هل سمعتم بإشاعة البطاقة المغناطيسية للمصلين والتلميذ المقتول في جبنيانة ومجانية تسديد معلوم الكهرباء؟ حكاية «مجموعة جرجيس» الذين اتّهمت الدولة بمحاكمتهم باطلا وبعد أن أُطلق سراحهم ثبت تورّط أحدهم في الإرهاب ومقتله على الحدود الأثيوبية الصومالية تونس الأسبوعي: في هذه السنة التي تعاني فيها كل أنماط الصناعات في العالم من الكساد الناجم عن الأزمة الاقتصادية العالمية يبدو أن صناعة واحدة عكست التيّار ودوّخت الأفكار لازدهارها الرهيب الذي حقق لها رواجا منقطع النظير في بلادنا... فصناعة الإشاعة هي الصناعة الوحيدة التي لَمْ تُبرْ بل تحظى في هذه الأيام برواج منقطع النظير رغم أن ترويجها لا يقل ضررا عن ترويج الممنوعات وكذلك الحال عند استهلاكها ... نورد هذا بعد كل ما سمعناه وعايناه من أخبار وسلوكات يندى لها الجبين ولا تشرّف في شيء بلدا يفتخر بأن نسبة المتعلمين فيه فاقت ما تم تسجيله في عدد من الدول المتقدمة. ورغم أنها ليست المرّة الأولى التي تفعل فيها الإشاعة فعلها لدى الناس ورغم أن الظاهرة قديمة قدم الانسان ولايختصّ بها بلد عن آخر فإن العاقل وصاحب الفكر المتنوّر يتألم دوما لما يعاينه من سخافات كتلك التي كانت أحد احياء العاصمة شاهدة عليها ومسّت أحد الأطباء الذي قضّى جانبا من حياته المهنية في خدمة أبناء ذلك الحيّ فكوفئ بإشاعة سخيفة أقضت مضجعه وحملته من مسقط رأسه بسرعة البرق. والمتأمل في تاريخ نشاط صناعة الإشاعة يلاحظ أن في كل سنة تقريبا وفي نفس الفترة بالذات يعاد تسويق نفس الإشاعة التي يكون محورها الأطفال والتي عادة ما يكون خطفهم موضوعها الرئيسي مع بعض التعديلات تحمل بين الفينة والآخرى بعض الفضاعات على غرار استئصال البعض من أعضائهم لبيعها وكأنها قطع غيار يمكن حفظها بمغازة... ولأن الام هي الحلقة الاضعف فإن رواج الإشاعة عادة ما يستهدف شريحتها بما يعزز مخاوفها ويسهّل زرعها لدى الأطفال ثم لدى بقية أفراد العائلة. غير أن المتابع لما يروّج ويشاع في الصالونات والمقاهي والشوارع كل يوم ينتهي الى الاعتراف بأن هذه الصناعة ارتقت في بلادنا الى مستوى الرياضة الوطنية والتي يكاد لا يتخلّف عن ممارستها إلا من يصرف كل جهده للعمل الجاد معرضا عما يسيء لسمعة البلد والعباد وعن كل ما يصرفه عن المثابرة والعطاء. والإشاعة كمايحددها دكتور رضا خماخم المنسق العام لحقوق الانسان بوزارة العدل وحقوق الانسان في مفهومها العلمي الشمولي اصناف سياسية واقتصادية واجتماعية وهي حسب تعريفه الوارد بمحاضرة قيّمة أعدّها في الغرض تحت عنوان «منظومة حقوق الإنسان في تونس والتعامل مع الإشاعة» ليست مجرّد خبر يحتمل الصدق والكذب وإنما هي صناعة لا تعرف للبراءة سبيلا يتمّ التحضير لها وإعدادها من طرف صنّاع مهرة لا يفترض وضعهم بالضرورة أن يكونوا من خرّيجي الكليات والمعاهد العليا بل يكفي أن يكونوا من ذوي الخيال الخصب الذي يمكن توجيهه للعديد من الوجهات. فالإشاعة واحدة وأغراضها متعدّدة، وصناعة الإشاعة تتم في فضاءات ومنابر مختلفة تتراوح من البيت إلى السوق إلى المكتب إلى المقاهي والصالونات إلى مراكز صنع القرار السياسي أو الاقتصادي إلى أجهزة المخابرات بحسب أغراض الإشاعة والرسائل التي يريد صنّاعها إيصالها إلى من يهمّه الأمر. فالإشاعة حينئذ أفقية التوجه وهي تطال كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية... فبأيّ الميكانيزمات تنشط.. وكيف تفسّر.. وهل يطالها القانون؟ فيما يلي محاولة للاجابة من خلال جملة من المعطيات وفرها لنا الدكتور خما خم اعتمادا على محاضرة أعدها في الغرض ومن خلال تفسير نفسي للظاهرة أمدّنا به الدكتور محمد بن عمار اشاعة مجانية استهلاك الكهرباء من الاشاعات الغريبة التي راجت منذ أشهر قليلة وسرت سريان النار في الهشيم خلال ساعات قليلة بفضل توظيف الاجهزة الحديثة لنقل الاخبار نذكر إشاعة الاعفاء من تسديد معاليم الكهرباء والغاز لمن يتقدم لتسديدها فورا وشاهدنا في ذلك المساء تلك الصفوف الطويلة أمام مراكز البريد وفروع الستاغ. وتدخل هذه الاشاعة في باب الاشاعة الاقتصادية التي تحدث عنها الدكتور في العلوم القانونية والقاضي رضا خماخم فذكر أنها تتعلق بالتخفيض أو الترفيع في أسعار بعض المواد الغذائية أو بعض مواد المحروقات وأضاف أنها إشاعة خطيرة لأنها تمسّ حياة المواطن اليومية وإذا تحققت الإشاعة وحصل التخفيض، فإنّ ذلك يؤدّي في الجملة إلى شعور بالرضاء أما إذا حصل العكس وتحققت إشاعة الترفيع فإنّ ذلك يؤدّي إلى شعور بالامتعاض مهما تعددت التبريرات بل إنّ ذلك قد يؤدّي إلى ما لا يحمد عقباه كما حصل سنة 1984 فيما اصطلح على تسميته بأزمة الخبز التي انطلقت في بادئ الأمر بإشاعة الترفيع في سعر الخبز التي تحققت فعلا لكن أعقبتها اضطرابات اجتماعية عنيفة. فتكون الإشاعة قد هيأت الظروف الملائمة لحصول تلك الاضطرابات. إشاعة بطاقة مغناطيسية لكل مصلّ ومن الاشاعات المغرضة والغريبة التصديق التي تناولتها المحاضرة القيمة الآنفة الذكر.. نذكر إشاعة وردت في مقال نشرته جريدة إلكترونية يومية عربية سنة 2005 تحت عنوان: صلاة بالبطاقة الالكترونية المقدّسة أدعى فيه صاحب المقال أنّ السلطات في تونس في إطار سعيها لترشيد ارتياد المساجد ستقوم بتسليم كل من يتقدّم بطلبها بطاقة تمكنه من ارتياد أقرب مسجد من محل سكناه أو من مقرّ عمله. وحسب نفس المقال: «من الآن فصاعدا يتعين على كل مواطن الحصول على بطاقة مصل، وأن يودعها عند أقرب قسم شرطة، وستحمل البطاقة صورة المصلّي وعنوانه واسم المسجد الذي ينوي ارتياده وبحسب السياسة الجديدة يجب على المصلي اختيار أقرب مسجد لمكان إقامته أو لمركز عمله، حرصا على راحته القصوى أما إذا لم يكن المسجد الذي اختاره جامعا» أي لا تقام فيه صلاة الجمعة، «فمن الواجب عليه احتياطا التقدّم بطلب بطاقة» خاصة «للمشاركة في صلاة الجمعة ومن أجل التأكد من سلامة الإجراءات» القانونية «للصلاة قبولها في السماء، يجب على أئمة المساجد التأكيد من أنّ جميع المصلين يحملون بطاقاتهم الالكترونية «المقدسة»، وعلى كل إمام طرد كل مصل لا يحمل بطاقته، باعتباره متهاونا في الالتزام بأركان الدين الجديد». ورغم عدم معقولية هذا الخبر فقد تناقلته عديد الألسن والمواقع الالكترونية حتى يخيل لمن لا يعرف تونس العربية المسلمة أنّ هذه الإشاعة صحيحة ولا تحتاج حتى إلى تفنيد. نفس سياق الأكذوبة السابقة ورد في مقال آخر مغرض يدّعي صاحبه فيه أنه قرأ خبرا في مطبوعة دون أن يذكر مصدرها والأرجح أنها صادرة عن نفس الأشخاص والجماعات المتطرفة التي ينتمي إليها مفادها أن الخطوط التونسية توزّع على متن طائراتها الإنجيل للتدليل على «عمق معاداة النظام التونسي للإسلام». وهي دعاية سخيفة لأنّ كل من امتطى طائرات الخطوط التونسية يدرك عدم صدق هذا الخبر. عرف تونس العربية المسلمة أنّ هذه الإشاعة صحيحة ولا تحتاج حتى إلى تفنيد. إنّ مثل هذه الإدعاءات