المعاصرة. إلا أن ما يجعل هذه الفترة بالذات مختلفة عن العهود السابقة هو تنوع المصادر والوثائق التاريخية التي لا يمكن طمسها والتي تنقل لنا روايات مختلفة للحدث التاريخي.
وبالفعل فإن الصحف القديمة والروايات الشفوية فضلا عن المذكرات والوثائق الأرشيفية والإيكونغرافية وغيرها من المصادر يمكن أن تكون مادة أولية تساعد المؤرخ على إعادة قراءة الأحداث وتحليلها، وصياغتها وفق رؤية جديدة مختلفة. من هذه الزاوية يمكن النظر إلى الكتاب المعنون "اليوسفيون وتحرر المغرب العربي"(**)، للأستاذ عميرة علية الصغير الباحث بالمعهد العالي لتاريخ الحركة الوطنية.
يتكون الكتاب من قسمين اثنين، خصص الأول منهما للحركة اليوسفية (ص 9-154)، وقد ورد ضمنه الفصل الأول والأطول للكتاب (86 ص)، ويمكن اعتبار الفصل الثاني مكملا له إذ جاء تحت عنوان "اليوسفيون ومعارك الجنوب (1955-1957)". كما ورد في نفس القسم أيضا فصلان آخران تضمنا ترجمتين لاثنين من قادة المقاومة المسلحة في الخمسينات اجتمعا في النضال ثم افترقا في السياسة وأخيرا اجتمعا في المصير، أولهما الطيب الزلاق، الذي مال إلى صالح بن يوسف وكان أول من أعدم في عهد الاستقلال، رغم الدلائل التي كان من الممكن أن تنقذ رقبته من المشنقة، والثاني هو الأزهر الشرايطي الذي مال إلى الحبيب بورقيبة وكان له من الحظوة في السنوات الأولى من الاستقلال حتى أطلق اسمه على ضاحية سان جرمان لتصبح "الزهراء"، وكان وللمفارقة آخر من أعدم من المقاومين القدامى في جانفي 1963. إن وجود هذين النصين إلى جانب بعضهما البعض يعطيهما قيمة إضافية، لا يمكن إدراكها عند نشرهما منفصلين.
أما القسم الثاني من الكتاب فقد جاء تحت عنوان "في التضامن والتحرر في المغرب العربي" (ص 155-269) وقد وردت فيه ستة فصول تتناول كلها مسائل التاريخ المشترك، بين تونس والجزائر، وتونس والمغرب، أو بينها جميعا، بما يصب في فتح الكتابة التاريخية على الأفق المغاربي حيث تفاعلت الحركات الوطنية في المغرب العربي مع بعضها البعض، وساهمت جميعها في التدافع لمكافحة الاستعمار، حتى هوى، وهو ما يبرر بالفعل عودة الباحث إلى تفحص العقود السابقة للخمسينات، صعودا إلى العشرينات مع ثورة الريف بشمالي المغرب الأقصى، وانتهاء بالثورة الجزائرية التي انتزعت الاستقلال سنة 1962. وبين هذا وذاك اندلعت "الثورة التونسية" في جانفي 1952 لتستمر إلى ديسمبر 1954 ثم جاءت "الثورة الثانية" -حسب تعبير اليوسفيين- التي اختلطت خلالها الدماء التونسية بالجزائرية وتضمخت بيوميات الصراع اليوسفي البورقيبي.
إن الحركة اليوسفية التي تشكلت خلال هذه الفترة الانتقالية من تاريخ تونس المعاصرة تذكرنا تماما بمقولة "الثورة تأكل أبناءها"، وبالفعل فقد حدث مثل هذا في تاريخنا العربي الإسلامي وفي تاريخ الآخرين أيضا، ومن ضحايا الثورات أو التحولات الكبرى أبو مسلم الخراساني وأبو عبد الله الشيعي وليون تروتسكي الخ. وهنا صالح بن يوسف مؤسس الحزب الدستوري الجديد وعنوانه الأوحد خلال الأربعينات. كما يمكن أن يؤطر ذلك الصراع ضمن التاريخ الكبير أيضا حيث أن ما شهدته تونس في أواسط الخمسينات لم يحدث مثله من قبل منذ الحرب الباشية الحسينية عندما "انقسمت البلاد كالقمح بين شقي الرحى". صراع يخفي رهانات شتى لخصها المؤرخ عميرة علية الصغير وأحاط بها كاشفا عما تضمنه من صراع على الانتماء الجغراسياسي (بين غرب وشرق) وعلى رسم معالم المستقبل الحضاري للبلاد وكذا على النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وأضاف إليه صبغته الجهوية والشخصية بين المجاهد الأكبر والزعيم الكبير (ص 24-25). ومن الأكيد أن للرجلين من الوزن ما جعلهما عنوان الصراع، ومن التماثل في التكوين والنضال، ومن الاختلاف أيضا في الرؤية والموقف. وهنا نشير خاصة إلى أنهما درسا في باريس وفي كلية الحقوق نفسها لكن الاختلاف بينهما يتمثل في أن بورقيبة عرف باريس في أواسط العشرينات عندما كان الطلبة التونسيون يعيشون فرادى ولا وزن ديمغرافي لهم، بينما عاش صالح بن يوسف في باريس في بداية الثلاثينات بعد أن تأسست جمعية طلبة شمال إفريقيا المسلمين التي أعطت للوجود الطالبي التونسي والمغاربي معنى جديدا. ثم عاش الرجلان في القاهرة، وإذ عرفها بورقيبة غداة نكبة 1948 فإن صالح بن يوسف عرفها بعد ثورة 23 يوليو 1952 وما أحدثته من زخم ثوري ترددت أصداؤه في أنحاء المعمورة كلها.
