صفاقس- الأسبوعي: بقايا رماد أثاث التهمته ألسنة اللهب بشراهة.. آثار خيوط دخان أسود كثيف كست الجدران.. صدى ضحكات وهمسات «قمر» (10 سنوات) و«بيّة» (6 سنوات) مازالت تتردد بين الاركان.. صمت وذهول يخيّم على المكان.. عويل وصياح ودموع تترقرق في المآقي... تلك عناصر مشهد صادم أهتزت له مدينة صفاقس في بحر الاسبوع الماضي.. عمّ في بداية عقده السابع أعمى الحقد والكره بصيرته فأقدم بقسوة فاقت صلابة الحجر على اغتيال براءة طفلتين في عمر الورود حرقا حتى الموت.. «الأسبوعي» زارت منزل الضحيتين وعادت بالتفاصيل التالية: حقد دفين عندما ولجنا منزل العائلة المنكوبة كانت حركة المعزين لم تهدأ بعد.. «ف» (12 سنة) الشقيق الوحيد للضحيتين واقف في صمت مربك والدموع تسيل بغزارة على وجنيته أمام نافذة بيت الجلوس المحترقة.. في القلب جرح غائر وفي الذاكرة ألف حكاية وحكاية.. كيف لا وهو الذي كان يجالسهما ويحادثهما دقائق فقط قبل الحادثة، أما والده «طه» فقد ردّد بحسرة بالغة وبنبرة متقطعة وهو يتلقى العلاج ليده اليمنى التي طالتها ألسنة النار أثناء محاولته إنقاذ ابنتيه (من سخرية القدر أن أدفن فلذتي كبدي يوم عيد ميلادي..«قمر» و«بية» رحلتا الى الأبد بدون ذنب.. دفعتا براءة طفولتهما ثمنا لحقد شقيقي الدفين الذي لم يراع الاخوّة التي تجمعنا ولا وقوفي الى جانبه أمام محنته الصحية بل اهتم ببعض المشاكل العائلية فيما يخص الإرث ومنها الطابق السفلي لهذا البيت وهو على ملك كل الورثة رغم حالته المادية الميسورة التي تحقق بعضها من خلال عمله بألمانيا مدة 11 سنة كاملة». الفاجعة لاحظت في المدة الاخيرة يواصل محدثنا «تغيرا في سلوكه فأصبحت أحتاط منه وأراقبه أحيانا الى أن وقعت الفاجعة، حيث كنا ليلتها في سهرة عائلية بمنزل شقيقي في الطابق العلوي باستثناء ابنتيّ اللتين بقيتا في الطابق السفلي لتناول طعام العشاء ومشاهدة التلفزيون وحوالي الساعة الثامنة والنصف مساء اقتحم عليهما شقيقي الغرفة وسكب كمية من البنزين بعد أن أحكم غلق الباب والنوافذ وأضرم فيها النار، ولم يكتف بذلك بل همّ بالصعود الى الطابق الاعلى بنية حرقه في تلك الاثناء قفزت نحو المدرج على إثر سماعي لحركة مريبة في الأسفل فالتقيته على السلم وبيده قطعة من الخشب تشتعل فارتميت عليه لمسكه لكنه تمكّن من الهرب لنكتشف هول الجريمة التي اقترفها ورغم كل محاولاتنا لأخماد النيران بمعية بعض الاجوار والمارة إحداهن مازالت نزيلة إحدى المصحات نتيجة الصدمة المروّعة التي تلقتها الا أننا فشلنا في انقاذهما إذ تمكنت من إخراج البنت الصغرى على قيد الحياة بجسد مصاب بحروق بليغة أدت الى وفاتها فيما بعد أما الثانية فقد تحولت الى جثة متفحمة. القبض على القاتل قبل دفن الجثتين تمكنت وحدات الأمن الوطني بصفاقس بعد جهود مضنية من القبض على القاتل ليلة يوم الجمعة الماضي إثر محاولة التخفي عند أحد أصدقائه الذي أبلغ السلطات الأمنية على الفور.. قبل أن يوارى جثمانا الضحيتين زوال نفس اليوم الثرى في مقبرة «صبانة» بطريق سيدي منصور. أنور.غ