والإشاعات المكثفة عن معاداة النظام التونسي للإسلام تدل بوضوح على وجود حملات دعاية منظمة ومقصودة تقف وراءها أطراف متزمتة تعتقد أنّ إسلامها هو الصحيح وأنّ إسلام الآخرين باطل أو مشوّه. وهؤلاء الذين يعتقدون أنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة ويزايدون على غيرهم من المسلمين ويريدون فرض منهج للحياة وفق رؤيتهم في معارضة واضحة لسير التاريخ وفتوحات الحداثة ومحكمة العلم ما هم في حقيقة الأمر والواقع إلاّ دعاة فتنة وهدم وليسوا كما يقدمون أنفسهم دعاة محبة وسلام وبناء. اشاعات النيل من منظومة حقوق الانسان في نفس السياق الآنف الذكر وبالاعتماد على نفس المصدر ... نورد كيف ان القضاء التونسي عالج سنة 2004 قضية جنائية تمثّلت أبرز وقائعها في أنّ 6 شبان تونسيين تمت محاكمتهم وإدانتهم من أجل تُهم تتعلّق بالإرهاب والتحضير لأعمال إرهابية عبر جمع المعلومات الخاصة بطرق تحضير المتفجرات وصنع الأسلحة عبر شبكة الإنترنت. وقد أثارت هذه القضية ضجة كبيرة بسبب الإشاعة التي روّجها بعض الأفراد و عدد من المنظمات غير الحكومية وصدّقها الكثيرون مع الأسف والتي مفادها أنّ هؤلاء الشبان الذين تمت إدانتهم والذين أطلقت عليهم عبارة «مجموعة جرجيس» ما هم إلاّ «ضحايا النظام التونسي الذي لا يعترف بحرية الرأي والتعبير» وأنّ «إدانة هؤلاء الشبان لم تكن إلاّ من أجل إبحارهم على النّت» وبالتالي فهم مساجين رأي. وهذا التحريف للوقائع الذي اتخذ في البداية شكل خبر كيّفه من أورده على النحو الذي يخدم مصالح جهات معينة، ما لبث أن تحوّل شيئا فشيئا إلى حملة منظمة وشعواء ضدّ تونس اشتركت فيها عديد المنظمات غير الحكومية وخاصة تلك التي تعمل في حقل حرية التعبير والصحافة بل وتمّ حتى تأليب أطراف أجنبية التي دخلت بدورها على الخط باسم حماية الحريات والدفاع عنها. وفي شهر فيفري 2006 تمتّعت مجموعة جرجيس بعفو رئاسي ، وغادر عدد من هؤلاء الشبان تونس ومن ضمنهم الشاب عمر الشلندي الذي التحق بوالدته في فرنسا ثم غاب ومن معه عن الأنظار. ولكن طالعتنا الأخبار بعد عام واحد فقط أي في فيفري 2007 بنبإ مصرع عمر الشلندي على الحدود الإثيوبية الصومالية في كمين نصبته له القوات الأثيوبية عندما كان يحارب مع عناصر تابعة لتنظيم القاعدة دعما لما يسمّى بالمحاكم الإسلامية ضد القوات الأثيوبية التي كانت تساند الحكومة الصومالية المؤقتة. بينما تم إلقاء القبض على ثلاثة من رفاقه وإيداعهم السجن. ولاشك أنّ هذه الحادثة المأساوية تمثل قرينة قاطعة على صدق الوقائع والجرائم التي نسبت لما سمّي بمجموعة جرجيس وصحة تكييفها القانوني من قبل القضاء التونسي وزيف الإشاعة التي أوهمت الرأي العام الوطني والدولي بأنّ الأمر يتعلّق بمساجين رأي. ولاشك أيضا أنّ لسان حال والدة الشاب المتوفّى والتي تحمّست كثيرا لحال ابنها دون أن تقف حقيقة على ميولاته وانخراطه في شبكات إرهابية دولية يقول: ليته بقي في السجن وسلمت حياته،، ولكن حكم القضاء وسبق السيف العذل. إشاعة مقتل تلميذ بجبنيانة ومن إشاعة النيل من منظومة حقوق الانسان الى إشاعة أخرى اتخذها صاحب المحاضرة كدليل على دور الاشاعة في النيل من سمعة بلد إذ ادعت إحدى الجمعيات غير المعترف بوجودها في بيان أصدرته وروّجته للعموم أن تلميذا يُدعى (سامي بن فرج) توفي يوم 28 جانفي 2008 بقسم الإنعاش بمستشفى صفاقس متأثرا بجروح عميقة على مستوى الرأس جرّاء الاعتداء عليه بالهراوات