كل ذلك يصب ولا شك في استكشاف معاني الاختلاف والصراع المعنون باليوسفي البورقيبي، ومن المهم في هذا الإطار الإشارة إلى موازين القوى بين الطرفين، حيث كان كل منهما يدعي ميل الأغلبية إلى صفه، إلا أن الحقيقة أنهما كانا متواجدين في مختلف جهات البلاد (ص 37)، والأهم من ذلك أن مثل ذلك الميل حسب تعبير الكاتب "لم يكن دائما معلنا ولا مبدئيا إذ كان فيه التقلب وفيه النفاق وفيه خاصة الخوف وفيه الطمع والحسابات" (ص 33).
ومن المثير حقا أن ذلك الصراع قد استعملت فيه كل الوسائل، بما فيها الاستعانة بعدو الأمس المتمثل في الجيش الفرنسي والميليشيات المسماة لجان الرعاية التي تولاها -للمفارقة- مقاومون وجهوا أسلحتهم هذه المرة إلى رفاق الأمس. واستمرت التصفيات عبر الاغتيالات والترهيب والمحاكمات السياسية بتهمة التآمر على الاغتيال والقتل الخ. ولم تتوقف ماكينة التصفية عند اليوسفيين وإنما امتدت التضييقات بعدهم إلى أقدم الأحزاب في البلاد متمثلة في الدستور القديم الذي توقف تماما عن الحراك حوالي عام 1960 وانتهى في هدوء تام إلى الأبد، ثم أتى الدور على الحزب الشيوعي من بعده عندما صدر في جانفي 1963 الأمر بإيقاف نشاطه. وبذلك فإن الصراع اليوسفي البورقيبي كان من ضحاياه التعددية السياسية والحزبية والفكرية في البلاد.
إلا أن إضافة اليوسفية تتمثل في أنها دفعت تونسيين عديدين إلى النضال في صفوف الثورة الجزائرية انطلاقا من مقولة التحرر في إطار المغرب العربي ووحدة المصير، فقد امتشق مقاومون عدة السلاح من جديد إلى جانب الجزائريين، وتحركوا على طول الحدود بين البلدين في وحدات مشتركة تجاوز عددها الخمسين وتعدادها الألفي مقاوم (ص 43). واستطاعوا أن يربكوا التوازن الذي خططت لإقامته فرنسا في شمال إفريقيا، وهو ما فتح الباب أمام اعترافها باستقلال تونس التام. وبذلك فإن الجدل حول اتفاقيات جوان 1955 هل هي "خطوة إلى الأمام" كما اعتبرها بورقيبة أم هي "خطوة إلى الوراء" كما رأى فيها صالح بن يوسف، قد توقف وتحولت الخطوة تحت تأثير مواقفه الراديكالية، إلى خطوة إلى الأمام. والحقيقة أن الاستقلال التام قد نزع من جهة أخرى الكثير من حجية الخطاب اليوسفي ومن مشروعيته، وبدا ذلك كالضربة القاضية في الصراع لفائدة الحبيب بورقيبة، ولم يبق له بعد ذلك إلا أن يدعم إنجازه مستعملا أجهزة الدولة الناشئة مرتكزا على القوانين الصارمة والقضاء السياسي والإغراءات والبروبغندا وصولا إلى اغتيال صالح بن يوسف في فرانكفورت في أوت 1961، وكان ذلك فيما نقدر الضربة التي قضت على أي أمل لليوسفية بالعودة حتى وإن كانت في شكل حزب سياسي يعمل في إطار القانون. وليسمح لي الصديق عميرة هنا بالقول بأن اليوسفيين كانوا حاضرين في المحاولة الانقلابية لعام 1962 نعم، ولكنهم لم يكونوا عصبها ولا عمودها الفقري، وإنما كانت هذه المحاولة أقرب إلى تجمع انتمى إليه غاضبون من أطياف شتى، من بينهم دستوريون جدد وقدامى وزيتونيون ومقاومون وضباط عملوا مع فرنسا، وآخرون درسوا بالمشرق العربي الخ. إلا أن الدعاية الرسمية ركزت على اليوسفيين دون غيرهم حتى لا تتهم الدولة الحديثة بدفع الجميع إلى مواجهتها.
