اذا كان هدف مؤتمر دوربان الثاني لمكافحة العنصرية التاكيد على دعم وتاييد الغرب لاسرائيل في سياسة الاحتلال التي تمارسها ضد الشعب الفلسطيني فانه بدون شك قد نجح في ذلك ايما نجاح اما اذا كان الهدف من هذا المؤتمر الذي امضى المشاركون فيه اشهرا طويلة للاعداد له للخروج بما يمكن ان يساعد على القضاء على العنصرية والتعصب والكراهية وتجاوز الكثير من التابوهات والممنوعات وتسمية الاشياء بمسمياتها عندما يقتضي الامر لتحميل كل طرف مسؤولياته فانه بالتاكيد قد فشل في ذلك فشلا ذريعا وفوت الفرصة مجددا في تحقيق التقدم المطلوب في احدى القضايا الانسانية التي لا تخلو من الاهمية والحساسية. والحقيقة ان انسحاب الوفود الاوروبية احتجاجا على خطاب الرئيس الايراني الذي اختار مجددا ان يمنح الغرب الذريعة والوسيلة لمقاطعة المؤتمر لم يكن سوى الحلقة الاخيرة في مسلسل الحملات الدعائية والاحتجاجات التي استبقت مختلف مراحل الاعداد لهذا المؤتمر الذي دعت الى الامتناع عن المشاركة فيه تسع دول نزولا عند رغبة اسرائيل التي من الواضح انها باتت تخشى ان يتحول المؤتمر الى محاكمة علانية امام الراي العام الدولي لممارساتها وانتهاكاتها المستمرة منذ عقود كل ذلك قبل ان تبدا لاحقا الانسحابات المتكررة للوفود الاوروبية احتجاجا على بقية المواقف المعلنة لممثلي الوفود العربية في جنيف باستثناء النرويج. عندما انتظم مؤتمر دوربان الاول سنة 2001 على ارض جنوب افريقيا بكل ما تحمله من اشارات ورموز كانت مختلف دول العالم التي شاركت في اول مؤتمر يعقد من نوعه تحت راية الاممالمتحدة تامل في ان يكون منعطفا جديدا في محاربة التعصب والكراهية ومكافحة العنصرية بكل اشكالها والوانها. الا ان المؤسف انه وعوض ان تكون تلك الوثيقة الصادرة عن مؤتمر دوربان الاول خطوة باتجاه تصحيح الاخطاء واعلاء شان حقوق الانسان وارساء العدالة الانسانية ودور الشرعية الدولية فانها قد تحولت الى موضوع للتوترات والابتزازات. ان ما حدث في دوربان لا يخلو من الخطورة وهو يقتضي بالتالي اعادة تحديد الاولويات ومراجعة جدية لكثير من الاليات والمفاهيم الخاطئة المعتمدة في مخاطبة الغرب واول تلك الاعتبارات ان يكون لحقوق الانسان في العالم العربي والاسلامي بكل ما تعنيه من حريات وضمانات لحقوق المواطنة الموقع الذي تستحق والمكانة التي تجعل حقوق وكرامة المواطن العربي فوق كل اعتبار. صحيح ان اطوار وملابسات انعقاد مؤتمر دوربان الثاني جاءت لتكشف مجددا عن سياسة المعايير المزدوجة للغرب وانحيازه غير المحدود لإسرائيل ولكن الصحيح ايضا ان دوربان الثاني جاء ليكشف عن الكثير من سوء الاعداد والتنظيم من جانب الدول العربية والاسلامية التي ابدت حرصها وتمسكها بهذا المؤتمر فجددت الموعد بذلك مع الفرص الضائعة بسبب افتقارها لخطاب سياسي متماسك ومقنع يكون قادرا على استمالة الغرب وبلوغ اسماعه خاصة عندما يتعلق الامر بمنظومة حقوق الانسان التي لم تبلغ بعد مرحلة النضج فيه. واذا كان انطلاق اشغال اليوم الاول من مؤتمر دوربان لم يخل من التوترات فان التعجيل في تبني وثيقة البيان الختامي للمؤتمر رغم ان اشغاله ماتزال متواصلة الى الغد ما يمكن ان يؤشر الى امكانية اللجوء مستقبلا الى الحل الاقل ضررا والتوجه الى وأد مؤتمر دوربان مبكرا وهو الذي اريد له ان يقف في مواجهة العنصرية بما يؤكد مرة اخرى ان الارادة الدولية لم تبلغ بعد مرحلة الارادة المطلوبة للاستفادة من هكذا حدث واعتماده ارضية جديدة ومنطلقا يمكن ان يساعد على تجنيب الانسانية المزيد من الماسي والاهوال...