من قبل البوليس وذلك أثناء مشاركته في مسيرة تلمذية مساندة لأهالي غزّة، ويبلغ هذا التلميذ 18 سنة ويدرس بالباكالوريا بالمعهد الثانوي بجبنيانة. وقد سرى خبر موت هذا التلميذ بسرعة البرق إذ تناقلته عديد الجرائد الورقية والإلكترونية والفضائيات ووكالات الأنباء. وفي ردّها على هذا الخبر نفت السلطات المزاعم القائلة بوفاة تلميذ بجبنيانة مشيرة إلى أنه لا وجود لاسم التلميذ المزعومة وفاته في سجلات المؤسسات التعليمية سواء العمومية منها أو الخاصة في الجهة. وقام فرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بصفاقس بالتحري والبحث والتقصي فيما تمّ ترويجه من إشاعة حول مقتل التلميذ المذكور وتبيّن بعد البحث عدم وفاة أي تلميذ بجبنيانة. واستنكف البيان الصادر في الموضوع اللجوء إلى الأساليب الدعائية التي تنم عن استبلاه وعدم احترام الذات البشرية، ودعوة المواطنين لعدم تصديق هذه الأخبار التي يراد من ورائها تهييج الشارع وترويج أخبار لا سند لها. وإثر ثبوت اختلاق هذه الإشاعة اعتذرت العديد من الأطراف عن نقلها هذا الخبر مثل ما قامت به هيئة صحيفة «الطريق الجديد» في العدد الصادر بتاريخ 2 فيفري .2008 خلاصة القول يخلص صاحب المحاضرة الى الاستدلال في نهاية محاضرة بما قاله عالم الاجتماع والعلامة التونسي عبد الرحمان ابن خلدون في كتاب المقدّمة «ولمّا كان الكذب متطرقا للخبر بطبيعته وله أسباب تقتضيه، فمنها التشيعات للآراء والمذاهب فإن النفس إذا كانت على حال الاعتدال في قبول الخبر أعطته حقه من التمحيص والنظر حتى تتبيّن صدقه من كذبه وإذا خامرها تشيّع لرأي أو نحلة قبلت ما يوافقها من الأخبار لأوّل وهلة، وكان ذلك الميل والتشيّع غطاء على عين بصيرتها عن الانتقاد والتمحيص فتقع في قبول الكذب ونقله. ومن الأسباب المقتضية للكذب في الأخبار الثقة بالناقلين.. وعدم معرفة المقاصد.. والجهل بطبائع الأحوال في العمران». وأفضل ما ختم به الدكتور خمام محاضرته هو ما يلي «إنّ هذا الدرس الذي يعطيه ابن خلدون لصناع الإشاعة وترويج الأخبار الكاذبة يدعو دون شكّ قراء الأخبار إلى عدم التعامل مع أي خبر يقدم إليهم بسذاجة أو بعين فاقدة للبصيرة أو الانتقاد والتمحيص. وحتى لا يقع السقوط في عدم الاعتدال عند قبول الخبر أو في عدم التثبت من الناقلين أو الجهل بالواقع، فإنّ أسلم طريقة للتصدي للإشاعات والأخبار الكاذبة هو تحري الحقيقة والبحث عنها من مصادرها. ومن ناحية ثانية فإنّ الإصداع بالحقيقة يبقى في نهاية الأمر أفضل سبيل لسحب البساط أمام صناع وناقلي الأخبار الزائفة. والإصداع بالحقيقة بالنسبة للأمثلة والمجالات الحساسة يمكن أن يكون بطريقتين الأولى تفنيد مضامين الإشاعات الكاذبة، والثانية قول الحقيقة عند حصول تجاوزات. إنّ الإشاعة المغرضة مهما كان تأثيرها السلبي على الأفراد والجماعات وحتى الأنظمة، فإنّ موتها يكون بنفس سرعة مولدها ذلك أنّ ولادتها تتمّ بسرعة بمجرّد كتابة خبر صغير ونشره على مواقع الأنترنات المفتوحة أمام الجميع، لكنّ بذور الكذب الذي تحمله في طياتها يعجّل موتها فتصبح أثرا بعد عين. ولا نجد أصدق وأبلغ من قوله تعالى في كتابه العزيز في الردّ على كل ما هو زائف وباطل: «فأمّا الزبد فيذهب جفاء وأمّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض». والإشاعة ما هي إلاّ زبد يتحوّل إلى هباء منثور بمجرّد انجلاء النور وظهور الخبر الصادق اليقين. إعداد: حافظ الغريبي