أما فيما يخص التواصل النضالي والتضامن بين شعوب المغرب العربي، في مواجهة الاستعمار. فقد بين الكاتب أن الاستعمار المشترك قد جعل شمال إفريقيا واقعا تاريخيا واحدا، عززته الهجرة سواء إلى فرنسا أو المشرق العربي (ص 158). وهنا نعتقد أن الوعي بالفكرة المغاربية يبدو مرتبطا بالعامل الخارجي أساسا، وحتى مصطلح المغرب العربي في حد ذاته ولد في الخارج، وربما لم يتسن للتعاون والنضال المشترك أن يتجسم مثلما حدث بين القيادات المغاربية في القاهرة في الأربعينات وقبل ذلك في باريس، ثم في طرابلس في الخمسينات. وفي العشرينات اهتزت الساحة المغاربية ومن ضمنها تونس لحرب الريف، وقد رسم الكاتب الصورة التي حملها التونسيون عن بطلها محمد بن عبد الكريم الخطابي الذي بدا آنذاك قاهر الاستعمار و"السائر على خطى الفاتحين المسلمين أجداده وخاصة طارق بن زياد" (ص 205). وقد لعب دورا رياديا في البناء العاطفي للمغرب العربي، وفي تلك الفترة ذاتها كان يتبوأ سنام الحركة الوطنية التونسية البعض من ذوي الجذور الجزائرية من بينهم الشيخ عبد العزيز الثعالبي وأحمد توفيق المدني وغيرهما. وفي الخمسينات التي يهتم بها الكتاب تحديدا تجسم النضال المشترك من خلال الدعم الذي لقيته الثورة الجزائرية من جيرانها شرقا (تونس) وغربا (المغرب). وقد عبرت الحركة اليوسفية في هذا الإطار عن التزامها المغاربي من خلال المشاركة الفعلية في النضال من أجل استقلال الجزائر، وربما الأهم أيضا أن النظام الجديد سار على نفس المنوال رغم طراوته ورغم ما حظي به من قبل الجيش الفرنسي في مواجهة اليوسفية. فشكلت تونس القاعدة الخلفية للثورة الجزائرية، ليس فقط من خلال تمرير السلاح ولا استقبال اللاجئين، وإنما أيضا من خلال احتضانها ما بين 12 و15 ألف مقاتل من جيش التحرير الوطني الجزائري عام 1960 (ص 224). وهو ما يفوق عدد الجنود التونسيين في تلك الفترة. كما وجدت الثورة الجزائرية قاعدة خلفية لها في ليبيا وفي المغرب الأقصى أيضا حيث بلغ عدد مقاتلي جيش التحرير الوطني الجزائري 9850 عام 1962 (ص 225). وربما كانت النتيجة المنطقية لهذا التآزر والتضامن هو أن يفضي إلى وحدة المنطقة، إلا أن ذلك لم يحدث، بل سرعان ما انتصبت أمامها عوائق مختلفة، زادتها الإيديولوجية القطرية رسوخا، بعدما كانت الوحدة في العهد الاستعماري حلما قابلا للتحقق.
وبعد، إن هذا الكتاب يعتبر استجابة لطلب بقي معلقا منذ عقود لمحاولة الكشف عما وقع عند ميلاد الدولة الوطنية، وما تلاها من عزف منفرد على وتر التاريخ أدى إلى العزوف عن سماعه، وقد جاء هذا الكتاب بقراءة خارجة عن السائد، تعيد ترتيب لحظات الاستقلال، لفهم الأسس الذي قام عليه البناء الوطني، ولفهم المجابهات التي حدثت على أكثر من جبهة داخليا في مستوى الحزب الدستوري الجديد وجهويا في مستوى المغرب العربي.
يبقى لي أن أنتهي إلى حيث كان علي أن أبدا، أي الإهداء وقد وجدت في نصه المقتضب أحد أهداف الكتاب، فقد جاء فيه حرفيا ما يلي: "إلى كل شهداء الحرية في تونس وفي فلسطين". صحيح أن الكتاب ذكر بدور التونسيين خلال حرب 1948 في معرض مشاركة الأزهر الشرايطي تحديدا في تلك الحرب (ص 142-144)، ولكن الأهم من ذلك هو الرسالة التي تضمنها الكتاب، ففي زمن توصم فيه المقاومة الفلسطينية بالإرهاب، يأتي هذا الكتاب ليذكر بدينامية التاريخ من خلال المقاومة التي وصمها الاستعماريون أيضا بالإرهاب والتي أفضت ببلادنا وسائر المستعمرات حولنا وفي العالم، إلى انتزاع الاستقلال. والمقاومة الفلسطينية لا تخرج عن هذا السياق وهي مندرجة تماما في حركة التاريخ.
(*) مؤرخ وأستاذ جامعي بالمعهد العالي للتوثيق بتونس.
(**) عميرة علية الصغير، اليوسفيون وتحرر المغرب العربي، الطبعة الأولى، تونس 2007، 300 ص.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.