يبدو ان فريق مستشاري الرئيس الامريكي باراك اوباما لم يخطئ عندما اشار عليه بتعديل مسار جولته الشرق الاوسطية الاوروبية الاسبوع القادم لتبدا من المملكة العربية السعودية بما يجعل رائحة النفط تستبق المحطة الاولى في جولة الرئيس الامريكي الى اكبر مصدر للنفط في العالم بكل ما يمكن ان يعنيه ذلك في لغة المصالح الاقتصادية من مشاريع واتفاقات في الافق لا سيما مع ظهور بعض المؤشرات بشان بداية انحسار الازمة الاقتصادية الامريكية وبداية نهاية حالة الركود والمخاوف التي سيطرت على الاسواق المالية على مدى الاشهر الماضية.والواقع ان تغيير وجهة جولة الرئيس الامريكي عما كانت عليه في البداية عندما اعلن اعتزامه التوجه من القاهرة بخطاب الى المسلمين لا يعكس باي حال من الاحوال تغييرا في الاولويات المعلنة او الخفية المدرجة على جدول هذه جولة كما ان الطابع الاقتصادي الذي قد يطغى عليها للوهلة الاولى لا يمكن ان يخفي او يقلل من حجم الملفات السياسية التي تحويها حقيبته السياسية. فليس سرا بالمرة ان زيارة اوباما الى السعودية وان كانت تاتي مع عودة اسعار النفط الى الارتفاع فانها تاتي كذلك بعد ايام قليلة على تدشين الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي اول قاعدة عسكرية لبلاده في دولة الامارات العربية وقطعه بذلك مع الاحتكار السائد للحضور العسكري الامريكي على منطقة الخليج بما يعني بالضرورة اشتداد اسباب المنافسة في هذا المجال من اجل الفوز بالمزيد من الصفقات واستقطاب المزيد من الاسواق لمختلف انواع منتوجات السلاح المصنعة في الغرب سواء منها القابلة للاستعمال او تلك التي ستحال بطبيعتها الى اكوام النفايات اذا لم تجد لها في الميزانيات العربية مخرجا... ولعل المتامل فيما يمكن ان تفرزه جولة الرئيس اوباما هذه المرة من شانه ان يدرك ان ما شهدته وتشهده المنطقة من تحركات وجولات مكوكية لمسؤولين وديبلوماسيين امريكيين من شانها ان توحي بان عهد الرئيس اوباما قد يكون منعرجا جديدا في العلاقات بين واشنطن والعالم العربي وان هناك فرصة بالامكان استثمارها من اجل اعادة احياء مسار السلام في الشرق الاوسط والعمل على الاستفادة من مختلف التغيرات الحاصلة في الادارة الامريكية اذا ما اعتمد العرب خطابا سياسيا ثابتا وقادرا على اختراق اسماع المسؤولين الامريكيين بعيدا عن الانقسامات والغوغائية وغياب الوضوح والاجماع في طرح قضاياهم التي لا تفتقر للشرعية والعدالة وفق مختلف القوانين والاعراف الدولية.. اكثر من ملف سيكون في حقيبة اوباما المثقلة بتوصيات رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين ناتنياهو وتوجيهاته بضرورة ممارسة المزيد من الضغوطات على الرئيس الفلسطيني محمود عباس من اجل المزيد من التنازلات التي لم يعد من مجال لتحقيقها بعد ان ضاق ما بقي من ارض فلسطين بالمستوطنين والمشاريع الاحتلالية التي لا تنتهي فضلا عن كل الاملاءات المعروفة لمجموعات الضغط اليهودي في واشنطن بشان الملف الايراني والدعم المطلوب من الدول العربية المعتدلة لمزيد الضغط على طهران فيما يبقى الحديث عن الدولة الفلسطينية المرتقبة امرا مؤجلا الى حين تلبية مختلف الشروط الاسرائيلية وفق مبدا التطبيع مقابل السلام بعد ان انسدت افاق مبدا الارض مقابل السلام... وبالعودة الى الخطاب الذي من المنتظر ان يتوجه به الرئيس الامريكي الى العرب والمسلمين من جامعة القاهرة فهو بالتاكيد ليس الاول وربما لايكون الاخير ايضا ويبقى السؤال المطروح حتى ذلك الموعد ما الجديد الذي سيحمله خطاب اوباما هذه المرة وهل سيتسع صدره للاستماع للقضايا العربية المتراكمة في الشرق الاوسط وهل سيكون في حقيبته موقع للعدالة الدولية المصادرة بفضل الضغوط الاسرائيلية والفيتو الامريكي؟.. والواقع ان محاولات الرئيس الامريكي مد جسور الحوار مع العرب والمسلمين لم تكن خفية منذ توليه منصبه بشكل رسمي قبل خمسة اشهر وقد كان خطاب التدشين اول تلك المحاولات للكشف عن نوايا سيد البيت الابيض ذي الجذور الافريقية وقد حرص اوباما لاحقا وخلال زيارته الى تركيا البلد الاسلامي الحليف لواشنطن ولكن الصديق ايضا لايران وسوريا في اعقاب قمة الحلف الاطلسي مجددا ان يبدي اهتمامه بتحسين العلاقات المهتزة بين امريكا والعالم العربي بسبب سياسات سلفه على مدى السنوات الثماني الماضية وما تخللها من حروب في اكثر من منطقة في الخارطة العربية الاسلامية من افغانستان الى العراق ولبنان واخرها العدوان على غزة...