صور مثيرة تجوّلت على صفحات موقع «الفايس بوك» عرضت لتسجيلين يستحقّان وقفة تأمّل حتى لا نقول صرخة استنفار. التسجيل الأوّل يخصّ طفلة تونسية صغيرة لا يتجاوز سنّها الخمس سنوات ترتدي قميص احد الفرق الرياضية التونسية وكانت بصدد ترديد عبارات بذيئة وأداء حركات استجابة وتفاعلا مع شخص أمامها - من الواضح أنه من تولّى تصويرها - ومن الأرجح أن يكون أحد أقاربها - والمصيبة الكبرى لو تبيّن أنّه والدها!!!! -. التسجيل الثاني الأكثر شناعة يعرض بالصوت والصورة طفلا تونسيا لا يتجاوز سنّه الثماني سنوات بصدد التدخين ومعاقرة الخمر مرددا كلاما فاحشا بطلب من الأشخاص الذين كانوا بصدد تصويره. التسجيلان كانا صادمين بكل مقاييس البشاعة المؤذية للمشاعر خاصّة وأن الأمر متعلّق باغتصاب اجرامي لبراءة أطفال لا يفقهون أي شيء مما تم تلقينهم أو اجبارهم على فعله . من الواضح أن التسجيل الأوّل الذي يخصّ الطفلة الصغيرة قد صوّر في منزلها الذي بدا فضاء عائليا مترفا لم تنقصه علامات الرقيّ المادّي بما قد يؤشر للوسط الاجتماعي الذي تنتمي إليه الطفلة البريئة. ومن الواضح أيضا أن التسجيل الثاني الذي يخصّ الطفل الصّغير في احدى الحدائق أو الفضاءات العمومية الطرفية يؤشر بتفاصيله وعبر علامات وجه الطفل وهيئته بأنّ الحالة تخصّ على الأرجح طفلا من أوساط شعبية فقيرة. نحن إذا أمام طوفان بذاءة شنيع عابر للطبقات والفئات الاجتماعية لم يكتف بإصابة شبابنا وكهولنا ليمرّ الآن إلى أطفالنا محمولا على أكفّ الهوس المرضي بالكرة مقابل غياب مصادر تأثير ثقافية أخرى مغايرة اللّهمّ عدى الدين والتديّن معروضا أمام كل احتمالات التأويل. الردع في مثل هذه الحالات واجب، لأنّ من قام بتصوير هذه التسجيلات هازلا كان أو جادّا يقف في نفس درجة الإجرام الذي يهدّد الأمن ويرهب الناس أما ما بعد الرّدع فتلك مسألة تستحق منّا الكثير من الإنتباه واليقظة والتعاطي الصريح مع مظاهر الإنحراف دون إثارة أو تضخيم لكن أيضا دون تعتيم أو تهميش لأصول نقاش مطلوب حول نموذج الأفكار والقيم والتمثّلات الثقافية التي نضعها اليوم في حضرة مجتمعنا عبر مختلف المؤسسات، عبر الإعلام والعائلة والمدرسة واستراتيجيات التنشئة والخطاب الثقافي والسياسي. كيف نواجه ما يبدو أنّه تصحّر وفراغات قيمية وثقافية ممتدّة لا توجد اقتراحات جادّة لتأثيثها بغير الكرة؟! أي بلادة أصابت قدراتنا على التفكير والفهم لتجعلنا على مشارف تعميم خطير لحالة غباء جماعي؟! أيّ تجهّم واستنفار لخيالات المؤامرة والردّ على المؤامرة فيما المؤامرة الحقيقية هي تلك التي نحيكها نحن في حقّ أنفسنا وعقولنا وفي حقّ الذّوق والجمال وفي حقّ الثقافة الراقية والمواطنة الذكية والطفولة البريئة؟! مجتمع ثمل... سكر بالكرة وانتشى... يشعر الآن بصداع في الرأس كما كل الثمالى... يحتاج وقفة تأمّل قبل حبّة أسبرين.