اذا صحت الانباء التي سربتها صحف عبرية بالامس بشان تراجع الادارة الامريكية عن قرار سابق بمقاطعة المؤتمر الدولي لمكافحة الميز العنصري او ما اصطلح عليه بدوربان الثاني فان في ذلك اكثر من مؤشر للتغيير في توجهات الرئيس باراك اوباما وهو مؤشر من شانه ان يدعو مختلف الدول المعنية بهذا المؤتمر بما في ذلك الدول العربية والاسلامية والمنظمات الحكومية الى الاستعداد الجيد بكل ما تعنيه هذه الكلمة من بيانات مدروسة ومطالب موضوعية وملفات موثقة بالحجج والبراهين القانونية التي لا تقبل التشكيك للخروج باكبر استفادة ممكنة في هذا المؤتمر في مواجهتها لمختلف القضايا المرتبطة بالعنصرية والكراهية والتمييز العرقي الذي بات خطرا يستهدف جالياتها في اوروبا وامريكا وغيرها. فليس سرا بالمرة ان هذا الموقف الامريكي من شانه ان يثير حفيظة الحليف الاسرائيلي المبجل الذي بدا ومنذ اشهر خوض حملة دعائية شرسة على اكثر من جبهة بعد تجديد وزيرة الخارجية الاسرائيلية ليفني دعوتها لواشنطن ومعها" العالم الحر"لعدم المشاركة في هذا المؤتمر الذي تحتضنه المدينة السويسرية جنيف في العشرين من شهر مارس القادم والاقتداء بموقف الرئيس السابق جورج بوش الذي انضم الى اسرائيل في مقاطعة اشغال المؤتمر الاول الذي انطلق من دوربان بجنوب افريقيا في خطوة اولى لمكافحة العنصرية في العالم وذلك قبل ايام فقط على هجمات الحادي عشر من سبتمبر وذلك بعد ادانة المؤتمر للسياسة الاسرائيلية بالتمييز العنصري. واذا كانت مجموعات الضغط الاسرائيلية ومعها قيادات اسرائيلية معروفة قد تمكنت من فرض موقفها على كندا ودفعتها قبل شهر الى اعلان قرارها بمقاطعة المؤتمر تحت ذرائع مختلفة فلا شك ان في الاعلان عن مشاركة وفد امريكي في الاجتماع التمهيدي للمؤتمر الاممي الذي تنظمه لجنة حقوق الانسان للامم المتحدة ما يمكن ان يرجح هذه المرة اخفاق المسؤولين الاسرائيليين حتى الان في دفع الادارة الامريكيةالجديدة لاعادة النظر في قرارها والتخلي عن المشاركة في دوربان الثاني ولاشك ايضا ان من شان هذه الخطوة الامريكية ان تدفع بدورها دول الاتحاد الاوروبي المترددة والتي تواجه ضغوطات مكثفة من جانب اللوبيات اليهودية التي تواصل من اوروبا الى امريكا وحتى اسيا ومنذ فترة خوض معركة دون هوادة لدفع دول مثل بريطانيا وهولاندا والدانمارك الى دعم موقف اسرائيل من المؤتمر بل ومحاولة الركوب على تصريحات سابقة للرئيس الفرنسي ساركوزي انه اذا كان دوربان الثاني نسخة لدوربان الاول فان فرنسا لن تكون من بين المشاركين وهو ما منح ابواق الدعاية الاسرائيلية فرصة للقفز على الوقائع الميدانية والمضي قدما في استمالة العواصم الاوروبية والرهان على عقدة الضمير الاوروبي من اعداء السامية... و في انتظار دوربان الثاني وما يمكن ان يفرزه بشان مكافحة العنصرية في هذا العقد الاول من القرن الواحد والعشرين فقد يكون من المهم تحديد بعض النقاط والاولويات لا سيما وان مجلس حقوق الانسان للامم المتحدة بامكانه الاعتماد في هذه الدورة على عدد من اصوات دول عربية وغيرها التي لا تنظر اسرائيل الى دخولها المجلس بعين الرضا او الارتياح وهي سوريا وليبيا وكوبا وزمبابوي... بعد اقل من شهرين سيكون موعد دوربان الثاني والاهم من ذلك فانه سيكون مر على العدوان على غزة وما ارتكب خلاله من جرائم ضد الانسانية اقل من ثلاثة اشهر بما يعني ان الجرح لن يكون قريبا من الاندمال وان اثار الجريمة لن تكون بعيدة عن اذهان الدول المشاركة الامر الذي من شانه ان يشكل الفرصة لاحياء القرار الاممي الذي صدر في السبعينات وجعل الصهيونية مرادفا للعنصرية قبل ان يتم الغاء ذلك القرار دون أن تلغي اسرائيل ممارساتها. الحرص على الاستفادة من دروس دوربان الاول وتجاوز ما يمكن اعتباره بالثغرات باتجاه اقناع اكبر عدد ممكن من الدول الاوروبية وغيرها باهمية ما يمكن للمؤتمر اقراره من نتائج لدعم حقوق الانسان وما فرضته قوانين الحرب على الارهاب من صفعات متتالية لتلك الحقوق وما لحقها من اخلال وتراجع في عديد المناطق حيث وجدت حكومات كثيرة في الحرب المفتوحة على الارهاب ما منحها غطاء وذريعة لكبح الحريات وتعليق الاصلاحات وبرامج الانفتاح. لقد بدات الادارة الامريكيةالجديدة سلسلة من التحركات بين ارسال وفود للكونغرس الى قطاع غزة للاطلاع على الاوضاع هناك بعد العدوان واعادة جسور الاتصال مع دمشق فضلا عن تدشين وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون اول جولة خارجية لها من احدى اكبر الدول الاسلامية كخطوة اولى تجاه العالم الاسلامي بعد ثماني سنوات من الاهتزازت والعداء خلال رئاسة بوش الابن وهي مؤشرات تبقى مهمة في هذه المرحلة حتى وان بدت محدودة او باتجاه خدمة الاهداف والمصالح الامريكية بالدرجة الاولى ما يعني بالضرورة ان الدول العربية والاسلامية ستكون بدورها مطالبة في المرحلة القادمة باكثر من تحرك مدروس ومحدد لفرض مصالحها فقرار واشنطن المشاركة في مؤتمر دوربان الثاني لا يعني بالمرة تراجع الدعم الامريكي للحليف الاسرائيلي ولا تنازل مجموعات الضغط عن القيام بدورها بل لعلها بدات، واثر هذه الخطوات الاولى لادارة اوباما تعيد العدة لنزال اكبر تفاديا لتراجع نفوذها ومكاسبها...