مع انقضاء المائة يوم الاولى للرئيس الامريكي باراك اوباما في البيت الابيض وانتهاء مدة الاختبار الكلاسيكي للنوايا والتوجهات المرتقبة في الادارة الامريكيةالجديدة على مختلف المستويات يبدا الكشف عن نتائج تلك الحصيلة الاولى من التقييم لاعمال الادارة مقارنة مع مختلف الوعود المعلنة خلال الحملة الانتخابية والتي من شانها ان تزيل المزيد من الغموض بشان التوجهات المستقبلية لتلك الادارة. والحقيقة انه اذا كان الخطاب الرسمي الامريكي لادارة اوباما شدد وفي اكثرمن مناسبة على رغبة في الانفتاح واصلاح صورة امريكا في العالم بشكل عام ولدى العرب والمسلمين بشكل خاص بما يساعد على تجاوزات الادارة السابقة للرئيس بوش فان نفس ذلك الخطاب الذي لا يخلو من طفرة في استعمال كلمات منمقة وغارقة في التهذيب في مخاطبة العرب بما يسعد الاذان يوشك ان يقف عند هذا الحد في المستقبل ليحصد بذلك العرب الخطابات والكلمات الجميلة والوعود الكلامية ويحصل الاسرائيليون في المقابل على كل الضمانات والمكاسب والوعود الحقيقية من الدعم العسكري الى الدعم الديبلوماسي والسياسي... ساعات قليلة فصلت بين اعلان الرئيس الامريكي اوباما تجديد العقوبات على سوريا وبين اعلان رئيس الوزراء الاسرائيلي ناتنياهو استحالة انسحاب اسرائيل من هضبة الجولان المحتل باعتبارها تشكل مصلحة امنية حيوية للكيان العبري... فهل انها الصدفة وحدها شاءت ان يتزامن الحدثان في نفس اليوم وهل انها الصدفة وحدها ايضا التي ارادت ان ياتي القرار الامريكي في اعقاب المؤتمر السنوي ل«ايباك» وقبل اسبوع واحد على اللقاء المرتقب بين الرئيس الامريكي ورئيس الوزراء الاسرائيلي... واذا كانت لغة المنطق السليم تفترض التخلص من تلك الرغبة الكامنة لدينا في تعليق كل ما تتعرض له منطقتنا العربية على شماعة اسرائيل وتاثير اللوبي اليهودي على صناعة القرار الامريكي فان نظرة على الواقع من شانها ان ترجح للاسف مجددا تلك الفرضية.بل ان الارجح ان في هذا القرار ما يعكس بوضوح استجابة للمخاوف الاسرائيلية التي تقف بالمرصاد لاي تقدم باتجاه حصول أي تقارب امريكي سوري وهو ما كان اشار اليه اكثر من مسؤول اسرائيلي طوال الفترة المنقضية وهي التي تمعن في عرقلة كل خطوة باتجاه التقدم في مسيرة السلام التي دخلت مرحلة الانعاش منذ وقت طويل... فقبل حتى ان يغادر فيلتمان مساعد وزيرة الخارجية الامريكية ونواب الكونغرس المرافقين له حدود الاراضي السورية كان البيت الابيض يذيع قرار الرئيس الامريكي باراك اوباما تجديد العقوبات المفروضة على سوريا سنة اضافية بما يؤشر الى ان الادارة الجديدة لا تنظر بعين الرضا الى التحولات في المواقف السورية وتعتبر ان موعد بدء صفحة جديدة مع هذا البلد لم يحن بعد وان ما قدمته سوريا حتى الان من جهود ونوايا لم ترق بعد الى ما تطمح اليه ادارة اوباما من مطالب وشروط في ملفات عديدة تتعلق بالعلاقات مع ايران والعراق كما بموقف سوريا من حركات المقاومة المسلحة الفلسطينية والعلاقات مع حزب الله... وبعيدا عن الوقوع في الدوامة المفرغة لمحاسبة النوايا لهذا الطرف او ذاك فان قرار الادارة امريكية تجديد موسم العقوبات على سوريا مثير للكثير من الاستغراب لاكثر من سبب والامر يتجاوز طبعا حدود موقف الشرعية الدولية المغيبة في القرار الامريكي الذي اتخذته الادارة السابقة بعد ان باتت الشرعية الدولية قابلة للتطويع والتلوين تماشيا مع مصالح الاقوى. ولكن الامر مرتبط عل الاقل الى حد الاعلان عن هذا القرار مع واقع جديد بدا يتشكل ويظهر للعيان مع بدء ذوبان الجليد وعودة اللقاءات والتحركات الديبلوماسية للوفود الامريكية في دمشق والتي استعادت بعض نشاطها حديثا بعد انتخاب الرئيس اوباما قبل اربعة اشهر بما جعل الكثيرين يتوقعون عودة متدرجة للعلاقات المقطوعة بين بلدين منذ خمس سنوات... للوهلة الاولى يبدو القرار محافظا على الوضع القائم في حجم العقوبات المفروضة على سوريا بمعنى ان الامور لم تتطور الى ما هو اخطر مما هي عليه منذ قررت واشنطن ادراج سوريا ضمن لائحة دول محور الشر الى جانب ايران وكوريا الشمالية قبل ان تعود لسحب كوريا من هذا التصنيف.. ولعل الايام القليلة القادمة تحمل المزيد من الاشارات والتفاصيل بشان توجهات الادارة الامريكيةالجديدة التي اسقطتت حتى الان الجزرة ورفعت عصا العقوبات في محاولة لمزيد الضغط والابتزاز على سوريا...